فتح التنوّع الجزائري في العلاقات الخارجية بوابة سباق ديبلوماسي وسياسي واقتصادي وحتى ثقافي بين أبرز عواصم الدول الأوربية وأمريكا حول محور الجزائر شمال إفريقيا، وفيما كانت توجهات السياسة الخارجية لبلادنا تركّز على البوابة الفرنسية كمعبر نحو باقي الدول الغربية، تحررت الجزائر بشكل كبير من تلك التبعية التي فرضتها الظروف المالية والاقتصادية للبلاد الناتجة عن الأزمات والهزات العنيفة التي مرت بها. وتعرف الساحة السياسية هذه الأيام حراكا جزائريا أمريكيا فرنسيا غير مسبوق، فعلى الجبهة الأمريكية عرفت العشرية الأخيرة تقاربا جزائريا أمريكيا كبيرا بالنظر لحجم التعاون بين البلدين خلال العقود الماضية، فقد اهتمت الدوائر الأمريكية كثيرا بالدور الجزائري في محاربة الإرهاب بمنطقة الساحل وشمال إفريقيا، حيث نرى تطابقا هاما في وجهات النظر فيما تعلق بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية وتبييض الأموال. وفي المجال الاقتصادي تحسن مستوى المبادلات التجارية بين البلدين، إذ ارتفع حجمها إلى أعلى المستويات، وفي هذا الشأن تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية المتعامل الاقتصادي الأول للجزائر بعدما سجل ميزان المبادلات بين البلدين لعام 2011 نحو 17 مليار دولار. الحوار الاستراتيجي الجزائري الأمريكي الذي احتضنته العاصمة الأمريكيةواشنطن خلال الأسبوع الماضي يعتبر في الحقيقة تتويجا لعشرية من التشاور وتقريب وجهات النظر بشأن عدة قضايا محلية وإقليمية ودولية في الشأن السياسي والأمني والاقتصادي، إذ لم تتوقف زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين للجزائر. وتزامن ذلك مع علاقات جزائرية فرنسية غير مستقرة منذ صدور قانون فيفري لتمجيد الاستعمار منتصف العشرية الماضية، هذا القانون الذي وضع العلاقات بين البلدين في ثلاجة لم يؤد إلى فقدان الثقة بين العاصمتين بل إن تولي نيكولا ساركوزي مقاليد الحكم في قصر الإليزيه وتّر العلاقات الثنائية خصوصا أن كل سياساته وتصريحاته كانت تصبّ في نصب العداء للمصالح الجزائرية في محيطها الإقليمي وفي شمال إفريقيا وعلاقاتها مع أوروبا. كما أن مجيء فرانسوا هولاند الذي لايزال يخيّم عليه ظل ساركوزي الراغب في العودة إلى الرئاسة الفرنسية أدى إلى تفاؤل محسوس بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، لكنه لم يؤد إلى إذابة كتلة الجليد التي تمنع تحريك مياه العلاقات بين الجزائر وباريس، إلا أن اعتراف الرئيس هولاند بمجازر السابع عشر أكتوبر 1961 فتحت باب التفاؤل الجاد مرة أخرى بإمكانية الوصول إلى قاعدة مشتركة لعلاقات ثنائية قائمة على المصالح المشتركة والمتبادلة وفق الأعراف الدولية التي تحكم العلاقات بين البلدين لا على أساس قالب السيد والعبد الذي يريد البعض وضع العلاقات الجزائرية الفرنسية بداخله. وبانطلاق الحوار الاستراتيجي بين الجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية عشية التحضير لزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبلادنا خرج وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن صمته ليوضّح بعض المفاهيم عندما قال إنه يأمل في توقيع اتفاق شراكة إستراتيجية وليس معاهدة صداقة وهو يدرك معنى ذلك من منطلق أن فتح ملف الماضي بالنسبة للطرف الفرنسي أمر شائك في بداية العهدة الهولاندية، لكن التصريح هو اعتراف بحق الجزائريين في مقاربتهم التي تعتمد على تفادي توقيع اتفاق صداقة مع فرنسا التي يرفض ساستها الاعتراف بالماضي القاسي للاستعمار الفرنسي بالجزائر، كما أن فابيوس يريد تعجيل روابط الشراكة بواسطة اتفاق إستراتيجي بين حكومة بلاده والجزائر لأن التأخر الفرنسي في التعاطي بليونة مع الجزائر ومطالبها التاريخية كبّد ولا يزال فرنسا خسائر فادحة خصوصا أن الأزمة الاقتصادية تضرب العمق الأوروبي بقوّة، لذلك نقرأ في الحراك الدائر تسارعا في العلاقات المشتركة على محور باريس واشنطن والبقاء في فن الدبلوماسية للعرض الأفضل.