رحل الرئيس الشاذلي بن جديد إلى جوار ربه، مخلفا إرثا سياسيا واجتماعيا وشخصيا عميقا، وسيظل اسمه مرتبطا بمرحلة البدايات الأولى للديمقراطية والتعددية والانفتاح السياسي والإعلامي في البلد.. وستبقى حسناته كثيرة.. فالفضل للمبتدي وإن أحسن المقتدي.. الرئيس لم يكن عالما ولا مفكرا ولا أديبا ولا منظّرا.. إنما كان فوق هذه التوصيفات جميعا، فقد كان إنسانا جزائريا ومواطنا شعبيا بامتياز، فالعارفون بشخصيته يقولون إن بهرج السلطة لم يسلبه طيبته وتواضعه وصفاء سريرته.. الرئيس الشاذلي كان رجلا فحلا، يشعر محدثوه بصدقه وطيبته منذ الوهلة الأولى، ولذلك لم يكن مفاجئا أن يتمكن العسكري القادم من الناحية الخامسة بوهران أن يتحول إلى مسؤول لا تخيفه تعقيدات السياسة ولا حسابات الربح والخسارة في موازين الدول.. أما بالنسبة لحصيلة حكمه، فلم تكشف بعد عن كل أسرارها، ولم تحدد مسؤوليات من كان إلى جنبه في السلطة، رغم أن الرجل كان في منتهى "الاستقامة" السياسية عندما صرح غداة أحداث أكتوبر أنه "يتحمل لوحده المسؤولية الكاملة عما حدث من مآس".. هذه المسؤولية.. وهذه "الرجلة" هي التي جعلتنا نشاهد مواطنين من مختلف الأعمار والشرائح يقفون أمس تحت شمس حارقة ليلقوا نظرة الوداع الأخيرة على جثمان الرئيس.. الذي أحبوه بصدق..