خ.رياض دقّ خبراء اقتصاديون ومختصون في البيئة ناقوس الخطر بخصوص تأثير نهب الرمال على الاقتصاد الوطني، حيث يؤدي استغلال الرمال بطرق غير قانونية إلى حرمان خزينة الدولة من مبالغ مالية، تصل إلى حدود 20 مليار دينار سنويا، حسب أرقام صادرة من جمعيات بيئية وحقوقية تعنى بمحاربة هدر المال العام. ويعتبر تدبير ملف الرمال من الملفات الشائكة والمثيرة للجدل كونها تدخل في خانة مظاهر اقتصاد الريع وامتيازات جماعات المصالح بشكل يثير الدهشة والاستغراب حيال التكالب المتزايد على الكثبان الرملية في عدد من الأودية على الصعيد الوطني ,وتثير جمعيات بيئية مهتمة بنشاط حماية المورد العمومي إشكالية عدم تحرك الجهات الرسمية لوقف نهب الرمال في الوديان على الرغم من الترسانة القانونية وجملة التدابير التنظيمية التي تتوزع على مراسيم تنفيذية صدرت سنتي 2006 و2009 وتبعتها أكثر من 20 أوامر تنفيذية ,تنظم هذا النشاط “الريعي" وقد صدرت خلال السنوات الأربع الأخيرة على وجه الخصوص العشرات من الإجراءات التنظيمية التي تحدد نشاط استخراج الرمل الذي صار مرتبطا بفئة محدودة تستفيد من ثروات وخيرات البلاد دون مجهود، ومن ضمنها آلاف المكعبات من رمال الأودية والشواطئ بلا نهم وغيرها. والظاهر أن هذا النوع من النهب المنظم تترجمه حالات ممارسات المافيا في عديد من الأودية من مناطق البلاد كما هو الحال لأودية ولايتي بومرداس وتيزي وزو وبالتحديد منطقة دلس ببومرداس التي صارت هدفا لعشرات من آلات استخراج ونقل الرمل بطرق مريبة تدعو للاستغراب، بسبب الثراء الفاحش الذي ظهر على كثير من العاملين في مناطق استخراج الرمل بدلس على حساب تنمية المنطقة وعلى حساب حاضر شبابها، والأسوأ من ذلك أن السنوات الأخيرة شهدت تدفقا غير مسبوق على هذه المادة الإستراتيجية وارتبط نشاطها بأشخاص نافذين في مناصب حساسة في الدولة شكلوا معهم لوبيات لحماية امتيازاتهم في مواجهة أي تغيير قد “يكبح" الثراء المشبوه الذي ظهر على العديد من البارونات. المطالبة بفتح تحقيق بشأن الاستغلال المفرط للرمال وبرأي أحد النواب عن لجنة الري بالمجلس الشعبي الوطني، فإن الكثير من المناطق المعروفة بكثافة هذا المورد الطبيعي تتعرض للنهب في ظل غياب المراقبة والمساءلة وصمت الجهات المختصة في تنظيم نشاط استخراج الرمل وتحضيره ونقله، ولفت المصدر إلى أن هناك مبادرة يعكف أصحابها على إدراج نقطة بجدول أعمال الدورة المقبلة تتعلق برفع ملتمس إلى السيد وزيري البيئة والري بفتح تحقيق بشأن الاستغلال المفرط لمقالع الرمال قصد إخضاع المادة المطلوبة بكثرة في ورشات البناء للقانون الصارم ومحاسبة المتسببين في النهب مهما كانت درجاتهم ومكانتهم السياسية والاقتصادية. تساؤلات عن إفلات مافيا الرمال من العقاب والمساءلة! في السياق ذاته، أقرت بعض الجمعيات الناشطة في هذا المجال أن شبكات استغلال هذا المورد الحيوي تبدو في منأى عن المساءلة القانونية على الرغم من وجود ترسانة من التشريعات المنظمة لنشاط الاستخراج واستفادة كامل الولايات التي تتميز أوديتها بهذه السلعة الهامة من دفاتر شروط تنظم معايير الاستخراج وتحديد الكميات المستخرجة ونوعية العتاد المستعمل في التنقيب على الرمل، مع منع الجرافات والآلات الثقيلة من دخول الأودية، لكن ما تلمسه البعض في مناطق الاستخراج بولايات البليدة، تيبازة، الشلف، تيزي وز، بومرداس، مستغانم وغيرها من مناطق الاستخراج، يكشف عن نهب منظم للمادة التي باتت تهرب ليلا وفي مواقيت غير محددة للاستخراج، وقد كشفت بعض المصادر عن لجوء الناهبين إلى استعمال مسالك ترابية وأخرى غير مراقبة في نقل الكميات المسروقة للحيلولة دون وقوعهم في قبضة مصالح الدرك التي تلقت تعليمات بمضاعفة الحواجز الثابتة منذ شهر مارس 2011 لفرملة لصوص الرمال على الصعيد الوطني. وزارة الموارد المائية التي تعتبر المسؤولة المباشرة على قطاع الرمال تعد الخاسر الكبير من أثار هذه الظاهرة الخطيرة التي تفشت بشكل مذهل في الجزائر ,كان وزيرها عبد المالك سلال فرض سنة 2009 حظرا على استخدام الأحواض والأودية لاستخراج الرمال في كثير من الولايات وخص الشلف، بومرداس، تيزي وزو على وجه الدقة لحجم الضرر الذي تركته مافيا نهب الرمال. كما حدد دفتر شروط وطني يخضع له جميع المستثمرين الراغبين في استثمار أموالهم في هذا النشاط، لكن بعد مرور 4 سنوات، عادت المافيا لتضرب مصداقية القطاع من جديد وضاعفت سرقة الرمال واستغلالها المكثف بدون وجه حق. ولعل المفارقة العجيبة التي رسمها قانونيون ومختصون في هذا المجال، هو تراجع العمل في المحاجر المرخصة وعودة أصحابها إلى نشاطهم السابق القائم على النهب المستمر الذي بات يدر أموالا طائلة عليهم بفضل التنقيب العشوائي على المادة المسماة عند بعضهم ب«الذهب الأصفر" وشبهها البعض ب«الكوكايين" لضخامة الأرباح التي يجنيها الناهبون من السرقة وتهريب أطنان الرمال في مواعيد تشبه تحركات زوار الليل ، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات عن أحقية هؤلاء الأفراد دون غيرهم من استغلال الرمال لصالحهم، دون وجود معايير شفافة توضح مجال استغلال ثروات الرمال بالبلاد. وفيما لا توجد أرقام رسمية حول مدى تأثر الاقتصاد الجزائري بنهب الرمال، أفاد بعض العارفين بهذا النشاط، بأن هناك عدة مليارات من الدينارات وصلت سنة 2010 حدود 20 مليار دينار تضيع كخسارة بسبب نهب الرمال، مردفا أنه بالرغم من حصول الدولة على الضرائب من استغلال الرمال، لكن ذلك لا يعوض الخسارة البيئية والمادية للدولة في هذا السياق. ولفت المصدر إلى أن بعض الأشخاص العاملين في “واد سيباو" الذي يتوسط ولايتي بومرداس وتيزي وزو ,كثفوا من نشاط سرقة الرمال ,وشوهدت وحدات صغيرة مدعمة بالات جارفة وشاحنات نقل على مستوى المصب تنهب أطنان الرمال في تحد صارخ لقانون حظر استخراج الرمل من الأودية وبالتحديد المرسوم التنفيذي الصادر في 16 نوفمبر 2009 الذي يمنع استخراج مواد الطمي في مجاري الوديان وأجزاء الوديان، حيث لم تعط إجراءات غلق 8 مقالع بالمنطقة النتائج المرجوة ,بل ارتفعت وتيرة النهب بهذا الوادي نتيجة استعمال معظم المختصين في النهب عشرات الهكتارات من الأراضي الفلاحية المحاذية لمناطق الاستخراج واستئجارها من أصحابها لتسهيل نشاط السرقة والتقليب العشوائي على المادة الحيوية من خلال إحداث حفريات تصل 20 مترا إلى 30 م ساهمت في تعرية القشرة الأرضية في غياب مخططات طوبوغرافية تحدد مواقع الاستخراج . وأشارت مصادر “البلاد" إلى أن ما هو مصرح به في استهلاك قطاع البناء مثلا من الرمال يناهز 9 ملايين متر مكعب من الرمال، تستخرج من المقالع المرخص لها، ومن المنحدرات الرملية، لكن في الواقع يستهلك قطاع البناء حوالي 20 مليون متر مكعب من الرمال.وبعد أن أثنى المتحدث على الجهود التي تبذلها السلطات المختصة والمعنية في محاربة ظاهرة سرقة الرمال بالبلاد من طرف مافيا متخصصة شيدت أمجادها على النهب والثراء المشبوه. شدد على ضرورة تضافر الجهود وتوحيدها في سبيل الحد بشكل كبير من نهب هذه الثروات الطبيعية الهائلة في الجزائر.