قابلت علي مسلم، وهو متطوع يبلغ من العمر 29 عاما، في مسجد رابعة العدوية بالقاهرة، معقل الاخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. قال علي "أنا مستعد للتضحية بحياتي في أي وقت." وكانت الحكومة المصرية قد اعلنت يوم الاربعاء أن معسكري الاعتصام في رابعة وميدان النهضة القريب يشكلان تهديدا للأمن الوطني، وخولت وزارة الداخلية ازالتهما. يبدو الامر خطيرا جدا، خصوصا وان اكثر من سبعين شخصا قد قتلوا في رابعة الاسبوع الماضي في صدامات بين قوات الامن والمعتصمين. ولكن الكثير من المصريين يعتقدون الآن أن طرفي النزاع - الحكومة وانصار مرسي - يحاولان التوصل الى صفقة تنزع فتيل الأزمة التي اندلعت اثر ازاحة مرسي الشهر الماضي، وان التهديدات الاخيرة ولاسيما تهديد الحكومة باخلاء موقعي الاعتصام بالقوة انما هي جزء من العملية التفاوضية. هل يمكن ان يكون هذا صحيحا، خصوصا في ضوء الدماء التي اسيلت؟ أثرت هذا الموضوع مع اللواء سامح سيف اليزل، وهو مدير سابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش المصري ويدير الآن مركز الجمهورية للابحاث المتخصص في الشؤون الامنية والسياسية. يصر سيف اليزل على ان قوات الامن المصرية تتفهم تماما ضرورة انهاء المواجهة بطريقة تدريجية وباراقة اقل ما يمكن من الدم، ويقول إنه يرحب بمشاركة جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في اكتوبر / تشرين الاول او نوفمبر / تشرين الثاني. ويتحدث سيف اليزل وزملاؤه السابقون في القوات المسلحة الذين يمسكون الآن بزمام السلطة في وزارتي الدفاع والداخلية عن محاولة انهاء المواجهة بطريقة تدريجية ومرحلية. وبينما اقترح البعض اجبار المعتصمين على ترك الساحات عن طريق قطع التيار الكهربائي ومياه الشرب عنهم، يقول سيف اليزل إن هذا المقترح رفض لأنه غير انساني خصوصا خلال شهر رمضان. عوضا عن ذلك، ثمة توقعات بأن قوات الأمن ستشرع في الضغط على محيطي الاعتصامين بغية تضييقهما، كما هناك مقترحات بأن تبدأ هذه القوات بتقييد الدخول الى الساحتين بينما تسمح للخارجين بالمرور. حرب نفسية؟ مما لاشك فيه، وما يمكن لأي مراقب ان يلحظه، هو ان عدد المشاركين في الاعتصامين آخذ بالنقصان مقارنة بالاعداد التي كانت تشارك فيهما قبل اسبوعين. هذا ما أكده الصحفيون الذين واكبوا الاحداث طيلة هذه الفترة. قد يكون الهدف من وراء الاحداث المخيفة التي وقعت الاسبوع الماضي والتي راح ضحيتها العشرات اخافة الناس، وربما يكون الامر الذي اصدرته الحكومة بازالة المعسكرين جزءا آخر من حرب نفسية. على صعيد آخر، ربما خفتت حماسة بعض المحتجين. ولكن زعماء جماعة الاخوان المسلمين يصرون من جانبهم على انهم مصممون على مواصلة الاعتصام حتى يعود الرئيس المعزول - والبرلمان المنتخب - الى منصبه السابق. كما يصر هؤلاء على اعادة العمل بدستور 2012، وهو الدستور الذي تعمل الحكومة المؤقتة الآن على تعديله. لا تبدو هذه المطالب واقعية بالمرة. ولكن عندما كنا نصور في رابعة، اقترب مني احد انصار الجماعة وأسر لي بأن المعتصمين فقدوا الامل بعودة مرسي الى سدة الرئاسة، وانهم لا يطالبون الآن الا بعودة الديمقراطية. وفعلا، فإن التوصل الى سبيل يفضي الى اجراء انتخابات جديدة هو جانب مهم من الصفقة الكبرى التي يجري التفاوض حولها في الوقت الراهن. وهناك العديد من الاوراق التي يمكن استخدامها في هذا المجال، منها مصير مرسي وغيره من زعماء الجماعة. وعندما تحدثت الى عصام العريان الناطق باسم الاخوان المسلمين، المح الى احتمال مقاطعة الجماعة للانتخابات المقبلة، ولكن عندما سالته إن كان ذلك موقفها النهائي رفض تأكيد او رفض فكرة المقاطعة. وفي الحقيقة فإن استعداد العريان حتى لبحث الموضوع يشير الى اعتراف ضمني باستحالة اعادة عقارب الساعة الى ما قبل الاطاحة بمرسي كشرط لبحث المستقبل. فالعريان وغيره من كبار زعماء الجماعة يعلمون علم اليقين أن الجيش والحكومة المؤقتة يرغبون بمواجهة منتقديهم بالاعلان بأن الجماعة قد وافقت على العودة الى اللعبة الانتخابية. ولكن اذا قررت الجماعة مقاطعة العملية السياسية، قد تطيل من امد التوتر بين الحكومة المؤقتة من جهة ومنتقديها في الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى. وهكذا يستمر الطرفان في تصيد اخطاء الطرف الآخر من اجل الحصول على منافع تعزز موقفيهما. قد يكون من المستحيل مصالحة اولئك الذين اطيح بهم مع الذين يريدون تعديل بوصلة الديمقراطية المصرية قبل موعد الانتخابات البرلمانية. فقد ينفلت العنف بين الطرفين عن عقاله ويخلق ديناميته الخاصة به. ولكن كل الادلة المتوفرة في القاهرة الآن تشير الى ان فترة من المفاوضات المكثفة قد انطلقت فعلا.