كشفت الانهيارات المتتالية للبنايات القديمة بولاية الجزائر عن مدى هشاشة المتابعة الميدانية لملف البنايات المهددة بالانهيار من طرف المصالح البلدية المختصة، حيث تتواجد العديد من البنايات في وضعية مزرية. وقد أرغمت الوضعية الخطيرة للوعاء العقاري القديم والديوان البلدي لترميم وتهيئة الأحياء القديمة على إعداد تقارير عاجلة عن وضعية النسيج العمراني القديم بالبلديات بسبب تزايد الانهيارات. وفي هذا الصدد أكد تقرير من المجمع الوطني للمهندسين المعماريين أن حوالي 1530عمارة تابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري بالعاصمة في وضع متدهور جدا، وتتطلب تدخلا عاجلا في وقت يرى فيه تقرير آخر صادر عن المركز التقني للبناء أن حوالي 1800 مسكن في حالة متدهورة منها 170 عمارة تتطلب التهديم الفوري. المكلف بالتنسيق ببلدية الجزائر الوسطى يحذّر: "العاصمة كلها على وشك الانهيار في أي لحظة" أكد محمد مداس الأمين العام البلدي بالجزائر الوسطى والمكلف بالتنسيق أن العاصمة كلها على وشك أن تنهار إذ لم تتضافر الجهود لإعادة ترميمها بشكل لائق، محملا المجلس البلدي المسؤولية الذي لم يأخذ على عاتقه مسؤولية صيانتها ومتابعتها بصفة دورية، منوه بمجهودات التجار الذين تفهموا فحوى الإجراءات الجديدة وتعاونهم مع أنه لا بد من وضع إستراتيجية محكمة وجديدة لها، كما طالب بضرورة منع نشر الملابس على الشرفات كونها تساعد بطريقة أو بأخرى على تأكل وصدأ الشرفات التي من شأنها أن تشكل خطرا على حياة المارة، وأن النسيج العمراني بالعاصمة في شقه المتعلق بالبنايات والدور السكنية الآيلة للسقوط يراوح مكانه منذ عقود بفعل تعدد الإشكالات والتعقيدات التقنية التي يعرفها هذا النسيج الذي يهدد بالانهيار نسبة كبيرة منه في أي لحظة. وأكد أن العديد من التحولات التي عرفها هذا النسيج العتيق في العقود الأخيرة والتي أدخلته في دورة متسارعة من التصدع والتدهور خاصة الكثافة السكانية في تعقيد مقاربات وإستراتيجيات التعاطي مع هذا الفضاء المبني لترميمه وصيانته. كما أضاف أنها تحتاج إلى عملية رد الاعتبار لهذا النسيج أكثر من النوايا الحسنة خاصة في ظل إجماع ترسخ على مر السنين لدى المسؤولين والمهتمين. 37 عمارة آيلة للانهيار بباب الوادي كشف كمال عوفي، مسؤول تنسيقية البنايات المهددة بالانهيار بباب الوادي، عن تسجيل 37 عمارة مهددة بالانهيار ببلدية باب الوادي، منددا بتنصل المسؤولين من تبعة إهمالهم وانتهاجهم سياسة التهرب من المسؤولية التي تنتهجها مختلف الهيئات المعنية، في وقت دق غيه سكان هذه البنايات الموزعة عبر العديد من أحياء بلدية باب الوادي على غرار حي رابح بصاص وشارع الداي و35 نهج العقيد لطفي و6 شارع إبراهيم غرافة، وعبد القادر عبدون، ونهج السعيد تواتي ناقوس الخطر بعد تصنيفها في الدرجة الرابعة. البنايات المهددة بالانهيار تقف حاجزا أمام عمليات رد الاعتبار للعاصمة أكد نور الدين أوزناجي، محام معتمد لدى المحكمة العليا ومستشار قانوني، أن مشكل التمويل الخاص بالبنايات المهددة بالانهيار يظل أحد الإكراهات الأساسية التي تحد من حركية وطموحات الإشراف على عمليات رد الاعتبار للعاصمة، مشيرا إلى أن هناك حاليا إرهاصات لتغيير منطق التمويل باعتماد آليات جديدة وتصورات مبتكرة لجعله يواكب الطموحات والمجهودات التي تقوم بها كل الجهات المعنية في هذا الموضوع. وأكد أن الحوار الذي ظل متواصلا مع جميع المتدخلين من مسؤولين ومنتخبين وهيئات ومؤسسات أفضى إلى قناعة مفادها ضرورة وضع تصور جديد لتسريع عمليات التدخل في النسيج العتيق. وأوضح محدثنا أن الإستراتيجية التي تعتمدها البلديات البالغ عددها 57 بلدية على مستوى العاصمة في تدخلها لصيانة هذا النسيج الموروثة من عهد الكولون وتجاوز عمليات ترميم والمحافظة عليه إلى دمجه في النسيج الاقتصادي وإدخاله في الدورة الاقتصادية والاجتماعية مع تمكينه من الجاذبية التي تستقطب الناس. وذكّر محدثنا بمختلف المشاريع والعمليات التي قامت بها البلدية لمواجهة إشكالية البنايات الآيلة للسقوط ببلوغين والتي كان لها وقع إيجابي على السكان حيث مكنت من درء المخاطر المتعلقة بالانهيارات نوعا ما. وفي هذا السياق، أكد عبد الكريم شلغوم، العضو بالمركز الجزائري لمراقبة حركة الزلازل، أن عاصمة الجزائر مهددة بالانهيار، وأن زلزالا عنيفا بقوة 7 درجات على مقياس ريشتر، سيحصد ما يأتي على 67 ألف ضحية، وخسائر تفوق 20 مليار دولار. وتوقع رئيس "نادي الأخطار الكبرى" بناء على دراسة علمية فرضية تمثيلية أو ما سماه hypothetic simulation. عبد الحميد بوداود رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين الجزائريين ورئيس مجمع مهندسي المغرب العربي في حوار ل"البلاد" 45 إلى 60 بالمائة من البنايات الهشة من العدد الإجمالي للبنايات بالعاصمة تحتاج الى ترميم معمق غياب عمال النظافة بالعمارات والشرطة الإدارية منذ1971 ساهم في تفاقم المشكل لا بد من تكوين خبراء مهندسين وفق هذه التحديات والاعتماد على دورات تكوينية مكثفة أوضح عبد الحميد بوداود رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين الجزائريين ورئيس مجمع مهندسي المغرب العربي في حوار خص به "البلاد"، أن الأرقام تشير إلى أن 17617 عمارة مهددة بالسقوط في حال حدوث زلزال بدرجة زلزال بومرداس بسبب الإهمال والبيروقراطية وثقل الإجراءات الإدارية التي ساهمت في اقتصار الترميم على الدهن فقط، محذرا من مخلفات عيوب الترميمات التي انطلقت بها السلطات المحلية منذ سنة 2003، في عدد من البنايات، خاصة في ظل تسجيل عدد من الحوادث الناجمة عن سوء في الإصلاح، مطالبا رؤساء البلديات بضرورة تحمّل مسؤولياتهم بتحديد الرقم الحقيقي للبنايات الهشة وإحصائها، داعيا إياهم إلى ضرورة التعامل مع هذا الملف بأكثر احترافية بالاعتماد على خبراء تقنيين مؤهلين. حوار: نسيمة بوكلال لم يقتصر رئيس الاتحاد الوطني للخبراء المهندسين المعماريين في وصف البنايات المرممة في العاصمة بالكارثية نتيجة سياسية البريكولاج في طريقة ترميمها، محذرا من انهيار تام للعاصمة في حالة وقوع زلزال قوي، حيث إن الدراسة التي أجراها المجمع الوطني للخبراء المهندسين الجزائريين تشير إلى وجود ما بين 45 و60 بالمائة من البنايات الهشة من العدد النهائي للبنايات بالعاصمة وأن مليوني وحدة سكنية تحتاج للترميم والتدخل المستعجل. البلاد: كم عدد البنايات غير الصالحة للسكن بالعاصمة؟ رئيس الاتحاد الوطني للخبراء المهندسين: منذ 1962 أحصت الجزائر ما يربو على مليون و900 ألف وحدة سكنية على المستوى الوطني، وحوالي 20 بالمائة على مستوى العاصمة. وفي 2007 وصلت عدد البنايات ببلادنا إلى 300 عمارة هشة، منها 6 بلديات بالعاصمة التي تتصدر المراتب الأولى في هشاشة بناياتها ليصل إلى 3.1 ملايين حظيرة بعد الاستقلال، ومن بين هذه الحظائر هناك على الأقل أكثر من مليوني وحدة تتطلب الترميم، نظرا لغياب الصيانة المستمرة فضلا عن نقص المتابعة الميدانية التي ساهمت بطريقة أو بأخرى في تدهور الحظيرة السكنية التي تم إنجازها خلال السبعينيات والثمانينيات، وتأكل أساسيتها بسبب تصدع قنوات الصرف الصحي، وعدم القدرة على تسيير مخطط الترميم وفق المعايير المعتمدة دوليا، الذي يتضمن ملف خبرة تقنية دقيقا يتضمن أبسط تفاصيل البناية عن كل عمارة أو منشأ يستفيد من الترميم بشكل قبلي، وبتأطير من خبراء مختصين من مستوى عال وذوي خبرة. لماذا في نظرك وصلنا إلى هذه الوضعية؟ غياب عمال النظافة بالعمارات أو ما عرف عنهم ب" الكونسيرجات" الذين أوكلت إليهم مهمة السهر على نظافة وصيانة العمارات، فضلا عن الشرطة الإدارية التي اضمحلت هي الأخرى منذ سنة 1971 لتحل محلها شرطة العمران المخول لها التجوال في جميع أحياء البلدية وتتفقد البنايات المطابقة لرخص البناء والنظافة في الأحياء، ومع غيابه سجلت مصالحنا ما يعادل مليونا و200 بناء غير شرعي على المستوى الوطني وما يعادل 30 بالمائة على مستوى العاصمة. كما أن أغلب أحياء العاصمة مثل القصبة وباب الوادي وبوزريعة والقبة وحسين داي والحراش وشارع طنجة تحتاج إلى متابعة سريعة نظرا لانعدام ونقص الصيانة. كما أكد أن بلديات بني مسوس وجسر قسنطينة وقاريدي وعين النعجة وحتى مقام الشهيد مبنية بطريقة غير شرعية ودون التقيد بالمقاييس، مما يطرح عدة تساؤلات حول مستوى البنايات المشيدة. كانت الهيئة الوطنية الوطنية للمراقبة التقنية للبناء قد أحصت قبل 5 سنوات أكثر من 56 ألف بناية آيلة للسقوط. ليس هذا صحيحا، فالأرقام والإحصائيات الحقيقية للبنايات الآيلة للسقوط لم نصل بعد إلى جردها وإحصائها بصفة دقيق بسبب غياب تعداد الحظيرة على مستوى كل بلدية. كما أن هناك حساسية في وضع الحظيرة السكنية بالعاصمة بما في ذلك المباني الإستراتيجية التي لم تصبح مطابقة لمعايير الأمن والسلامة ومقاييس البناء المضاد للزلازل. أين يكمن مشكل البنايات الذاتية؟ مشكل البنايات الذاتية يكمن في أنها لا تخضع للمقاييس، خاصة أن أغلب أصحاب البنايات يعمدون إلى إقامة طابقين أو ثلاثة إضافية دون مراعاة قدرة الأساسات على التحمل. وبسبب مثل هذه الممارسات اللامنطقية، إلى جانب عدم اكتمال البنايات بمعدل يتراوح بين 10 آلاف و15 آلاف بناية في العاصمة وحدها. وأضاف أن الضرورة تقتضي تنظيم هذا الجانب لضمان تأمين هذه البنايات. ألا ترى أن المهندس المعماري يتقاسم المسؤولية مع مصالح البلدية في تفاقم المشكل؟ حقيقية أن المهندس المعماري يتقاسم مع مصالح البلدية المسؤولية، وعليه لا بد من تكوين الخبراء المهندسين وفق هذه التحديات والاعتماد على دورات تكوينية مكثفة، وتنظيم أبواب مفتوحة في عدة مناسبات لتوعية المواطنين، وضرورة المتابعة وتطبيق القانون. ما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتفادي الكارثة؟ على السلطات إعداد دفتر صحي لكل عمارة لمعرفة في أي خانة يمكن تصنيفها وهل هي صالحة للسكن أم لا بد من ترميمها أو تهديمها. تشير الأرقام إلى أن 17617 عمارة مهددة بالسقوط في حال حدوث زلزال بحدة زلزال بومرداس. حدثنا عن تأمين المنازل ضد الكوارث الطبيعية، وهل حقا تجاوزت ال5 بالمائة؟ مشكل تأمين المنازل هو مشكل غياب ثقافة تأمين المنازل ضد الكوارث الطبيعية لدى الجزائريين حيث لا تزال لحد الآن غائبة عن قاموسهم بالرغم من إجبارية التأمين ضد الكوارث الطبيعية التي تنص عليها الأمرية المؤرخة في 26 أوت 2003 والتي أصدرت بعد زلزال بومرداس والموجهة لكل أصحاب الممتلكات العمومية المبنية من سكنات ومؤسسات. كما أن نسبة المؤمنين على منازلهم لا تتجاوز حاليا 5 بالمائة وهو ما يمثل نسبة 20 بالمائة فقط من مجموع النشاط الإجمالي لنشاطات شركات التأمين، حسب ما أكدته جمعية شركات التأمين، موضحة أن القانون سارٍ على كل مالك لعقار أو منشأة صناعية أو تجارية من خلال اكتتاب عقد تأمين ضد الكوارث الطبيعية، رغم أن تكلفة التأمين لا تتجاوز في أقصى حد لها الخمسة آلاف دينار سنويا إلا أن الكثيرين يرفضون صيغة التعاقد. وماذا تقترحون؟ نحن كهيئة نقترح تنظيم أيام تحسيسية دورية لتوعية المواطنين بضرورة تأمين منازلهم حتى يستفيدوا من تعويض في حال تعرضها لأضرار عند تسجيل أي كوارث طبيعية. هل تشكل البنايات غير المكتملة خطرا؟ في موضوع تأخر البنايات غير الكاملة التي باتت تشوه وجه الكثير من المدن، فإن الجزائر تحصي حاليا مليوني سكن غير كامل، 95 بالمائة من هذه السكنات غير صالحة للسكن. ويرجع سبب إهمال هذه البنايات في أغلب الحالات وعدم إتمام بنائها إلى العجز المالي حيث يشكو العديد من المقاولين من غياب الأموال التي تسمح لهم بإتمام عمليات البناء، يقول رئيس المجمع الوطني للمهندسين المعماريين الذي طالب المقاولين باستلام ما لا يقل عن 20 بالمائة من تكلفة البناء قبل الانطلاق في الأشغال كدفع مسبق. مشروع إعادة تهيئة العمارات الهشة التهم 300 مليار دينار لايزال مشروع إعادة تهيئة العمارات الهشة المهددة بالانهيار على مستوى ولاية الجزائر مجرد حبر على ورق، لأن عملية الترميم التي أطلقتها وزارة السكن سنة 2005 بهدف ترميم حوالي 1700 بناية يقطنها أزيد من ألف نسمة تراوح مكانها، الأمر الذي يضع حياة وسلامة نزلاء هذه العمارات تحت خطر الانهيار في أي وقت. خصصت وزارة السكن والعمران غلافا ماليا ضخما قدره 300 مليار دينار لترميم العمارات الهشة التي تم إحصاؤها على مستوى بلديات العاصمة والتي تقدر نسبتها 17 بالمائة تعود إلى الحقبة الاستعمارية وتم تصنيفها في الخانة الحمراء. ومع تزايد خطر سقوط العمارات الهشة وكذلك الشرفات مثلما وقع مؤخرا بشارع ديدوش مراد حيث تسبب سقوط شرفة عمارة في وفاة شخص وإصابة شخصين. يزداد قلق سكان العمارات المهددة بالانهيار خاصة أن وضعية عماراتهم في تدهور مستمر. ويجمع سكان العمارات المهددة بالسقوط على أن الاجراءات الإدارية المعقدة هي التي حالت دون ترميم عماراتهم لحد الآن او ترحيلهم لتخلصيهم من كابوس الإنهيار الذي يهدد حياتهم في أي وقت. ويكمن الإشكال في عملية ترميم هذه العمارات في ملكيتها لكون أغلب الشقق المتواجدة بهذه العمارات ملكا للخواص وهذا ما عقد من مسألة ترميمها، حيث تتواجد أغلب هذه العمارات على مستوى الأحياء القديمة للعاصمة مثل باب الواد وبلكور وحسين داي والجزائر الوسطى والقصبة... كما أن عملية ترميمها تتطلب في بعض الحالات إخلاء كليا لكل المساكن حسب اعترافات بعض السكان. من جهة أخرى فإن البلديات المعنية بملف العمارات المهددة بالانهيار واجهت العديد من العراقيل البيروقراطية بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة المتعلقة بالحصول على الميزانية المخصصة لعملية الترميم، حيث لاتزال العديد من البلديات لحد الآن لم تحصل على هذه الأموال وهذا ما حال دون الشروع في عملية الترميم. بنايات قديمة ومهترئة يفوق عمرها نصف قرن ومواطنون تحت رحمة سكنات هشة تعرف سكنات العاصمة حالة كبيرة من الاهتراء والهشاشة، وتحمل معها ذكريات كبيرة لجزائر تطور فيها كل شيء ولم يتطور عمرانها. ولعل أكثر ما تطور هشاشة السكنات وتعقد حياة ساكنيها الذين صار هاجس الموت يرافقهم دائما كما رافقت هشاشة السكنات هشاشة الوضع المادي الذي لم يمكنهم من اقتناء سكنات جاهزة أو شراء أراض لتأمين مستقبلهم مما جعلهم تحت رحمة بنايات تعود إلى مخلفات مستعمر أخرجناه منذ نصف قرن، إلا أن بناياته لا تزال ملجأ لأغلب الجزائريين. ولعل ألوان هذه البنايات الهشة المزينة بالأبيض والأزرق تبين مدى الوفاء لماضي هذه السكنات التي صارت تؤرق حياة العديد من العائلات الجزائرية الحرة في كل شيء ما عدا "الحق في السكن" المكفول دستوريا، إلا أن هذه القاعدة في الجزائر لم يعد لها معنى وصار المطالب بالسكن أقرب إلى طالب المستحيل لاسيما في العاصمة التي لا تعرف أي مخطط جديد لانتشال العاصمة من فوضى العمران بل صار المواطن يلمس سياسة الهروب الى الأمام وثقافة الترقيع التي تعنى بالواجهة وتهمل اللب، لاسيما إذا كان هذا الترقيع يخص عاصمة سياسية واقتصادية للوطن بل تعتبر قلب الوطن وواجهته الخارجية. شباب العاصمة يطالبون الوصاية بحلول عاجلة... وموجة غضب قد تنفجر في أي لحظة جولة دقائق في أزقة العاصمة تجعلك تعاين واقعا مريرا وتلمس هاجسا رهيبا يعايشه سكان "البهجة". كما تلاحظ التذمر الكبير الذي يعيشه سكان عمارات أقل ما يمكننا وصفها بالمتهرئة والخطيرة على ساكنيها، لكن قلة الحيلة وعدم قدرة قاطنيها على تركها جعلتهم يبقون تحت أسقفها. وفي هذا السياق حاورنا بعض سكان العمارات بالجزائر الوسطى الذين كان الخوف والغضب القاسم المشترك بينهم، في هذا الموضوع يذكر إبراهيم 28 سنة أنهم يعيشون ظروفا أقل ما يمكن القول عنها بالصعبة والمضنية لاسيما من ناحية هشاشة السكنات التي قد تسقط في أي وقت معبرا عن هذا بالقول "ربي راه ساترنا ومنا لغدوة بزاف"، عبارات تنبئ بالحالة النفسية المضطربة التي يعيشها سكان هذه العمارات. ولعل حادثة سقوط الشرفات الأخيرة زادت من تخوف السكان وهذا ما عبر عنه "محمد" 50 سنة، بالقول كنا نخاف على أولادنا في المنزل لاهتراء العمارة لكن اليوم صرنا نخاف عليهم من شرفات البنايات. إن نصف سكان العاصمة سيقضي عليهم زلزال خفيف نظرا لما وصفه بنهاية صلاحية هذه البنايات وضرورة إيجاد مخطط جديد لبناء عاصمة جديدة وعدم "تبذير" الأموال في ترقيع الواجهات معبرا عن ذلك بالمثل الشعبي "يا لمزوق من برا واش حالك من الداخل" متهما في ذات السياق الجهات المختصة بعدم الجدية في دراسة الوضع العام للمدينة وإخلاء السكنات المهددة بالسقوط وضرورة التكفل بساكنيها ولو تدريجيا رادا ذلك الى أن ما يحدث يهدد حياة مواطنين مطالبا الوصاية بحلول استعجالية. واصلنا التجول في العاصمة وأصررنا الاقتراب أكثر من معاناة المواطنين ونقل انشغالاتهم فلمسنا وضعية كارثية لبعض السكنات من جميع النواحي فهي أقرب الى مراكز للتعذيب أو لمحتشدات منها الى مساكن لمواطنين. ولعل ما نشرته "البلاد" سابقا حول سكنات بالحراش لخير شاهد على الوضعية المزرية لبنايات العاصمة التي تفتقر أحيانا حتى لأبسط ضروريات العيش هذا ما يحدث في ظل غياب تام لإستراتيجية تهيئة خطة جديدة وفعالة لوجه جديد للعاصمة الأمر الذي خلق نوعا من الغضب لدى المواطنين الذين تحاورنا معهم، متهمين الوصاية بعدم الجدية لاسيما في ظل الإريحية المالية التي تعيشها الجزائر، متسائلين كيف للجزائر أن تقرض صندوق النقد الدولي ومواطنوها تحت رحمة أسقف مهترئة وبنايات هشة وهذا يحدث على بعد أمتار فقط من مركز صنع القرار بل على بعد أمتار فقط من أكبر مسؤولي الدولة هذا ما يرده من حدثنا من سكان البنايات الى غياب سياسة رشيدة وخطة واضحة لهم، مطالبين بالتكفل العاجل بوضعيتهم واصفين حالهم بالخطير والمستعجل.