حسب شهادة الضابط حمة الطاهر، فإنه حينما دخل جبل المحارقة وأصبح جزءا من جيش سي الحواس الذي لم يكن يضم أكثر من 200 فرد، فإنه في الجهة الأخرى من الجبال ومن السفوح والهضاب، كان هناك رجلا يصنع حدث الجهاد وحدث الثورة وكان جنوده وأتباعه فوق العد والعدد، وأخبار بطولاته تناقلها القرى والمداشر ويقصد به الشيخ "زيان عاشور" أو "المرابو" كما كانت تطلق عليه فرنسا نظرا لتكوينه الديني، وكونه خريج الزاويا ومعروف عنه نضاله في صفوف الحركة الوطنية ورقم فاعل فيها قبل اندلاع الثورة التحريرية، الرجل المرابو استبق جبهة التحرير إلى منطقة الصحراء واستطاع أن يشكل جيشا كبيرا لا شعار ولا مظلة سياسية له إلا الجهاد وحمل السلاح ضد فرنسا، وكان اتباعه من الحطابين والبدو والثائرين والثورة التي ربطتها أطراف بمؤتمر الصومام، تدحضها معارك جيش زيان عاشور الذي لا يختلف إثنان أنه كان يضم المصاليين أو مناضلي الحركة الوطنية القدامي وبين جيش الحواس الذي لم يكن يتعدى ال200 جندي في سنة 1956 بشهادة الضابط حمة الطاهر، وجيش زيان عاشور المنتشر في انحاء كثيرة وبأعداد كبيرة جدا ومضاعفة، كان الصراع الخفي والمخفي قد ظهر وتشكل بين من يسيطر ويتبنى جهاد الصحراء، أهم المصاليون الذين استغلوا غياب الجبهة عن المنطقة في بداية الثورة ليشكلوا نواة جهاد وثورة موازية تدين بدين مصالي الحاج، أم الجبهة التي أخطأت التقدير حينما تناست وأهملت الثورة في جنوب البلاد لتصلها متأخرة بعدما أصبح زيان عاشور أسد الصحراء بلا منازع لتطفوا معالم ورجال من بطن ثورته وتردد المناطق أسامي وصور شخصيات صنعت الحدث منها "عبدالله السلمي، محاد بلهادي، وعبدالرحمان بلهادي ودقمان ومفتاح والحاج بلعمي والعربي القبايلي ".. تلك الشخصيات السابقة والتي كان لها أسبقية إعلان الجهاد، في المنطقة سيكون لها شأن آخر ومصير وخيار آخر بعد استشهاد الشيخ زيان عاشور .. الخلاف أو التنافس بين المصاليين والجبهوين بالصحراء لم يكن وليد الصدفة وجيش عاشور المشكل من وجوه مصالية معروفة استطاع في معارك عدة أن يجسد حضوره ويثبت ذاته كناطق رسمي لجغرافيا تجاهلتها جبهة التحرير في بداية الثورة، ليغرس الشيخ زيان عاشور أقدامه في الصحراء بعدما أصبح لديه جيش بعدة وعتاده مكتسحا عمالة الواحات كما تسميها السلطات الاستعمارية، بمناطق بسكرة، الجلفة والأغواط، في غياب جبهة التحرير الوطني وجيشها عن ساحة فارغة، إلا من مناضلي حزب الشعب الذين فرشوا البساط للشيخ زيان ولأن زيان عاشور وجيشه أصبحوا واقعا، فإن تنافسا كبيرا وصراعا خفيا تنبه له العربي بن مهيدي الذي اكتشف نفوذ المصاليين في الصحراء لينزل في لباس مدني من الأوراس ويلتقي سي الحواس آمرا إياه بأن لا يوقع مراسلاته باسم "الحركة الوطنية الجزائرية" كما كان معهودا وإنما باسم "جيش جبهة التحرير"، بعدما كانت توقع باسم الحركة الوطنية سنة 1956، حسب تأكيدات الضابط "حمة الطاهر" والذي كان يشغل منصب الكاتب المساعد لشعباني كاتب سي الحواس، ليظهر بذلك الصراع العلني ويتعرى الخلاف الذي ظل دفينا بين رمال الصحراء ومن هو الأحق بتبني جهادها أهم المصاليون أم الجبهويون،؟ ويدشن عهد القلاقل والتموقع ويصبح لكل طرف جيش ورسائل ومعاركا يسجلها باسمه. ورغم أن الجهاد واحد والعدو واحد، إلا أن صيف سنة 1956 كان يؤذن بأن الثورة بالواحات أو بالصحراء قد فتحت جبهة جديدة لا أحد كان يتصور أنها ستحبل بميلاد "جنرال" بنياشين فرنسية، كاد أن يخلط حسابات الثورة كلها، خاصة حينما سقط "زيان عاشور" شهيدا بعين الملح بعدما حوصر صدفة بين أيدي فرقة مشاة "228 " الفرنسية والتي رصدت أثناء عملية تمشيط عادية حركة 32 جنديا لتقوم بمحاصرتهم وإبادتهم بمعركة واد خلفون بعين الملح لتكتشف بعد الواقعة أن بين القتلى شخصية مهمة كانت هي عماد الجهاد بالمنطقة ونعني بها الشيخ زيان عاشور الذي سقط شهيدا وذلك بتاريخ 7 نوفمبر 1956 مخلفا وراءه أزمة تشكلت ولاحت بوادرها بين مناضلي الحركة الوطنية أو المصاليين وجنود جبهة التحرير، خاصة بعدما تحول أمر خلافته إلى معركة وصراع أدى إلى ظهور شخص يدعى "بلونيس" أخلط حسابات المنطقة والثورة وأدى ظهوره إلى انشطار جيش زيان عاشور ليصبح الجيش المشبوه والعميل وتمحى من صحائفه معارك كان قد قادها رجاله في مواقع عدة واستشهدوا فيها لينتهي حال وتاريخ "المرابو" الشيخ زيان إلى النسيان، خاصة أنه قبل سنة 1981 كان اسما ممنوعا من التداول الثوري وبقرار رسمي ولولا سعي بعض المجاهدين على رأسهم الرائد "عمر صخري" لإحياء ذكراه عبر ملتقى أقيم سنة 1981 لظل "المرابو" متهما بالخيانة كحال من استشهد معه، والسبب أنه من بطن جيشه ولدت أسطورة الجنرال بلونيس الذي استغل غياب الراعي فاستفرد بالقطيع لتنحرف ثورة المصالين ويتحول مجاهديها إلى خونة مطلوب استئصالهم من دفاتر التاريخ.. في الحلقة القادمة: عمر إدريس يختفي و شعباني قائدا للناحية الرابعة .. والمصاليون يبايعون "بلونيس" جنرالا