الأيام الجزائرية (E????): تباينت ردود الفعل المحلية في لبنان على وثيقة «حزب الله» السياسية بين مرحب ومنتقد، لا سيما فيما يتعلق بفكرة المزاوجة بين المقاومة الشعبية والجيش الوطني، رغم اعتراف البعض بأنها تشكل تحولا واضحا في أدبيات الحزب. فقد رأى الكثيرون إطلاق «حزب الله» لوثيقته السياسية -وهي الثانية منذ تأسيسه عام 1985- إعلانا رسميا لانخراط الحزب في النظام السياسي اللبناني أو "لبننة" الحزب كما وصفته بعض وسائل الإعلام. ولا تقتصر أهمية الوثيقة على مضمونها فقط بل أيضا على الطريقة التي أعلنت بها، كونها جاءت بعيد انتهاء الحزب من أعمال مؤتمره العام الذي جدد فيه ل «حسن نصر الله» أمينا عاما للحزب وحرص الأخير على تلاوة نص الوثيقة شخصيا بحضور عشرات وسائل الإعلام العربية والأجنبية. بيد أن ردود الفعل اللبنانية على مضمون الوثيقة جاءت متفاوتة بين مرحب ومنتقد، حيث استأثرت عبارة "المزاوجة بين وجود مقاومة شعبية تسهم في الدفاع عن الوطن في وجه أي غزو إسرائيلي وجيش وطني يحمي الوطن" بمعظم الانتقادات. فقد اعتبر البعض هذه الجزئية الواردة في الوثيقة استباقا لما ستقرره طاولة الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية. ووصف نائب القوات اللبنانية « أنطوان زهرا» فكرة "المزاوجة" بأنها أشبه بالمساكنة أو الزواج غير الشرعي، واقترح عقد زواج شرعي برضا وقبول الطرفين على أن يتم الزواج بكل شروطه، أي أن تأتي المقاومة إلى بيت طاعة الجيش اللبناني. من جانبه رأى عضو تكتل "لبنان أولا" النائب عقاب صقر أن وثيقة الحزب السياسية حاولت إعطاء إيران حجما كبيرا، للإيحاء بأن إيران جزء لا يتجزأ من المنطقة، كما أعطت سوريا حيزا أساسيا في العالم العربي واستغرب استخدام الوثيقة لتعبير "إسرائيل" بدلا من العدو الإسرائيلي أكثر من مرة. وأضاف أن النقطة الملتبسة هي قول «نصر الله» إن الإستراتيجية الدفاعية يجب أن تشمل الجيش والمقاومة، ما يعني استمرار المقاومة إلى جانب الجيش، "لكن الوثيقة لم توضح كيف وبأي طريقة يكون ذلك". واعتبر صقر أن بعض مضمون الوثيقة يشكل قفزة للحزب -وإن كانت برأيه تحتاج إلى بعض التقويم- وأشار إلى أن «حزب الله» يختلف اليوم بنسبة 180 درجة عن «حزب الله» في الرسالة المفتوحة التي أطلقها عام 1985" لا سيما بالنسبة لاستخدام مصطلح "الدولة" في بنود الوثيقة ما يعد مؤشرا جيدا وتحولا في فكر الحزب. أما الكاتب السياسي «قاسم قصير» فاعتبر أن الحزب وضع في وثيقته السياسية رؤيته للوضع اللبناني، ولنظرته إلى الدولة والنظام السياسي اللبناني والتغيرات السياسية. ويقول «قصير» في حديث لموقع «الجزيرة نت» القطري إن «حزب الله» سابقا كان يعد نفسه في حالة حرب مع النظام اللبناني، بيد أنه اليوم بات جزءا من هذا النظام ويدعو لتغييره بالوسائل الديمقراطية، فضلا على أنه -بخلاف ورقة عام 1985- لا يطرح المشروع الإسلامي بقدر ما يطرح مشروعا إصلاحيا. وأشار«قصير» في حديثه مع الموقع ذاته إلى أن أهمية الوثيقة تكمن في أنها أول نص رسمي بعد 24 عاما على الوثيقة الأولى، وأنها جاءت حصيلة مؤتمر الحزب العام ما يجعلها ملزمة للحزب وليس مجرد تعبير عن رأي الأمين العام أو مسؤول قيادي. وبغض النظر عن القول إن الوثيقة استبقت النقاشات حول بعض القضايا، يرى كثيرون أن التعاطي الإيجابي مع ما ورد فيها يمكن أن يفتح الباب أمام مشهد جديد في لبنان، في حين يرى آخرون أن التعاطي السلبي سيشكل مادة للنقاشات العقيمة التي سادت سابقا سواء حول الإستراتيجية الدفاعية أو سلاح المقاومة أو العلاقة بين «حزب الله» والدولة. إشكالية التوازنات في فسيفساء الطائفية بلبنان يثير طرح إلغاء الطائفية السياسية في لبنان بندا من بنود اتفاق الطائف حساسية بعض الفئات خصوصا الوسط المسيحي الذي يعتبر أن الإلغاء سيتيح للأكثرية الإمساك بالحكم مما يهدد التمثيل المسيحي بالسلطة، وما يفاقم هذه المخاوف أن المسيحيين لم يعودوا متساوين عددا مع المسلمين. فقد دعت الوثيقة السياسية التي قدمها الأمين العام ل «حزب الله» «حسن نصر الله» إلى إلغاء الطائفية السياسية، وسبقه موقف مماثل لرئيس مجلس النواب نبيه بري. ورغم أن «نصر الله» استدرك إشكاليات الطرح، وقال بضرورة إجماع وطني عليه عبر الهيئة التي نص الدستور عليها حتى إذا لم يحصل عليها الاتفاق أبقى على الديمقراطية التوافقية صيغة تحمي الوفاق الداخلي. ولم يحل كلام «نصر الله» دون صدور مواقف موضحة كموقف رئيس الجمهورية «ميشال سليمان» قائلا "إلغاء الطائفية السياسية يجب أن يحافظ على التنوع والمناصفة وبالتالي المحافظة على ميثاق العيش المشترك الذي يشكل ميزة لبنان ويضفي الشرعية على كل المؤسسات". كما جدّد البطريرك الماروني «نصر الله صفير » تحفظّه على الموضوع مكررا أنه يجب إلغاء الطائفية من النفوس قبل إلغائها من النصوص، وإذا كان ذلك زال فمرحبا بالأمر، ولكن إذا كان لم يزل، فتحفظنا لا يزال قائما". وقال الوزير «عدنان السيد حسين» -من مجموعة وزراء رئيس الجمهورية في تصريح "الطائفية ليست في الرئاسات فقط وإنما نهج حياة وثقافة، البدء برحلة الألف ميل ولو بخطوة بسيطة لأننا لم نتحرك في هذا الاتجاه منذ عشرين سنة". ومن وجهة نظر أكاديمية، يعتقد أستاذ العلوم السياسية وليد بيطار في تصريح لموقع «جزيرة نت» أن "الإبقاء على الطائفية السياسية يشكل خرقا للمساواة في المواطنة، فمن يولد في طائفة معينة قد يتمتع بامتيازات أكثر ممن يولد في طوائف أخرى". وأضاف أن الموضوع تحف به التباسات وصعوبات لا يستهان بها، منها "إلغاء الأحزاب والقوى السياسية الطائفية التي تحكم، وغياب قانون موحد للأحوال الشخصية". ودعا بيطار إلى النظر في العلمنة كاحتمال ما زال قائما "لأن إخفاق الأحزاب العلمانية لا يعني سقوط هذا الخيار". ويعتقد نائب كتلة "لبنان الحر الموحد" «إسطفان الدويهي» (ماروني) أن "أي صيغة يتفق عليها اللبنانيون تشكل عاملا إيجابيا، وأي صيغة تطرح يجب أن تراعي التنوع، والمناصفة، وميزة لبنان كونه حاضنا للعيش المشترك". ولاحظ «الدويهي» تناقضات في بنود الطائف، فهو ينص على إلغاء الطائفية السياسية في بنود خاصة، لكنه ينص على المناصفة في بنود أخرى، مما يستدعي حذف بنود لتسهيل تنفيذ بنود أخرى. وأضاف "الطائف ليس منزلا وفيه شوائب ظهرت في ممارسته في العشرين سنة الماضية، وليس ما يمنع إعادة النظر فيه في إطار التوافق والتفاهم بين الجميع". من جانبه دعا الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ «بلال شعبان» إلى ضرورة إلغاء الطائفية السياسية كمحاولة للمساواة الإنسانية في ظل الشراكة الفعلية لكل المذاهب "وحصر المقاعد على أساس طائفي أمر سيئ لأنه يمنع وصول كفاءات إلى مواقع معينة". وأضاف لموقع «الجزيرة نت» "نحن مع الشراكة وضد المحاصصة -شراكة تراعي التركيبة الاجتماعية اللبنانية على أساس نسبي- لا يعقل أن تحكم أقلية إسلامية في أمريكا أكثرية مسيحية. يجب أن تراعي أنظمة الحكم الشراكة والنسبية في آن. التنوّع الإيجابي لأمتنا يتحوّل إلى محاصصات تحت وطأة التسعير الغربي، ونقص الوعي في أمتنا وطوائفها وأحزابها، يحوّل التنوع الإيجابي إلى حالة إلغائية". ولا يخفي أحد وجود المخاوف لدى طرح الموضوع، إذ يقول بيطار "التطورات الكثيرة أثبتت أن الغرائز تحكمت بالأحداث أكثر من العقل، مما يبرر مخاوف بعض الفئات التي تشعر بأقليتها، وتخشى فقدان حقوقها، لذلك يجب الإبقاء لهذه الجماعات على حقوق مواطنة مشروعة عند طرح الموضوع". أما النائب «الدويهي» فيرى أن "إلغاء الطائفية السياسية يشترط عدم انتقاص دور أي فئة، وألا يكون ذلك مقدمة لسيطرة طائفة على طوائف أخرى". ويختم الأمين العام للتوحيد الإسلامي قائلا "عشنا قرونا مع بعض دون أن يلغي أحدنا الآخر. ولتكن تركيبة ذات بعد إنساني تراعي الكفاءة وكل التشكيلة الإنسانية الموجودة".