مصيطفى الجزائر ستجني قريبا ثمار استثماراتها في البنى التحتية رافع خبراء اقتصاديون من أجل تبني نموذج جديد في النمو الاقتصادي، يكون مبنيا على المعرفة والصناعة، بدل المحروقات التي تعتبر الرافعة الوحيدة للاقتصاد الوطني حاليا. وأيد كاتب الدولة للاستشراف والإحصاء توصيات الخبراء، وبشر باعتماد نموذج جديد سيتم اعتماده قريبا يراعي النماذج العالمية للنمو ويعكف حاليا على إعداده خبراء جزائريون. واعتبر الخبراء، في مائدة مستديرة بعنوان "السياسات الاقتصادية 50 سنة من الاستقلال "الدروس المستخلصة والتوجهات الجديدة"، أن بناء نموذج للنمو الاقتصادي قائم على التصنيع، يتطلب الاهتمام بالموارد البشرية وعدم دفعها للرحيل من الجزائر بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها. وفي هذا السياق، وصف البروفسور أحمين شفيق، نوعية الطلبة التي تفد إلى الجامعات من الثانويات بالخطيرة وقال إننا "نتلقى طلبة دون لغة ودون فضول علمي، وليس لهم أي قدرة على التجميع أو التفكير المتسلسل". وعقبت على كلامه أستاذة محاضرة في المدرسة المتعددة التقنيات مؤيدة كلامه بالقول "لدينا مشكل كبير في الثروة البشرية، فأطفالنا المنتقلون من المدارس الابتدائية لا يقرأون ولا يكتبون ولا يحسنون الحساب". وأضافت "لا يمكننا أن نشتري مصانع بالمفتاح ونقول إننا ننتهج سياسة للتصنيع في الجزائر، ونحن لا نمتلك حتى الموارد البشرية لتسييرها". وعلى عكس ما ذكره الخبراء في مداخلاتهم، بدا كاتب الدولة للاستشراف، بشير مصيطفى، متفائلا بنوعية الطلبة التي تتخرج من الجامعات الجزائرية. وقال إن الآلاف من البحوث يتم إعدادها سنويا وتبقى حبيسة الأدراج رغم أنها تشكل خزانا معرفيا كبيرا يمكن الاستفادة منه، مؤكدا أنه اعتمد بحثا أجراه طلبة في معهد الإحصاء لبناء نموذج النمو الاقتصادي الذي تعكف وزارته على إعداده. وأوضح مصيطفى أن نسبة النمو العامة في الجزائر تقدر ب2.9 بالمائة، في حين ترتفع إلى 6 بالمائة إذا استثنينا قطاع المحروقات، مما يدل حسبه على أن الجزائر تمضي بخطى جيدة نحو تعزيز قدراتها الاقتصادية خارج المحروقات، وأصبحت تجني ثمار استثماراتها في البنى القاعدية خلال السنوات الأخيرة. من جانبه، استعرض بوجمعة رشيد بروفيسور في المعهد الوطني للإحصاء، المراحل التي مر بها الاقتصاد الوطني، فقال إن طريق الاشتراكية الذي سلكته الجزائر في البداية جاء بتوافق وطني في المجتمع الجزائري، وذلك لمحو كل آثار الطبقية التي عاشتها الجزائر في الحقبة الاستعمارية التي كانت قد خرجت منها للتو. وكشف البروفيسور عن تقرير تم إعداده في بداية حكم الشاذلي لتقييم مخططات التنمية التي وضعتها الدولة، وكانت الحصيلة مخيبة للآمال حيث جاء التقرير مخالفا للتوقعات التي تم وضعها، وأدى إلى بداية التفكير في تغيير المقاربة الاشتراكية في التنمية التي اعتمدتها الجزائر وفتح المجال أمام القطاع الخاص، لكن اصطدم الجميع بالأزمة المالية في سنة 1986، فتعطلت مسيرة الانفتاح وأصبحت الجزائر رهينة صندوق النقد الدولي بعد أن عجزت عن تأمين مواردها. وحول ما ذكرته مديرة صندوق النقد الدولي عن متانة الاقتصاد الوطني، رد بوجمعة قائلا "أوافق ما ذهبت إليه كريستين لاغارد في حال اعتمدنا المؤشرات الماكرواقتصادية فقط لتقييم الاقتصاد الوطني، إلا أن هذه المتانة مبنية على أساس ضعيف وهش، لأن المحروقات تشكل الرافعة الوحيدة للاقتصاد الوطني".