مداخيل تفوق 10 ملايين لليلة على حساب بيئة مهددة بكارثة إيكولوجية! تعرّضت شواطئ ولاية سكيكدة في السنوات الأخيرة، إلى استنزاف منظم لمادة الرمل من قبل جماعات مافيوية، استغلت انفلات الوضع الأمني وتوجه كل الأسلاك الأمنية نحو محاربة الإرهاب، لتنهب آلاف الأمتار المكعبة من مادة الرمل، قضت بصفة تدريجية على مجموعة من الشواطئ كانت الملاذ المريح والممتع للمصطافين خلال فصل الصيف. ورغم استتباب الأمن واسترجاع الوحدات الأمنية لمهامها العادية لمحاربة مثل هذه الجرائم، إلا أن عمليات النهب لا تزال مستمرة ومتواصلة وإن كانت أقل حدة من السنوات التي خلت. كارثة إيكولوجية تهدد الشواطئ وتتوفر ولاية سكيكدة على شريط ساحلي يمتد على مسافة 140 كلم، من بلدية المرسى شرقا إلى وادي الزهور غربا، تتخلله شواطئ رملية وصخرية ساحرة تجلب إليها ملايين المصطافين خلال موسم الاصطياف، غير أن أغلب السواحل الرملية تعرّضت ولا تزال إلى عمليات نهب منظمة لمادة الرمل من قبل بعض المجرمين الذين استغلوا الانفلات الأمني في السنوات الماضية، ليخربوا هذا الشريط الساحلي، حتى صارت بعض الشواطئ مهددة بكارثة إيكولوجية بعدما غزتها مياه البحر. فقد اقتربت شواطئ الجهة الغربية خاصة شاطئ عين أم القصب بتلزة من كارثة إيكولوجية، بالإضافة إلى شواطئ أولاد أعطية، أين يتم سرقة مئات الأمتار المكعبة كل ليلة. أما شاطئ وادي الزهور الفاصل بين بلدية وادي الزهور وبلدية الميلية بولاية جيجل، بالرغم من أنه غير آمن، حيث يعتبر معقل فلول الجماعات الإرهابية التي تتمركز بالغابات الكثيفة المحاذية للشاطئ. أين شرطة البيئة والعمران؟ وتوجد عصابات عديدة تنشط على مستوى هذه الجهة منتهزة غياب الرقابة، كما ساهم الهاتف النقال في حرية تنقل هذه الجماعات، وهذا النهب شهدت وتيرته ارتفاعا كبيرا، مما انعكس سلبا على البيئة والمحيط خاصة على مستوى المناطق الواقعة بمحاذاة الوديان، هذا بالرغم من النشاط الذي تعرفه شرطة البيئة والعمران، حيث تسجل كل شهر العديد من الملفات معظمها بالوديان المنتشرة عبر مختلف جهات الولاية. .. حتى المرامل لم تسلم كما أن استغلال المرامل بالولاية، لم تشذ عن المتعارف عليه من استغلالها بطرق فوضوية في ظل غياب دراسات خاصة. كما أن استغلال المرامل يتم بثمن زهيد، بالرغم من الثروات التي تأتي من ورائها، ودون تحديد دفتر الشروط أو مدة الاستغلال، ولا حتى المساحة المسموح باستغلالها. ويتعرض بالخصوص شاطئ تلزة وبن زويت ببلدية كركرة والقل، وبشكل ينذر بالخطر وبحلول كارثة بيئية، ويتزايد هذا الخطر خصوصا وأن السلطات المحلية والهيئات المعنية، بالرغم من تدخلاتها ما تزال عاجزة عن الحد من تفشي هذه الظاهرة، التي أثرت على الفلاحين بعد أن ارتفعت نسبة الملوحة في الآبار المخصصة لسقي أراضيهم الزراعية المتواجدة بجنب الشريط الساحلي، إضافة إلى التعرية التي يتعرض إليها الشاطئ وتقلص مساحته وإحداث خلل إيكولوجي وإلحاق ضرر بعناصر البيئة، وعلى مسافة جد متقدمة من اليابسة ووجود هذه الأراضي في مستوى منخفض واستمرار زحف أمواج البحر على هذه الأراضي. وحسب بعض السكان فإن هناك “لوبيا” متمكنا يستعمل الجرارات والشاحنات ليلا لنقل كميات ضخمة من الرمال إلى أماكن بعيدة عن الأنظار، لتوّزع بعد ذلك على مستعمليها بأثمان مغرية. مياه البحر تقترب من المناطق الفلاحية هذا، وقد طالب العديد من المواطنين بمنطقة تلزة بالقل السلطات المحلية التدخل الصارم من أجل حماية هذه المنطقة من خطر الفيضانات التي باتت تهددها. وقد زاد تخوف مواطني المنطقة في الآونة الأخيرة بعد تعرية المنطقة من الكثبان الرملية التي كانت تحميها نوعا ما، ليبقى احتمال طفو مياه البحر على المناطق الفلاحية المجاورة قائما، والتي تؤدي إلى كارثة بيئية في حال سقوط الأمطار بغزارة. منطق المافيا يتفوق فظاهرة الاستغلال اللاشرعي للرمال على مستوى الشواطئ والتعدي على الشريط الساحلي والتجاوزات اللاقانونية، كرست منطق المافيا وجعلت هذه الشبكات خفية لتردي الوضع الأمني بهذه المناطق، مما جعل النهب يتم في ظلمة الليل وبكل سهولة مع غياب الرادع الأمني لهذه التجاوزات، إلا في بعض الأحيان وبأحكام خفيفة، ويزداد الطلب على هذه المادة لندرتها بالسوق ولتنفيذ المشاريع التنموية وكذا مشاريع الخواص، وهي تزدهر كلما يتأزم الوضع الأمني أكثر. يحدث هذا بالعديد من الشواطئ القريبة من حركة السكان. أما الشواطئ التي توجد معزولة وبعيدة عن الحركة، فأمرها لا يعلمه إلا الله، والشبكات الناهبة والمتواطئة جعلت المنطقة ككل معرضة إلى كارثة بيئية وشيكة الحدوث، كالمنطقة الرطبة بمحمية سهل قرباز شرق مدينة سكيكدة، التي لم تسلم منها أيادي النهب، وزحفت البنايات الفوضوية مما ينذر بخطر داهم، فهذه المحمية تتربع على مساحة 3580 هكتار وتعد من أهم المناطق الرطبة بالجزائر، وتمتاز بتنوع بيولوجي وغطاء نباتي متنوع، إضافة إلى امتيازها بمناظر رائعة الجمال. البلديات الساحلية الخاسر الأكبر عمليات نهب رمال البحر التي تقوم بها عناصر هذه الشبكات، تكلف خسائر باهظة للخزينة العمومية، مقابل التأثير السلبي على البيئة، غير أن الخاسر الأكبر في ذلك هي البلديات الساحلية. وكل الإجراءات والدوريات التي يقوم بها أعوان الدرك الوطني لمحاربة مافيا الرمال، غير كافية للتخلص من هذه الظاهرة، ما لم يشارك المواطنون في هذه العملية. إلا أن تواطؤ بعض مواطني البلديات الساحلية التي تقوم عناصر من داخلها بالاستحواذ على كميات كبيرة من الرمال لبيعها بسبب البطالة، يجعل الأمر صعب القضاء عليه. فقد انتفض خلال الأيام القليلة الماضية، العديد من سكان حجرية ببلدية كركرة، ودخلوا في مواجهة مع عدد من أصحاب الجرارات من عصابات الرمال بقطع الطريق المؤدي إلى شاطئ بن زويت، الذي أصبح مرملة غير مرخصة لمافيا امتهنت نهب الثروة الرملية، حيث يتحول الشاطئ من الساعات الأولى من المساء إلى غاية الفجر ورشة مفتوحة للجرارات لنهب مساحات كبيرة من الرمال، وبيعها لأصحاب ورشات البناء وللمستودعات التي تعود عليهم بالفائدة المالية المعتبرة. أساليب احتيالية لتحقيق الهدف وتستغل مافيا الرمال حيلا عديدة للانفلات من رقابة وقبضة أعوان الأمن، من ذلك اختيار المسالك الضيقة والمنعزلة الوعرة، ونفس مسالك الجماعات الإرهابية، لضمان الوصول إلى شواطئ المراد نهب رمالها. ويستعمل لصوص الرمال الجرارات لكونها الوسيلة الوحيدة القادرة على اجتياز المسالك الوعرة، بالإضافة إلى أنها وسيلة مألوفة لدى سكان تلك المناطق الفلاحية، وحتى رمال بعض الأودية لم تسلم من هذه الظاهرة الآخذة في الاستفحال. وهي العملية التي عادة ما تجري تحت جنح الظلام، أين تجتهد عصابات الشباب العاطل عن العمل في هذا النشاط مقابل دنانير معدودة، وهذا لتزويد طلبات وحاجيات أصحاب الورشات العمومية والخواص من هذه المادة أمام ندرتها. وتقوم مافيا الرمل بنهب الآلاف من الأطنان من هذه المادة، التي تستعمل في عملية بناء المئات من المشاريع التي تنجز هنا وهناك عبر مختلف بلديات الولاية بطرق غير قانونية. مداخيل تفوق 10 ملايين لليلة! وحسب المختصين في مجال البناء والعمران، فإنه من الخطورة استعمال رمال الشواطئ في البناء، وهو الأمر الذي يعرف رواجا كبيرا في سوق مواد البناء وبأسعار منخفضة عن أسعار رمل المرامل الطبيعية الذي يصلح للبناء. وقد أشارت العديد من الجمعيات المهتمة بشؤون البيئة، إلى تدهور الوضع البيئي بالقل، والبحر زحف بعدة أمتار بسبب فعل المافيا التي لم تتمكن أجهزة الأمن من شل نشاطها بالرغم من المجهودات المقدمة. فقد أصبحت تجارة الرمال بالولاية، حلم للكثير من أصحاب الجرارات والشاحنات، لأنها تدر عليهم الربح السريع، تصل أرباحهم في الليلة الواحدة إلى أكثر من 10 ملايين، فلصوص الرمال يقومون بفتح مسالك وممرات وسط الأراضي الزراعية المتاخمة للشواطئ لتفادي مصالح الدرك الوطني التي تقف بالمرصاد لهم، ومافيا الرمال لا تهمها أرواح البشر فهمهم الوحيد هو الربح، بالرغم من الحوادث المميتة لقيامهم بإطفاء مصابيح وسائل النقل ويسيرون في الظلام، حتى لا يثيرون انتباه رجال الأمن.