أحاول أن أفهم الحالة الجزائرية.. فلا أستطيع. أضعها تحت مجهر التاريخ.. والسياسة.. والاقتصاد.. والأفكار فلا أرى شيئا.أحاول تكبير الأشياء الصغيرة لأبصر ما بداخلها.. فتظل متسترة.. يبتلعها عالم من الخفاء والظلال القاتمة.أبحث عن تفسير ما يقع.. فلا تسعفني كل قواميس الدنيا عن إدراك كنه ما يحدث.. كيف يقع.. ولماذا يقع على هذا النحو أو ذاك. لعلها المصطلحات الجزائرية تولد وتشيخ وتموت خارج القاموس.. وخارج المعاني المألوفة.. لتحتفظ بكامل سريتها... ولتندرج في عالم من الباطنية التي لا تفصح عن شيء من أسرارها. بمرور الوقت أزداد اقتناعا بأن ما يعترض فهمنا في الجزائر.. عبارة عن عالم من المعادلات العويصة.. تلك التي قضينا خمسين عاما في صياغة طلاسمها.. لتستحيل في النهاية أحجية لا يملك لأحد تفسيرها.. ولا كل الإنس والجن يستطيعون حل هذه المعادلات.. ولا حتى الاقتراب من تخومها المظلمة. لا أحد يملك الجرأة لولوج هذا العالم السري.. المغلق.. لا اينشتاين ولا بول ديراك.. ولا لوباتشيفسكي او الخوارزمي.. يقدرون على ملامسة جذور هذه المعادلات المتمردة على المنطق وقوانين الأشياء الطبيعية. كواحد من هؤلاء العباقرة.. قد يبري ألف قلم.. ويستهلك ألف محبرة.. دون أن يصل إلى نتيجة.. في الماضي عندما يعجز الناس عن تشخيص داء ما .. ينتهون إلى أن الجن وراء المرض.. ويسلمون بفرضية الداء الذي لا خلاص منه.. فهل تأكدت فرضية أن الجزائر بلد لا يمكن فهمه .. ولا تمكن ترجمة ما يقع فيه إلى أشياء يمكن فهمها.. وأن داءها من النوع غير القابل للتشخيص أو العلاج؟ من هنا تبدأ قصة الجذر المفقود. هل سمعتم عن المعادلة التي لا يتساوى طرفاها.. وبالتالي يستحيل العثور على جذور لها.. أي أنها غير ممكنة الحل.. ولا تستجيب لأي منطق رياضي قديم أو جديد؟ ما يحدث أنها معادلة مركبة.. بعدد لا نهائي من المغاليق التي لا سبيل لفتحها.. وفي كل يوم يضخ مزيد من المجاهيل في أحشائها.. لتتضخم أكثر فأكثر. قبل سنوات وضع مالك بن نبي رحمه الله صيغة لمعادلة تحل معضلة التخلف في الجزائر.. قال إن (الحضارة= الإنسان + الزمن + التراب)، بمعنى أن تفاعل العقل والوقت والجغرافيا بصورة صحيحة هو ما يجعلنا بشرا.. ننتمي إلى القرن العشرين أو الحادي والعشرين.. بدل أن نظل مشدودين بحبال التخلف إلى عصور الانحطاط.. رغم شد رقابنا بربطات عنق من آخر طراز. ما حصل أننا أسقطنا من الاعتبار عنصرين من هذه المعادلة.. الانسان والوقت.. وترجمنا الحياة بما فيها من تخلف إلى معادلة نفطية صارمة.. صيغتها (الحضارة + النفط).. وختمنا وسلمناها للعولمة. حذفنا مالك بن نبي من مذكراتنا.. وطردنا أفكاره من عقول الجزائريين.. ونمنا في الصحراء.. نحرس آبار النفط والغاز. معادلاتنا المسكينة تفتقر إلى أبسط الجذور.. وهذه حقيقة تصفح وجوهنا يوميا ! هل الجزء اكبر من الكل! هل يصح أن ترتقي للأعلى وانت تنزل للأسفل؟ أيعقل أن تتقدم إلى الأمام وأنت ترتد إلى الخلف؟ هل يستوي تكوين حشود لا تحصى من الجامعيين .. مقابل حرمانهم من العمل... لمصلحة الاستيراد؟ هل الديمقراطية مرادفة للدوائر المغلقة؟ هل الانفتاح على العالم.. يعني خلع ملابسنا.. والاختباء داخل سترة شفافة؟ عندما نسن قانونا.. هل نمنع نزوله إلى الواقع؟ في حياتنا اليومية نتعلم أن الحركي السكون.. أي أنهما لا يلتقيان مهما امتدا... لكن يبدو أن الحكومة التي درست هندسة ريمان الفراغية.. وطبقتها بفعالية في الاقتصاد.. تؤمن أن السكون والحركة شيء واحد. فنحن نستيقظ حين ننام.. ونتظور حين نتخلف.. وننمو حين نتوقف عن النمو.. ونطبق الديمقراطية حين نحجر على التعددية .. ونطور اللغة العربية حين نوغل في اضطهادها وتحقيرها.. ونكون وطنيين أكثر كلما تكلمنا أكثر !! اليس هذا بعض ما يميز معادلاتنا في الحياة والسياسة والثروة؟ الحاضر لا يؤدي إلى المستقبل.. هذه معادلة جزائرية بامتياز يفيد المجهول الأول في هذه المعادلة.. أننا لا نملك تعريفا للمستقبل.. لا نراه ولا نحسه.. ولا نورد اسمه في مذكراتنا.. وهو شيء غير موجود وغير معترف به .. حتى ولو وجد الزمن المتوقف .. والزمن المرتد إلى الخلف.. وهما صفتان للزمن الجزائري.. ينفيان المستقبل تماما ويضعان الجزائري أمام احتمال فقدان عقله. المجهول الثاني.. يعني البحث عن طريق أخرى للوصول إلى هذا المستقبل. لأول مرة في عالم الأفكار.. يقع المستقبل خارج نطاق الزمن.. من الآن فصاعدا يجب أن ننزل تحت الأرض للبحث عما هو مستقر فوق الأرض.. مستقبلنا.. بعضه غارق في آبار النفط.. وبعضه الآخر يسبح في البحر.. بواسطة قوارب شرعية في هجرة غير شرعية نحو الشمال.. معادلة بمجهولين.. لا أدري أين يكمن حلها.. فماذا لو كانت بأكثر من تلك؟