هل كان الانقلاب متوقعا؟ نعم.. فالجسد السياسي المصري.. لم يتخلص بعد من السيالة العسكرية التي تنتشر داخله.. وتتحكم في مصيره، فمصر محكومة عسكريا منذ ستين سنة.. في ثوب مدني فكل الذين جلسوا في الاتحادية كانوا ضباطا عسكريين.. من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك. وفي اللحظة الفارقة.. بين سقوط مبارك وانتخاب أول رئيس مدني في تاريخ مصر.. كان المخطط جاهزا.. يجب أن يعود مبارك إلى الواجهة.. ليس بشخصه.. و لكن بمن يمثل حقبته.. و يعيد إنتاج نظامه.. ولا يوجد من هو أجدر بتنفيذ هذه الحركة الانقلابية كالجيش. أدوات ممارسة الانقلاب متوفرة.. وهي فاعلة جدا والدولة العميقة لم تكن سطحية كما اعتقد البعض.. بل كانت متجذرة ولها امتدادات في كل اتجاه.. وتقتضي إزالتها وتفكيك بنيتها المهيمنة.. إصرارا شعبيا ومدنيا قويا.. والكثير من الذكاء في التعاطي مع هذه الأدوات. إن الدليل على أن الانقلاب كان مرتبا منذ سنة هو وقوع الانقلاب نفسه، فمن غير المعقول أن يتم إسقاط الشرعية بمختلف مكوناتها خلال 48 ساعة.. لولا أن الأمر المعلن في 3 جويلية 2013 كان محصلة فعل مستمر.. بدأ قبل عام.. وكان هدفه واضحا.. العودة إلى السلطة بعباءة مطلب مدني. إن ما يؤكد فرضية الانقلاب.. جملة قرائن: 1 - وقوع توافق غير معلن.. بين المعارضة اللائكية - القبطية - الانتهازية والفلول.. فهذه المعارضة البائسة لم تكن إضافة إيجابية لمعسكر الثورة الحقيقي.. بل كانت جسما غريبا التصق بالثورة.. وراح يمتص حيويتها.. بهدف إنهاكها وقتلها في النهاية.. فتصريحات رموز ما يسمى بجبهة الانقاذ كانت تحرض على الرئيس المنتخب وتشكك في مصداقيته.. وتعبئ ضده.. وتحاول استنزافه بكل الوسائل.. بل وضع البرادعي يده في يد شفيق.. و سارا معا ضد مرسي.. فالثورة المضادة كانت هنا.. ووجدت ضالتها في حكومة منتخبة.. لكنها كانت ناعمة أكثر من اللازم. 2 - إفشال كل محاولات الرئيس في إجراء حوار توافقي وكل دعوة للحوار كانت تواجه بالرفض و التشكيك.. أو المشاركة الشكلية التي يتلوها انسحاب سريع من المشهد الحواري.. ورأينا أنه كلما مد الرئيس المنتخب يده للحوار كانت اليد الأخرى تدبر له شيئا في الخفاء. 3- تفعيل دور الفلول قضائيا وإعلاميا وأمنيا.. فالقضاء المصري بتركيبته العجيبة.. كان الذراع الطويلة التي تطيح في كل مرة بمبادرات الرئيس.. كان هذا القضاء يتربص بالمؤسسات المنتخبة.. ليحل مجلس الشعب.. ويسقط قانون الانتخابات.. كان القضاء هو عش الدبور.. الذي يلدغ في كل مرة.. ويسعى في تعطيل وتفجير المؤسسات الشرعية. 4 - الإعلام التحريضي الذي تكفل قبل وبعد سقوط مبارك.. بإشعال الحرائق في أذهان الناس.. ومحاولة تأليب الرأي العام على الرئيس المنتخب.. وتصويره بالفاشل.. وأنه ممثل مكتب الإرشاد.. وأنه يسعى جادا في أخونة مصر.. والسير بها في ركاب الأسلمة.. هذا الإعلام الذي استغل فضاء حرية التعبير.. ليرسل سهامه المسمومة.. ويمارس الشغب البذيء ضد الرئيس.. وضد الثورة. 5 - الجهاز الأمني.. المرتبط عضويا بنظام مبارك.. الذي كان يدفع في اتجاه تأجيج الانفلات الأمني.. فقد فُسح المجال أمام "البلطجية" ليعززوا نشاطهم التخريبي.. وخاصة في المظاهرات المفتعلة.. ورأينا رجال أمن يشاركون المتظاهرين من )المعارضة( ويرددون شعاراتهم.. ويهتفون بسقوط الرئيس المنتخب. هذه الأجهزة الأمنية المتغولة.. التي فقدت الكثير من مواقعها وامتيازاتها.. رأيناها تنكفئ وتنسحب.. حين كان البلطجية المدججين بالسلاح يقتلون ثمانية عشر متظاهرا قرب الجامعة المصرية.. لكنها تظهر بسرعة و قوة لحماية قرارات الانقلاب. 6 - الجيش.. هذا اللاعب الخلفي.. الذي ينتظر اللحظة المناسبة للتدخل.. وليقول للجميع.. أنتم المدنيين لم تتوافقوا.. ولم تستجيبوا لصوت الشعب.. وبتصرفاتكم هذه تشكلون خطرا على أمن مصر.. والحل أن أضع لكم خارطة طريق.. تسيرون فيها.. وفي هذه الخارطة أكون أنا سيد الطريق. فالجيش يتوافق مع نفسه.. ومع من يدعوه للعودة إلى ممارسة السياسة.. ومع من يفضل توظيفه في إطار تبادل المنافع.. فقد ثبت في أكثر من تجربة أنه الأداة التي يحتمي بها اللائكيون.. ويأكلون بفمها أشواك الديكتاتورية. 7 - التواطؤ الإقليمي والدولي.. الذي تكفلت بإنجازه بعض الدول العربية، الخليجية تحديدا،.. وقوى غربية معروفة بعدائها للتيار الإسلامي.. والتي لا ترغب في رؤية رئيس أو حكومة إسلامية يقرر مستقبل مصر.. هذا الفضاء المعادي الذي غذى القوى المعادية للثورة.. ومول الحملة الانتخابية ل"شفيق" وعمل في الخفاء لإجهاض الثورة. من الخاسر؟ الشعب والثورة والديمقراطية وقيم الثقة والعدالة والحرية.. هذه هي المفردات الخاسرة بكل تأكيد حيث السؤال الحقيقي: لماذا قامت الثورة ضد مبارك و نظامه.. إذا كانت النتيجة هي.. تعليق العمل بالدستور.. وحل مجلس الشورى.. وتشكيل حكومة انقلابية بثوب إنقاذ وطني؟ لقد سقطت الثورة المصرية.. لا لأنها لم تكن ثورة حقيقية.. بل لأن أعداءها لم يناموا.. ونام أبناؤها.. ولأن الثورة التي لم تتمكن من استئصال آخر خلية سرطانية في جسد الثورة.. تغامر لتكون ضحية هذه الخلية.. حين تعيد تكاثرها و انتشارها.. و هذا الذي لم تتفطن له القوى الإسلامية.. و عموم قوى الثورة الصادقة والنزيهة. ماذا لو عاد الإخوان؟ اللعب على الوقت.. يحسم الكثير من المشكلات العويصة.. وتلك التي لا نرى لها حلا قريبا.. لقد وقع الانقلاب في مصر.. وأزيح الرئيس المنتخب بقوة السلاح والنفاق.. وأجهضت الثورة .. وليس أمام مصر إلا أحد أمرين. إما انتخابات مزورة.. تعيد إنتاج حقبة مبارك.. بكل موبقاتها و بذاءاتها.. ليحكم على الشعب المصري الدخول في حقبة جديدة من الظلام الحالك. وإما انتخابات نزيهة.. و في هذه الحالة : ماذا لو عاد الإخوان..؟ الراجح أن الإخوان وعموم التيار الإسلامي سيعودون.. فالصندوق لا يتكلم لغة الانقلابات.. بل ينبض بروح الشعب.