القضاء الجزائري يواجه امتحانا مصيريا والرأي العام لن يكتفي بالأسماك الصغيرة أنس .ج لاذ وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل بالصمت المطبق ولم يرد على كل الاتهامات الثقيلة الموجهة إليه في فضيحة الرشوة التي دفعتها شركة “إيني” الإيطالية من أجل الحصول على مشاريع طاقوية في الجزائر، والتي شغلت الرأي العام الجزائري ولفتت أنظاره إلى مشكلة مستعصية اسمها الفساد في أهم شركة في الوطن. شكيب خليل لم يدافع عن نفسه، لم يصدر بيانا، حتى المقربون منه لم يشككوا في صدقية المعلومات التي أوردتها الصحافة الإيطالية، نقلا عن القضاء في ميلانو، ورغم أن الوزير وصل إلى ما وصل إليه بفضل الجزائر وهو مدين للشعب بتوضيح ما يحصل، إلا أنه فضل الصمت وعدم الخوض في المسألة برمتها، وهو ما يحتمل تأويلين: إما أن شكيب خليل بريء وهو ينتظر كلمة العدالة لأنها تنسخ كل الكلمات وتخرس كل الألسنة، أو أنه متورط فعلا في الفضيحة وبأدلة صلبة لا يرقى إليها الشك، فلم يجرؤ أن يصدر بيانا أو توضيحا لما حدث بين سوناطراك وإيني الإيطالية . من جهة أخرى ينظر الجزائريون باهتمام كبير إلى طريقة تعامل القضاء الجزائري مع القضية التي تشكل تجسيدا حقيقيا لمعنى الفساد والرشوة في مناصب المسؤولية، فهل سيذهب القضاء الجزائري إلى النهاية مهما كانت الأسماء والاعتبارات، فيعاقب المرتكب ويخلي البريء، أم سيكتفي بالأسماك الصغيرة وكبش فداء تلملم بدمائه القضية، وهو أمر مستبعد في ظل الرهان الذي يوجد فيه القضاء الجزائري المطالب من صاحب العهدة "المجتمع" بالصرامة والحسم، لإرسال رسالة إلى الفاسدين بأن الجميع تحت طائلة القانون مهام علت الأسماء والمقامات، خاصة في ظل الأصوات المشككة في استقلالية القضاء ونزاهته، فيسقط مع أي تهاون أو تساهل من جانبه "مبدأ دولة الحق والقانون"، ويصبح من الصعب ومن المخجل سجن سارق هاتف ب5 سنوات نافذة، فيما يفلت سارق آلاف الملايير من قوس العدالة. وهنا يرفض متابعون نظرية يسوق لها البعض بأن الغاية من تفجير الفضيحة ضرب استقرار الجزائر وسمعة سوناطراك، حيث يعني هذا المنطق السماح بإفلات المجرمين والسارقين لاعتبارات السمعة، بينما لم تتورع ديمقراطيات عريقة ودول كبرى في معاقبة أعلى المسؤولين ومحاسبتهم دون النظر إلى أي اعتبار غير ما يقوله القانون، وهو ما حصل في إيطاليا بمحاكمة رئيس الوزراء السابق وأقوى رجل فيها سيلفيو برليسكوني، أو محاكمة صهر ملك إسبانيا، أو رؤساء فرنسا السابقين (شيراك، وساركوزي) لتورطهم في فضائح مالية لا تقارن في قيمتها مع ما يتداول عن فضيحة سونطراك إيني.