قبل نحو 19 سنة مضت، لم يكن هناك شيء مميز يجعل مدينة “العلْمة” تختلف عن باقي المدن الجزائرية الصغيرة، ولكن هناك عاملا جعلها تتقدم فجأة بسرعة كبيرة وتلفت الانتباه وتستقطب الأنظار داخل الجزائر وخارجها، وهو بروز مجموعة من التجار الفوضويين الذين استأجروا محلات بأحد الأحياء السكنية بالجهة الشمالية للمدينة ليمارسوا فيها أنشطتهم التجارية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. في بداية الأمر لم يهتم أحدٌ بهؤلاء التجار الذين بدأوا كغيرهم في مختلف أنحاء الجزائر، إلا أنه تبين لاحقاً أنهم يمارسون نشاطا تجاريا مميزا ويعرضون سلعاً بأسعار منخفضة مقارنة بغيرهم في كل أنحاء الجزائر تقريباً، لأنهم في الواقع مستوردون ظهروا منذ إقرار الجزائر التحول إلى اقتصاد السوق وفتح مجال التجارة الخارجية للخواص منذ أفريل 1994 بعد أن كان الاستيراد محتكرا من طرف الدولة. وقد فتح هؤلاء المستوردون محلات للبيع بالجملة والتجزئة، فبدأوا يستقطبون تجار التجزئة من مختلف أنحاء الجزائر، وبدأت شهرتهم تكبر وأصبح “سوق العلمة” قطباً تجارياً كبيراً في سنوات قليلة. سوق”دبي” يقضي على سوق العلمة الشهير بعدما عرفت مدينة العلمة منذ سنوات قليلة من انطلاق نشاط “سوق العلمة” اختفى هذا الاسم تماماً وحل محله اسم “سوق دبي”، هذا الاسم الذي تداول على لسان التجار والمواطنين الجزائريين وحتى الأجانب العاملين بالمنطقة وكل المتعاملين مع أنشطتها التجارية إلى الآن. أما سبب تحويل التسمية فيكمن ببساطة في أن معظم التجار المستوردين كانوا يتجهون إلى إمارة دبي لجلب مختلف السلع وبيعها في العلمة، فحملت السوق اسم “دبي” ورفضت التنازل عنه بالرغم من تعدد مصادر الاستيراد في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت تشمل دولاً عديدة، منها الصين بالدرجة الأولى، تركيا، سوريا، مصر، ماليزيا، فرنسا ودول أوربية عديدة. والزائر لمدينة العلمة يدرك كم تغيرت هذه المدينة التي لم تكن شيئاً مذكورا قبل عقودٍ قليلة من الزمن، فقد كانت منطقة فلاحية خصبة وبها سوق شهيرة للمواشي، وقد أطلقت عليها فرنسا التسمية الشهيرة “سانت أرنو” نسبة إلى معمرٍ فرنسي استوطنها آنذاك واستولى على أجود أراضيها الفلاحية الخصبة، وبعد استقلال الجزائر في جويلية 1962 أطلقت اسم “العلمة” على المدينة. ولكن المفارقة العجيبة أن مدينة العلمة تعرف الآن “بسوق دبي” الذي أضحى أشهر من المدينة نفسها، فلم تعد تُذكر المدينة إلا مقرونة بسوقها دبي الشهير الذي أصبح قبلة كل الزوار من مختلف مناطق الوطن وحتى من خارجه. تنظيم محكم وآلي بسوق “دبي” يتميز سوق دبي بتنظيم جيد فهو منظم بشكل آلي دون تدخُل من أية جهة رسمية، ونشاطاته التجارية تتوزع بين عدة شوارع في حي واحد، وكل شارع أو جهة منه تختص في عرض سلعة معينة، فنجد في شارع تعرض فيه المواد الإلكترونية، وفي شارع آخر الأدواتِ الكهربائية والمنزلية، وفي شارع ثالث الملابس النسوية والرجالية ولعب الأطفال. وفي شارع آخر لواحق السيارات. ويسير التنظيم على هذا الشكل إلى غاية نهاية السوق مع سلع مختلفة، وفي أطراف السوق يقف التجار “الصغار” وهم شبان يعرضون على طاولاتهم سلعاً خفيفة على المتسوقين منها المياه المعدنية، المشروبات الغازية، الشاي والفول السوداني وصور الفرق الرياضية والأقراص المضغوطة “المُقرصَنة” التي تباع بأثمان زهيدة وغيرها من السلع. كما وجد شبان آخرون في حركة المرور وكثرة السيارات مصدراً للاسترزاق بتحويل بعض الشوارع المجاورة إلى مواقف فوضوية للسيارات والمركبات المختلفة. وقد وفرت هذه السوق آلاف فرص العمل للشباب، حيث يوظف كل محل عدداً من العمال بداخله، وتشرع هذه المحلات في عملها في حدود السابعة صباحاً وتغلق في حدود الثالثة مساءً. وبعد أن تتوقف حركة المتسوقين يبدأ نوع آخر من العمل وهو إدخال السلع في شاحنات كبيرة ويقوم “الحمَّالة” أي العمال الذين يشتغلون في حمل السلع، بتفريغها وإنزالها إلى المخازن، وتوفر السوق آلاف مناصب العمل للشباب حيث يصل العدد إلى 30 ألف عامل يعملون لتوفير قوتهم وقوت عيالهم بالنسبة لأرباب الأسر. تجار”سوق دبي” من جنسيات مختلفة تؤكد المصادر المحلية التي تحصلنا عليها أن عدد التجار بسوق دبي بمدينة العلمة، التي تقع شرق الجزائر العاصمة وتبعد عنها ب327 كلم، والتابعة إداريا لولاية سطيف وتبعد عنها بنحو 27 كم، يصل إلى 5 آلاف تاجر وأن هؤلاء الذين بدأوا فوضويين قد أصبحوا الآن تجارا قانونيين يملكون سجلات تجارية ويدفعون الضرائب ويساهمون في مداخيل بلدية العلمة التي أصبحت من أغنى بلديات القطر الوطني. ولا تقتصر جنسية هؤلاء التجار على الجزائريين فقط بل هناك تجار صينيون، سوريون، أتراك ومن جنسيات أخرى منهم من يقيم بفندق “الريف” الشهير بالمدينة ومنهم من استأجر شقة في الأحياء التساهمية. كما أن السلع التي تصل إلى “سوق دبي”بالعلمة عن طريق موانئ “جنجن” بولاية جيجل، بجاية، سكيكدةوالجزائر العاصمة يتحول جزء منها إلى دول مجاورة بفعل التهريب، وبسبب الشهرة الواسعة التي اكتسبها سوق دبي داخل الجزائر وخارجها، زاد التهافت على محلاتها التجارية، حيث التهبت أسعار كرائها وأصبحت تتراوح بين 50 و150 ألف دينار جزائري للمحل، وهذا حسب الموقع الذي يوجد فيه ومساحته، وهي أسعار باهظة جدا في العلمة تفوق عدة مرات أسعار استئجار المحلات في الجزائر العاصمة نفسها، الأمر الذي جعل التجار المستوردين يتهمون مالكي المحلات من سكان الشارع بالانتهازيين الذين يستغلون الفرص لفرض أسعارهم، بل وصل الأمر إلى حد كراء مداخل منازلهم خاصة الفراغات الموجودة تحت السلالم مستغلين الأمر كون أغلبية التجار مضطرين لكراء المحلات من أجل ممارسة تجارتهم. مما جعلهم يؤسسون جمعية لتنظيم تجارتهم والدفاع عن مصالحهم. وقد طالبت الجمعية السلطات بإنشاء مدينة تجارية لهم على غرار سوق دبي بالإمارات العربية المتحدة خصوصا أن “سوق دبي” الحالي بمدينة العلمة لم يكن مهيئا لهذا النوع من النشاطات التجارية الكبرى، ولا يزال الطلب على طاولة السلطات ولم يفصل فيه إلى حد الساعة خصوصا بعد بروز صراعات كبيرة بين التجار أنفسهم حول هوية المستفيدين من المدينة التجارية. أما المواطنون فلا يهمهم أن يبقى السوق في مكانه أو يحول إلى جهة أخرى بقدر ما يهمهم أن يبقى السوق مصدر رزق لأرباب الأسر ومصدرا لمختلف السلع العالمية وبأسعار معقولة وفي متناول الجميع. أكثر من 5 آلاف تاجر يوظفون أزيد من 30 ألف عامل الزائر لسوق”دبي” بمدينة العلمة يلاحظ تلك الحركة الكبيرة والمنتظمة من طرف التجار، فالمحلات التي يزيد عددها عن 5000 محل توظف أكثر من 30 ألف شاب وهو في حد ذاته رقم يبدو للوهلة الأولى أنه مبالغ فيه ولا يصدقه العقل. لكن ونظرا للحركة التجارية بهذه السوق وعند ملاحظة العمال في كل محل يدرك الذي أصابه الذهول من هذا الرقم أن السوق امتصت عددا هائلا من البطالين من مختلف الأعمار واستطاعت تشغيل أرباب أسر كانوا في وقت قريب يعانون شبح البطالة ويقضون يومهم في الجلوس في المقاهي والتسكع في الشوارع. ويعيب هؤلاء العمال على التجار استغلالهم المفضوح لهم، حيث يتعين على العمال الحضور إلى المحل على الساعة السادسة صباحا من أجل عرض السلع قبل حضور المتسوقين زيادة على عدم تأمينهم، فكلهم تقريبا غير مؤمنين لذلك فهم مضطرون للعمل حتى لا يبقوا بطالين لأن الحاجة فرضت عليهم قبول العمل رغم علمهم أن تأمينهم يعد من سابع المستحيلات. ركن السيارات حجرة في سباط المتسوقين رغم الشهرة التي اكتسبها سوق “دبي” بمدينة العلمة إلا أن المتسوقين لهذا السوق يعيبون على المسؤولين بالمدينة عدم تخصيص حظائر لركن سياراتهم التي يجدون صعوبة كبيرة في ركنها لكون الأماكن محجوزة من طرف التجار أصحاب المحلات فهم يمنعون المتسوقين من ركن سياراتهم أمام المحل بحجة إفراغ السلع الأمر الذي يدفع بصاحب السيارة للبحث عن مكان آمن لركن سيارته، وفي هذه الحالة ليس لديه خيار غير الخضوع للشبان الذين احتلوا الأرصفة بالهراوات جاعليها حظائر فوضوية للتوقف مقابل مبالغ مالية تحدد حسب نوعية السيارة وقيمتها المالية والمدة التي يتسوَق فيها صاحب السيارة ويا ويل لمن يرفض الدفع مسبقا، مما جعل السلطات المحلية تفكر في إيجاد حل لهذه المعضلة فسعت إلى تنظيم أماكن التوقف بخلق حظائر مؤقتة في الشارع نفسه ريثما يتم إنجاز حظيرة بطوابق تركن فيها سيارات المتسوقين. وزيادة على هذه المعاناة التي تصادف المتسوقين إلى سوق “دبي” الشهير يتعرض البعض منهم إلى اعتداءات وسرقة رغم يقظة عناصر الأمن المنتشرين بقوة بالمكان، حيث تسجل من حين لآخر عمليات السرقة وسرعان ما يتم القبض على مقترفيها لكونهم معروفين لدى مصالح الأمن.