دق خبراء البيئة ومختلف المصالح المختصة بها ناقوس الخطر بعد تعرض شواطئ وأودية ولاية تيزي وزولاستنزاف ونهب صارخ من طرف "مافيا الرمال" حيث حولوا على مر السنوات الأخيرة الفارطة عملية استخراج الرمال بطرق غير شرعية مهنة مربحة بعيدا عن المراقبة، ورغم صدور قرار وزاري مشترك لحظر استغلال رمال الأودية بولايات تيزي وزو، بومرداس، عنابة ووهران فإن شاحنات نقل الرمال لا تزال تتنقل عبر مسالك وعرة وخفية إلى هذه المناطق لاستخراج الرمل وهي العملية التي غالبا ما تتم في الليل. من جهتها تواجه مصالح الدرك الوطني بالردع والغرامات كل من يتم القبض عليه متلبسا من خلال تنظيم دوريات فجائية ووضع نقاط مراقبة قارة عند مخارج الأودية والشواطئ التي تعوّد عليها ناهبوالرمال. "المساء" رافقت أعوان الدرك الوطني لكتيبة ذراع بن خدة في عملية مراقبة روتينية لوادي "سيباو" ووقفنا على حجم الكارثة الايكولوجية التي تهدد بلديات تادمايت وذراع بن خدة وحتى الولاية ككل. "سكنات ولاية تيزي وزو وعدد من المشاريع التنموية شيدت كلها باستعمال رمال وادي سيباو وبعض شواطئ الولاية "هكذا فضل احد سكان ولاية تيزي وزو الرد على تساؤلنا حول قضية نهب الرمال بالولاية، وهي القضية المصنفة على حد تعبير المتحدث ضمن "الطابوهات" التي لا يجب الخوض فيها، في حين أشار احد المنتخبين الى أن كل جلسات المجلس الشعبي الولائي وحتى اللقاءات الداخلية مع مختلف المصالح المختصة لم تتمكن من إيجاد حل نهائي للقضية بعد توسع نشاط "مافيا الرمال" الذي يقول بشأنهم أنهم كانوا سكانا عاديين بالقرى المحيطة بمجرى وادي سيباو قبل أن ينشطوا في عملية استخراج الرمال من خلال استعمال وسائل بسيطة وبعد الربح السهل أصبحوا اليوم أصحاب شاحنات وآلات كبرى للحفر والتعبئة". ونظرا للأخطار الايكولوجية التي تهدد سكان البلديات المجاورة وحتى الولاية ككل، فإن عملية استخراج الرمل لا تزال متواصلة رغم إجراءات الردع التي باشرتها مصالح الدرك مباشرة بعد مزاولة نشاطها بالولاية. "مافيا الرمال" مثلما يصطلح على تسميتهم استغلوا غياب الرقابة والردع لعدة سنوات وانتعاش ورشات التعمير والبناء ليحولوا عملية نهب الرمال إلى تجارة مربحة تعود عليهم بالأموال الطائلة بعيدا عن الضرائب، ومع الإجراءات الردعية الأخيرة لأعوان الدرك نوّع تجار الرمال أساليبهم واوجدوا لهم مداخل وممرات صعبة توصلهم إلى مجرى الوادي الذي تحول إلى مساحة عارية من الرمال، بينما يتم ترك أكوام من الحصى هنا وهناك تعرقل مسرى جريان المياه، وحتى الفلاحين الذين كانوا في زمن مضى يستعملون مياه الوادي في سقي أراضيهم الزراعية يجدون اليوم صعوبة كبيرة في التزود بالمياه وهو ما أكده لنا الحاج "يحي" صاحب ارض زراعية على حافة الوادي ببلدية تادمايت حيث قال "اضطررت إلى اقتناء أكثر من ثلاث مضخات بغرض جلب المياه من البلديات المجاورة بعد أن جف مجرى الوادي بسبب أشغال الحفر واستخراج الرمال التي قام بها عدد من الأشخاص منذ أكثر من خمس سنوات". السلطات المحلية لولاية تيزي وزو تتبع يوميا نشريات مصالح الأرصاد الجوية وتنسق العمل مع الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات خلال فصل الشتاء تحسبا لأي كارثة قد تقع بسبب تغيير مجرى الوادي، حيث يتوقع تسجيل فيضانات في حالة تساقط كميات معتبرة من الأمطار أواللجوء إلى تفريغ مياه السد عند امتلائه، فلا أحد يمكنه تحديد مسرى المياه في هذه الحالات، خاصة إذا علمنا أن عددا كبيرا من الأراضي الزراعية والقرى تقع على ضفاف الوادي وهو ما يجعل السكان عرضة لخطر الفيضانات في أي وقت، وتقوم مديرية البيئة بالتنسيق مع مختلف المصالح بإعداد دراسة عن الوضعية الحالية لوادي سيباو لتحديد درجة خطورة الوضع والأشغال التي يجب أن يشرع فيها بطريقة استعجالية لحماية مجرى الوادي الذي يعتبر أحد أهم مصادر المياه بالولاية والولايات المجاورة، وفي انتظار تدخل باقي المصالح يقوم أعوان الدرك الوطني بتنفيذ الإجراءات الردعية ضد المخالفين مع وضع نقاط مراقبة دائمة عند المداخل الرئيسية. تدخلات الدرك تقلل عمليات النهب كشف قائد فرقة الدرك الوطني لبلدية ذراع بن خدة النقيب منير خلال زيارة ميدانية لمراقبة الوادي أن أعين الدرك تبقى ساهرة لردع "بارونات" نهب الرمال وإجهاض كل محاولاتهم وأساليبهم الملتوية لبلوغ مجرى الوادي، فبعد أن تم تشديد الخناق على المداخل الرئيسية يلجأ أصحاب الشاحنات إلى طرق أخرى وسط الجبال والأحراش والتي غالبا ما تكون صعبة المنال إلا أنهم يفضلونها هروبا من الرقابة، وحتى يتم اجهاض كل هذه المحاولات يقول محدثنا فإنه يتم تنظيم خرجات فجائية إلى المكان كتلك التي شاركت فيها "المساء" وخلالها يتم استعمال العتاد الثقيل لأعوان الدرك الوطني بعد أن نظم "مافيا الرمال" أنفسهم هم كذلك من خلال استعمال الأسلحة البيضاء ورمي فرق الدرك بالحجارة من أعلى الوادي لحماية مناطق توسعهم، كما لجأ المهربون -حسبما يؤكده المتحدث - إلى استغلال بعض الشباب البطال لمراقبة تنقلات الكتيبة، حيث يتم تخصيص مبلغ 1000 دج للشاب الواحد وبطاقة شحن هاتف نقال بغرض نقل أخبار تنقل وحدات الدرك الوطني، ونظرا لفطنة النقيب يقوم هذا الأخير بالتنقل إلى بلديات مجاورة قبل مداهمة فجائية على مجرى الوادي وهو الأمر الذي سمح بوضع حد لعدة عمليات سرقة للرمال، وهنا يقول المتحدث "أفضل القبض على المهربين في حالة تلبس حيث لا يمكنهم الفرار وترك شاحناتهم. وحسب حصيلة نشاط مصالح الدرك خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فقد سجل انخفاض محسوس في معالجة مخالفات سرقة رمال الوديان، حيث سجلت 93 حالة سنة 2007 وحجز 201 متر مكعب من الرمال و39 مركبة مع توقيف11 شخصا، وانخفض عدد القضايا سنة 2008 إلى 37 مع حجز 184,9 متر مكعب من الرمال و32 مركبة، في حين تم القبض على 12 متهما، أما هذه السنة فقد سجل خلال العشرة أشهر الأخيرة معالجة 20 قضية وحجز 136,15 مترا مكعبا و20 عربة والقبض على 6 متهمين. وفي قراءة للأرقام؛ أشار قائد مجموعة الدرك الوطني لولاية تيزي وزو العقيد بن عزوز إلى أن انخفاض عدد القضايا المعالجة في مجال نهب الرمال بالولاية يعود أساسا إلى تشديد الخناق على المهربين الذين تأكد لهم أن أعوان الدرك يحكمون القبضة عليهم ، خاصة بعد أن تم تحديد مختلف المداخل والمخارج المستعملة من طرف المهربين مع حجز كل المعدات الثقيلة التي تنشط على مقربة من الوادي بدون تراخيص، وعن حالات اجهاض عمليات نهب رمال الأودية تشير مصادرنا من قيادة الدرك الوطني إلى اللجوء لتفريغ الشاحنات لحمولاتها من الرمال وسط الطريق عند اكتشاف نقاط مراقبة أعوان الدرك، وهناك من حاول إخفاء الحمولة بمواد أخرى وهنا اضطر أعوان الدرك إلى استعمال الرفش لمراقبة محتوى الشاحنات المشتبه بها، وفي إحدى الحالات استعمل المهرب سيارة من نوع "جي 9" لتهريب كميات كبيرة من رمال الأودية، حيث تفطن عون الدرك إلى حمولة زائدة للعربة ليتم اكتشاف الأمر عند تفتيشها. وعن الشاحنات المحملة بالرمال المشاهدة في الطريق العام، أكد المتحدث أن أصحابها يملكون تراخيص من الولاية التي تقوم بتسليمها لعدد من المقاولين ومؤسسات البناء، فهي ليست تابعة لمهربين، من جهته أشار النقيب منير إلى أن عمل مصالح الدرك على مستوى وادي سيباو ما هو إلى حلقة ضمن سلسلة تضم عدة قطاعات وهيئات تنشط في إطار حماية هذه الثروة الطبيعية من الزوال، وعن المهام الموكلة لأعوانه يقول المتحدث إنها تخص تطبيق القانون وردع المهربين لا غير، في حين تبقى مسؤولية متابعة الوضعية الايكولوجية لمجرى الوادي وحمايته من الزوال والتلوث من مهام هيئات أخرى. من جهتها بادرت السلطات الولائية لولاية تيزي وزو إلى تجميد قرارات فتح المرامل والمحاجر على مستوى الولاية، في الوقت الذي شدد فيه أعوان المصالح التجارية المراقبة على المحاجر المفتوحة لتحديد مصادر مواد البناء التي يتاجرون بها وهي الطريقة الوحيدة التي وجدتها السلطات لوضع حد للتجارة غير الشرعية برمال الأودية، وفي هذا الشأن أشار احد مواطني الولاية إلى إقدام المصالح المختصة على غلق العديد من نقاط بيع مواد البناء والمحاجر بطلب من السكان الذين اشتكوا من انعكسات هذا النشاط على صحتهم، لكنهم لم يطالبوا يوما بحماية مجرى وادي سيباو والتكفل بوضعيته حتى تعود المياه إليه من جديد "وهو انشغال لطالما رفعه المنتخبون المحليون لكنه لم يحل بعد والكل يتوقع حدوث فيضان كبير إذا لم تتدخل السلطات المختصة لحماية مجرى الوادي وتحديده. استغلال رمال الأودية التفكير في استغلال رمال الأودية جاء لسد الاحتياجات الموجودة في سوق مواد البناء، حسبما تؤكده مصادرنا من وزارة الموارد المائية، التي تشير إلى أن استغلال هذه الرمال سيخضع عما قريب لدفتر شروط دقيق بهدف توفير هذه المادة في السوق مع ضمان حماية البيئة وضمان نوعية السكنات، وهي الشروط التي سيتضمنها المرسوم التنفيذي المعدل للقانون المتعلق بالمياه والذي سيرفع قريبا إلى الحكومة قصد المصادقة عليه، حيث سيتم تشجيع الاستغلال العقلاني لرمال وحصى الوديان كمواد بناء عن طريق منح رخص استغلال مؤقتة تتراوح مدة صلاحيتها بين 2 إلى 5 سنوات وتوجب على المستفيدين احترام دفتر الأعباء ومراعاة التأثير على البيئة. وبموجب هذا المرسوم التنفيذي، تمنح رخص الاستغلال على شكل امتياز يشترط موافقة وزارة الموارد المائية، كما ينص على تنصيب لجنة متعددة القطاعات تتكفل بضبط قائمة الأودية وأجزاء الأودية والمجاري التي تطبق فيها أحكام المنع التام أوالجزئي، وكذا الترخيص بالاستغلال المؤقت والمضبوط بمقاييس تقنية لبعض الأودية والشواطئ وهو ما يسمح مستقبلا باستقرار توفير مادة الرمل والحصى في سوق مواد البناء مع ضمان الحماية البيئية والايكولوجية للأودية. من جهة أخرى، يجب التذكير بأن كلا من وزارتي الموارد المائية والبيئة والطاقة والمناجم اتفقتا على إصدار قرار منع استغلال رمال الأودية سنة 2005، ولكن نظرا للمشاريع الكبرى التي انطلق فيها في قطاع السكن والأشغال العمومية تم تمديد آجال تطبيق القانون إلى 2007 خاصة وأن رمال الأودية توفر 30 بالمائة من طلبات السوق، لكن مرة أخرى ولنفس الاعتبارات تقرر تطبيق القانون ابتداء من الفاتح سبتمبر الفارط بعدد من الولايات على غرار تيزي وزو، بومرداس، عنابة ووهران على أن يتم تهيئة المحاجر المتواجدة عبر التراب الوطني لإنتاج مادة الرمل بنفس المقاييس والمكونات المتوفرة في رمال الأودية، وفي هذا الشأن أكد خبير في مجال البناء والتعمير أن إنتاج رمال بهذه المقاييس يتطلب استثمارات ضخمة لأصحاب المحاجر، حيث يجب غسل الرمل أكثر من مرة مع تجفيفه وإضافة مقدار معين من رمال الصحراء حتى تتماشى مكوناته مع الاسمنت المسلح في مجال البناء، وهي التكاليف التي يعجز عدد كبير من أصحاب المحاجر على توفيرها كون تكلفة الإنتاج ستكون مرتفعة ولا يمكن رفع سعر الرمل بالمقابل.