الأيام الجزائرية لندن/باريس ( وكالات): تحقق أمل اليمين المتطرف بفرض استفتاء العار في سويسرا، مما جعل هذه الدولة الفدرالية المحايدة في وضع حرج عندما صوت ناخبوها لصالح حظر بناء المساجد استجابة لاستفتاء مثير للجدل أطاح بالحريات المضمنة بدستور البلاد وبالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. وأعلنت وكالة أنباء «أيه تي اس» السويسرية ووسائل إعلام أخرى أن ما يقرب من 57.5 بالمئة من الناخبين و22 من بين 26 كانتونا وافقوا على الاقتراح في استفتاء عام أجري في سويسرا أيده حزب الشعب السويسري اليميني. ورفضت كل من الحكومة والبرلمان السويسريين المبادرة باعتبارها انتهاكا للدستور السويسري ولحرية الديانات والتسامح الذي تتمسك به البلاد. وقالت الحكومة إن هذا الحظر قد "يخدم مصالح الدوائر المتطرفة". ولكن الحكومة قالت إنها ستحترم قرار الشعب ولن يسمح بعد الآن ببناء مآذن جديدة. ووصفت صحيفة «سيدويتش زيتونج» الألمانية اليومية النتيجة بأنها"كارثة" مشيرة إلى أن سويسرا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي يفرض مثل هذا الحظر وأنه يمثل خرقا للدستور السويسري والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويعيش في سويسرا البالغ عدد سكانها نحو سبعة ملايين نسمة أكثر من 300 ألف مسلم هم في الأساس من البوسنة وكوسوفو وتركيا. وتباينت ردود الأفعال بين ساسة أوروبا غير أن اللافت للانتباه أن نتائج الاستفتاء قد شكلت على ما يبدو نصرا رمزيا للأحزاب اليمينية والحركات المتطرفة في أوروبا. ولم يفوت اليمينيون في هولندا الفرصة دون أن يطالبوا بدورهم بالسير في أعقاب الاستفتاء السويسري لحظر بناء المآذن في بلادهم. وقد عبر «خيرت فيلدرز» رأس حربة اليمين ورئيس حزب "من أجل الحرية" في هولندا صراحة بأن الهولنديين سيصوتون مثل السويسريين تماما إذا طرح استفتاء مماثل. وبالفعل فقد ذكرت صحيفة «دي تليجراف» الصادرة الاثنين أن حزب من أجل الحرية المنتقد للإسلام يعتزم إعداد مسودة قانون لإجراء استفتاء حول بناء المآذن في هولندا وهو أمر يرفضه الائتلاف الحاكم في هولندا المكون من المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين. واشتهر حزب من أجل الحرية في الفترة الأخيرة بمطالبه المعادية للإسلام فهو يطالب بمنع هجرة المسلمين إلى هولندا ومنع الحجاب ووقف بناء المساجد. ولا يختلف الأمر كثيرا في شمال ايطاليا حيث يعرف عن رابطة الشمال معاداتها للأجانب وتحفظها من الإسلام وهو ما يفسر إشادة القياديين في الرابطة بنتائج الاستفتاء السويسري. ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية «آكي» عن«روبرتو كاستيللي» نائب وزير النقل والبنى التحتية الإيطالي المحافظ "لقننا السويسريون مرة أخرى درساً في الحضارة". ووصف«كاستيللي» الإسلام بأنه دين غير متسامح ودعا إلى رسم الصليب على العلم الإيطالي. وإذا كان التبرير وراء انتفاضة الأحزاب اليمينية في أوروبا في أعقاب الاستفتاء معروفا كون معاداة الإسلام يعد قاسما مشتركا بينها فإن انضمام الأحزاب الكبرى إلى نغمة المعاداة قد يفتح الباب على مصراعيه لجدل واسع حول حقيقة التسامح والاندماج وحرية المعتقد والدين التي طالما نادت بها أوروبا وضمنتها في دساتيرها. وصرح مسؤول في حزب المستشارة الألمانية «انغيلا ميركل» أن انتصار مناهضي بناء المآذن في سويسرا ينم عن خوف من أسلمة البلد، موضحا انه خوف موجود أيضا في ألمانيا ويجب أخذه "على محمل الجد". وقال القيادي في الاتحاد المسيحي الديمقراطي «فولفغانغ بوسباخ» وهو في الوقت نفسه مسؤول لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان لصحيفة برلينر تسايتونغ "منذ سنوات وأنا ألاحظ تباعدا كبيرا بين الرأي العام والسلطات" حيال هذا الموضوع، مؤكدا وجود "انتقادات شديدة" لمشاريع بناء عدد من المساجد الضخمة في ألمانيا ولا سيما في حوض الرور "غرب البلاد". وقد لا يخفى على الكثيرين الامتداد الجغرافي واللغوي بين ألمانيا وسويسرا غير أن إجراء مستفتاء مماثل في البلد الجار لن يكون ممكنا لأن الدستور الألماني لا يسمح بإجراء استفتاء على المستوى الوطني الفدرالي ولكنه قد يكون ملهما لعدد من الدول الأوروبية. وعلى الرغم من الانتقادات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي فإن نتيجة الاستفتاء السويسري قد تكشف بأن لا شيء يضمن مستقبلا الفصل بين القوانين والحريات. فسويسرا وهي أكثر الدول في العالم قربا إلى الديمقراطية المباشرة لا يكفل فيها الدستور عمليا الحقوق المتضمنة فيه بما فيها الحريات الأساسية المقدسة إذ يكفي توقيع أكثر من مائة ألف مواطن على عريضة ليتحول مشروع القانون إلى الاستفتاء. وتجادل سويسرا بأن الاستفتاء يسري على المآذن وليس على الجالية المسلمة غير أن التداعيات التي أفرزتها النتائج لاحقا أبانت عن أن العملية تجاوزت مجرد التصويت على المآذن إلى الخوف من أسلمة أوروبا وانتشار الأصولية الإسلامية بسبب التأثير الدعائي لليمينين. ومن التعابير التي وردت مراراً في التحليلات والمقالات التي حفلت بها الصحافة السويسرية الناطقة بالفرنسية والألمانية، هناك "الخوف من الآخر" و"التصويت بالمعدة "أو بالغريزة"" و"اللامعقولية" و"الخلط بين الأمور". وانتقدت الصحف الصورة النمطية عن الإسلام، فكتبت صحيفة «لاليبرتي» أن السويسريين الذين وافقوا على حظر بناء المآذن، حركتهم "مخاوف مرتبطة بأسلمة البلد واختلاطٌ سكاني يسير بسرعة كبيرة جدا"، واعتبرت اليومية الصادرة في «فريبورغ»، أن الذين أطلقوا المبادرة استغلوا هذا الخلط. وحذر العديد من كتاب الافتتاحيات في الصحف من الانعكاسات المحتملة لنتيجة التصويت على صورة سويسرا، واعتبرت «لوتون» أن "مصداقيتها مهددة بالانهيار، نتيجة تصويت انفعالي، ذي بعد رمزي بلا شك، ولكن تداعياته لا حد لها". الاستفتاء الذي نسف حرية المعتقد بأرض "الحياد" أثار إقرار منع بناء المآذن في سويسرا في استفتاء شعبي الأحد ردود فعل معارضة الاثنين ليس من جانب المنظمات والبلدان الإسلامية فحسب ولكن في أوروبا كذلك ومن قبل الفاتيكان. وأيد الفاتيكان الاثنين موقف الأساقفة السويسريين الذين اعتبروا حظر بناء المآذن "ضربة قاسية لحرية المعتقد". وقال رئيس المجلس البابوي للمهاجرين المونسنيور «ماريا سفيليو» لوكالة الأنباء الايطالية (انسا) إننا "نتبنى الموقف نفسه للأساقفة السويسريين". وأضاف "نلاحظ بالتأكيد شعورا بالكراهية والخوف في كل مكان، لكن على المسيحي أن يعرف كيف يتجاوز ذلك". والأحد أعلن الأمين العام للمؤتمر الأسقفي السويسري المونسنيور «فيليكس غمور» أن أساقفة سويسرا مستاؤون، وأضاف "أن المجمع الفاتيكاني الثاني يقول بوضوح أن من المسموح لكل الديانات بناء أماكن عبادة، والمآذن هي أماكن عبادة. إنها ضربة قاسية للحمة" المجتمع السويسري. وفي «جدة»، أعرب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي «أكمل الدين إحسان اوغلي» في بيان عن "خيبة أمله وقلقه إزاء نتيجة الاستفتاء". وقال الأمين العام للمنظمة التي تضم 57 دولة يعيش فيها أكثر من مليار مسلم أن الاستفتاء "أن الحظر يعد "نموذجا جديدا يجسد مشاعر العداء المتنامي ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا من قبل جماعات اليمين المتطرف العنصرية والمعادية للمهاجرين وللأجانب، والتي تقف في وجه المواقف الحكيمة والمنطقية والقيم العالمية". وذكر انه مقابل انخراط المسلمين في مكافحة التطرف، "نرى أن المجتمعات الغربية أصبحت اليوم رهينة للمتطرفين الذين يستغلون الإسلام ككبش فداء وقاعدة لتنفيذ أجندتهم السياسية التي تكرس الاستقطاب والتشرذم في المجتمعات". وناشد «إحسان اوغلي» المجتمعات المسلمة إلى "الالتزام بالوسائل السلمية والديمقراطية في التعبير عن آرائها بشأن هذه المسألة". وأعرب الأوروبيون عموما عن أسفهم لنتيجة الاستفتاء الذي أيد فيه 57.5% من السويسريين دعوة اليمين الشعبوي لمنع المآذن، معربين عن خشيتهم من تبعاته لا سيما وان التظاهرات والاضطرابات التي حصلت في 2005 و2008 بسبب نشر رسوم كاريكاتورية تصور الرسول محمد في الدنمارك لا تزال ماثلة في الأذهان. وعبر وزير الهجرة الفرنسي «اريك بيسون» عن الاستياء الغربي بقوله انه "لا ينبغي إعطاء شعور بوصم واستبعاد ديانة بعينها، كالإسلام في هذه الحالة". وأعربت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي عن استغرابها لطرح الأمر أصلا على استفتاء. وقالت وزيرة الهجرة السويدية «نيامكو سابومي» أن "لدى سويسرا نظام استفتاء شعبيا رائعا لكن يساء استخدامه أحيانا، كما في هذه الحالة بعينها". وأضافت الوزيرة وهي من أصل إفريقي "ما من مشكلات بين المسلمين والأوروبيين في الاتحاد الأوروبي. المسلمون هم أوروبيون". ولكن القيادي في حزب المستشارة الألمانية «انغيلا ميركل» (الاتحاد المسيحي الديموقراطي) «فولفغانغ بوسباخ» رأى أن التصويت يعكس خشية من اسلمة المجتمع ينبغي "التعامل معها بجدية". وأعرب وزير الخارجية الفرنسي «برنار كوشنير» عن صدمته لما وصفه بأنه تعبير عن "عدم قبول الأخر". ومنذ الأحد، وصف مفتي الديار المصرية علي جمعة نتيجة الاستفتاء بأنها ليست إساءة طفيفة للحرية الدينية، أنها أيضا إهانة لمشاعر الطائفة الإسلامية في سويسرا وسواها". لكنه حرص على دعوة المسلمين إلى عدم ترك هذا القرار يستفز مشاعرهم. ودان المرجع الديني الشيعي اللبناني السيد «محمد حسين فضل الله» الاثنين نتيجة الاستفتاء، وقال في بيان "أن حملة دعائية استهدفت إثارة الرأي العام السويسري بهدف تقديم صورة مشوهة ومخيفة عن الإسلام". وأضاف "أن التحريض المتواصل الهادف إلى إيجاد حالة من العنصرية في الغرب ضد المسلمين من شانه أن يعود بالضرر على غير المسلمين". وحذر المرجع الديني المسلمين من "أن يندفعوا باتجاه العنف تحت وطأة ذلك"، داعيا إياهم إلى "أن يكونوا ايجابيين مع مواطنيهم السويسريين، حتى مع الذين صوتوا لصالح قرار منع المآذن في سويسرا". ورأت جمعية نهضة الأمة الرئيسية في اندونيسيا في الاستفتاء مؤشرا على "الكراهية" و"اللاتسامح"، لكنها دعت بالمثل إلى ضبط النفس. وفي باكستان اعتبر خورشيد احمد نائب رئيس الجماعة الإسلامية العضو في البرلمان أن الاستفتاء "يعكس كراهية شديدة للإسلام". ورأت جماعة الدعوة التي تعتبر الجناح السياسي لمجموعة "عسكر طيبة" المسلحة المحظورة القرار "انتهاكا لمبادئ التعايش والتسامح الديني". وشجبت منظمة العفو الدولية "انتهاك حرية المعتقد التي لا تتماشى مع الاتفاقات التي وقعتها سويسرا". ولم يعلن تأييده لنتيجة الاستفتاء السويسري سوى بعض السياسيين الايطاليين ومن بينهم وزير ومسؤول إقليمي وكذلك حركات اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا، والنائب الدنماركي اليميني المتطرف غيرت «فيلدرز». وينتمي النائب إلى حزب الحرية الذي يعارض "اسلمة" أوروبا ويعتبر القرآن "فاشيا". ويشغل هذا الحزب تسعة مقاعد من أصل 150 في مجلس النواب. ووصف «فيلدرز» نتيجة الاستفتاء السويسري بأنها "رائعة"، وقال أن حزبه سيطالب الحكومة الدنماركية بالعمل على إتاحة تنظيم استفتاء مماثل. ولا ينص الدستور الدنماركي على تنظيم استفتاءات.