ملفات الذاكرة والتعاون والساحل على طاولة مدلسي وفابيوس غدا بالجزائر يحل غدا بالجزائر وزير الشؤون الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في زيارة عمل هي الأولى من نوعها بدعوة من نظيره مراد مدلسي تدوم يومين، وتتناول عديد الملفات المطروحة بين الطرفين منها تحضير الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للجزائر قبل نهاية السنة الجارية، والوضع في منطقة الساحل. أكدت الخارجية الفرنسية أول أمس أن وزير الشؤون الخارجية لوران فابيوس سيقوم بزيارة رسمية للجزائر يومي الأحد والاثنين المقبلين بدعوة من نظيره الجزائري مراد مدلسي، وقال بيان لوزارة الشؤون الخارجية في هذا الصدد أن "هذه الزيارة ستكون فرصة للوزيرين لتقييم مدى تقدم مختلف ملفات العلاقة الثنائية التي التزم الطرفان بإدراجها في إطار بناء شراكة مميزة، والتي أكد على مبدئها الرئيسان عبد العزيز بوتفليقة وفرانسوا هولاند". وحسب ذات البيان فإن زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية لبلادنا ستكون أيضا فرصة للطرفين لتبادل وجهات النظر والتحاليل حول عدد من مواضيع الساعة على الساحتين الإقليمية والدولية سيما دفع مسار الصرح المغاربي، والوضع في منطقة الساحل والتنمية في الفضاء المتوسطي فضلا عن مسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك. وفي الحقيقة فإن هذه الزيارة لمسؤول فرنسي بهذا المستوى منذ سقوط الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ستكون فرصة جديدة لتوضيح العلاقة بين البلدين أكثر فأكثر، والدفع بها نحو آفاق جديدة بعد المتاهات التي دخلت فيها في عهد الرئيس السابق بسبب تعنت المواقف الفرنسية إزاء مسائل وملفات حيوية بالنسبة للجزائر خاصة منها ملف الذاكرة. وربما ستكون زيارة لوران فابيوس هذه للجزائر قاعدة للانطلاق في بناء علاقات جديدة بين الجزائر وباريس في سكة أخرى تختلف غير تلك التي أرادها الرئيس نيكولا ساركوزي، ويعتبر المراقبون هذه الزيارة بمثابة الخطوة الأولى لإعادة الدفء لخط الجزائر باريس البارد نوعا ما، وهي قبل ذلك أيضا ترجمة أولية لتصريحات حسن النية التي أطلقها الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند قبل أيام قليلة فقط في برقية تهنئة وجهها للرئيس بوتفليقة بمناسبة خمسينية الاستقلال والتي أبدى فيها استعداد بلده لاعتماد "مقاربة جديدة" للنظر لموضوع التاريخ والماضي المشترك بين البلدين خاصة الماضي الاستعماري، وقال في البرقية أن فرنسا تعتبر أن " هناك اليوم مكانا من أجل نظرة حكيمة و مسؤولة نحو الماضي الاستعماري الأليم، و في نفس الوقت التقدم بخطوة واثقة نحو المستقبل". وواصل هولاند يقول للرئيس بوتفليقة في ذات البرقية "استمعت إلى ندائكهم يوم 8 ماي الفارط إلى قراءة موضوعية للتاريخ بعيدا عن حروب الذاكرة و الرهانات الظرفية..الفرنسيون و الجزائريين يتقاسمون نفس المسؤوليات في قول الحقيقية التي يدينون بها لأسلافهم و شبابهم كذلك". و أضاف هولاند "تاريخنا الطويل و المشترك خلق بين الجزائر و فرنسا روابط مكثفة، يتعين علينا المضي معا من أجل بناء هذه الشراكة التي ترغبون فيها".وقبله كان رئيس الجمهورية قد عبر من جانبه في الحوار الذي خص به يومية"لوموند" الفرنسية بمناسبة الخامس جويلية عن نظرة الجزائر لعلاقات مميزة بين البلدين تقوم على التعاون والاحترام المتبادل، حيث أشار بهذا الخصوص إلى أن الجزائر وهي تستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلالها فإنها تنوه بمستوى علاقاتها مع فرنسا، متحدثا في نفس الوقت عن "ديناميكية جديدة" طبعت في المدة الأخيرة العلاقات بين البلدين، وحظيت بدعم السلطات العليا للبلدين، ستسمح بتسجيل وثبة نوعية تكون في مستوى قدرات وطموحات البلدين. وليست تصريحات بوتفليقة وهولاند الوحيدة في هذا الشأن التي بشرت بتحسن مستوى العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب، بل جاءت تصريحات أخرى في نفس الاتجاه من طرف مسؤولين آخرين في البلدين مباشرة بعد صعود الاشتراكي فرانسوا إلى سدة الحكم منتصف شهر ماي الماضي، بعد فترة التوتر والجمود التي طبعتها في عهد نيكولا ساركوزي. لكن تحسين مستوى هذه العلاقات مرتبط بتفكيك العديد من الخلافات العالقة بين الطرفين في ملفات شتى أولها ملف الذاكرة التي يصر الطرف الجزائري على أن تعترف فرنسا الرسمية عما اقترفاه فرنسا الاستعمارية في حق الشعب الجزائري، وان تعتذر له وان تعوضه، وفضلا عن ذلك فإن ملفات إقليمية حساسة لا تزال تصنع الاختلاف بين الجزائر وباريس أبرزها الأزمة المالية التي ستكون حاضرة بقوة في أجندة فابيوس غدا بالجزائر. ومعروف انه في الوقت الذي تدعو فيه الجزائر لحل سلمي وسياسي للأزمة التي تعصف بمالي وهي متأكدة أن فرصة من هذا النوع متوفرة وحظوظها كبيرة، في هذا الوقت تدعم باريس خطة التدخل العسكري الخارجي في مالي لطرد الجماعات المسلحة من شماله واستعادة سيادته الكاملة، وهي بذلك تؤيد الطرح الذي تعمل من اجله المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي لم تتمكن حتى الآن من الحصول على مباركة من مجلس الأمن ولا من القوى العظمى للتدخل عسكريا في شمال مالي، بل بالعكس فإن الطرح الجزائري يحظى بدعم واضح من واشنطن وبلدان أخرى. كما ستكون ملفات أخرى مثل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين و مسألة الهجرة والتنمية في الفضاء المتوسطي، والتحضير للزيارة التي ترتقب أن يقوم بها الرئيس الفرنسي لبلادنا قبل نهاية السنة على طاولة مدلسي وفابيوس غدا وبعد غد بالجزائر، على أن ينشط الوزيران بعد ذلك ندوة صحفية مشتركة يعلنان فيها نتائج الزيارة، ومن المرتقب أن يحظى وزير الخارجية الفرنسي باستقبال من طرف رئيس الجمهورية.