أجزم أننا لا ننتمي إلى هذا العصر.. ولا إلى العصر الذي سبقه قبل قرن أوقرنين.. ولا أعتقد أننا سننتمي - خلافا لأي توقع - إلى المستقبل الذي سيعقبه. لسنا عنصرا في هذا الزمن .. ولا نجسد أي شيء حيوي فيه... باستثناء أن نكون زائدة بشرية تتجمع فيها عوادم هذا العصر.. وانحطاطه. بحساب الوقت.. لسنا وقتا فيه.. ولا حتى ثانية من ثوانيه .. وبحساب التفاصيل لسنا جزءا منه...ولوذرة غبار في فضائه. نحن طفرة غير طبيعية.. تشكلت على جسم هذا العصر.. وتحاول التعبير عن نفسها بأية طريقة متاحة. في أحسن الفروض.. نحن مجرد عضو بيولوجي استقطع من حقبة منقرضة.. وزرع عنوة في جسم هذا العصر الذي يرفضه.. ويأبى أن يشعر به.... أشعر دائما.. أن كل ما يحيط بنا غريب عنا.. يخاطبنا من بعيد.. وفي كل مرة نحاول الاقتراب منه.. يشيح بوجهه عنا.. يفر هاربا.. يرفض أن يكلمنا .. أو أن ينظر إلينا. حقيقتنا ليست من هذا العصر.. ومظهرنا مجرد صورة مهرج يتوارى خلف قناع بلاستيكي يريد إخفاء حقيقته .. حالة فلكلورية.. تحاول الاستقرار خارج أوانها المنقضي. صورتنا مرسومة بريشة فنان لم يغادر مرسمه القديم.. ولا يؤمن بأن العالم قد غير مواصفاته.. وأن الزمن قد نقل مواقعه إلى الأمام.... ماذا نملك في هذا العصر ؟ وما قيمة أرصدتنا الفكرية فيه؟ وهل تتسع عقولنا لاستيعاب مقتضياته الضخمة ؟ باستثناء آبار النفط التي نغرق فيها.. والديكتاتورية التي تغرقنا في مستنقعها.. وأصوات الدعاية الإعلامية الغبية التي لا تكف عن الثرثرة.. والعمالة الفاضحة للغرب.. فنحن العرب لا نملك شيئا يصلنا بهذا العصر.. أويبرر وجودنا أوبقاءنا فيه. عقولنا تنفر من أي فكرة صحيحة من أفكار هذا العصر.. وحياتنا تتشكل خارج قيمه الإيجابية.. ولا تزال الرائحة القديمة تفوح من سلوكياتنا. نزلنا عن ظهر الحصان.. لنركب سيارة نستوردها من اليابان أو ألمانيا.. وغادرنا الخيمة لنستقر في علب إسمنتية بناها لنا الصينيون.. ونزعنا لباسنا التقليدي.. لننحشر في بذلة مفصلة على مقاس حضارة العري.. كسرنا سيوفنا لنقتتل ببنادق الكلاشينكوف ورشاشات عوزي... العرب.. وبكل المقاييس.. يتدحرجون كالكرة المنفوخة على سطح هذا العصر دون أن يتمكنوا من الغوص فيه.. كأنهم لا يريدون النفاذ إلى حقائقه.. ويستهويهم النوم فيه. يلتقطون السمك الطافي على السطح .. ولا يعنيهم اصطياد ما يسبح في الأعماق. ٌٌٌ أين هي الديمقراطية ؟ لقد سجنت في ممارسات شكلية وتشريعات جوفاء.. يعتقد أصحابها أنها تكفي لتغذية الشعوب العربية بالأحلام التي تطيل خدرهم.. وتجعلهم أكثر سعادة أثناء النوم مما لواستيقظوا. في كل القارات - باستثناء بعض النقاط السوداء على الخريطة ..- تزحف الديمقراطية إلى الأمام .. ويولي الفراعنة هائمين على وجوههم.. إلا في بلاد العرب.. فإن الفراعنة يتسلون بخنق الشعوب.. وقمعها بأسلوب بدائي.. ويتلذذون بإطالة أعمارهم السياسية على حسابها. في العالم العربي.. يتشكل أوسع تجمع للأنظمة التي تحترف البطش.. وتسرق حقوق الناس بحبسهم في ليل طويل من الديكتاتورية التي تأبى الزوال. لا عنوان للحرية.. ولا مكان لها تستريح فيه.. وعندما يعثر عليها.. يكون رأسها قد تدلى إلى الأسفل.. وأوان استنقاذها قد فات. ٌٌٌ في عصر الابتكار العلمي.. حيث ينموالمستقبل في المخابر.. يساق العقل العربي إلى المخافر.. وتقف دولة -ما قبل التاريخ- متخلفة عن عصرها بألف سنة ضوئية.. تتفرج ببلاهة على سفينة هذا العصر وهي تغيب وراء الأفق.. تاركة الواقفين على الشاطئ بلا مركب للإبحار.. أوقارب للنجاة. لقد اختار العرب الاستقرار على هوامش العصر الهشة.. يتشبثون بحواف الأشياء.. ولا يجرؤون على الخروج من الأقبية التي حفرت بأزاميل العصر الحجري في أذهانهم الرخوة. ٌٌٌ ينتسب العرب إلى هذا العصر بيولوجيا لا غير.. ويحاولون الاتصال بالعالم الخارجي .. عبر أدوات قديمة ومتهرئة.. يخاطبونه بلغة الغرائز.. ويلامسونه بأجسادهم التي تستهلك كل اهتماماتهم.. ما كان منها.. وما سيكون. يقف العربي حيث يقف رصيده من الذهب والعملة الصعبة.. ويتبخر عندما تختفي أرصدته.. أوتصبح عديمة الجدوى. وحدوده في هذا العصر لا تتجاوز مساحة جسده طولا وعرضا.. وبقدر ما يبدو هذا الحيز ضيقا.. فإن العربي يبدو كمن يشغل زمانا ليس له.. ومكانا لا يعود له.. وهو كحالة متحفية جامدة.. يفتقد إلى أية ملامح حية.. ويتلاشى كالأموات في التراب. ألسنا نعيش عصرا.. ليس لنا ؟.