تشكّل السكنات الآيلة للسقوط خطرا حقيقيا على أرواح عشرات العائلات التي تشغلها، كونها قد تنهار في أية لحظة ودون سابق إنذار، لأن النسيج العمراني للعاصمة يعود إلى الحقبة الاستعمارية، ولم تستفد أغلبيتها من أية عملية تهيئة رغم الضرر البالغ الذي يظهر عليها، والأخطر من هذا كله أن غالبيتها موزع على عدد هائل من بلديات العاصمة على غرار باب الوادي، الجزائر الوسطى، القصبة، محمد بلوزداد ورايس حميدو، ليبقى الخطر محدقا بقاطنيها إلى غاية إعادة إسكانهم ولا تقتصر المخاطر التي قد يحدثها انهيار تلك السكنات على شاغليها فقط، ولكنها تشكّل الخطر ذاته على المارة، والدليل على ذلك أن العديد من الشرفات التي انهارت راح ضحيتها من كان بأسفلها، وفقا لما سجلته مصالح الحماية المدنية. وعلى سبيل المثال أن أحد المارة لقي حتفه عندما كان يسلك رصيف بشارع حسيبة بن بوعلي، حيث انهارت إحدى الشرفات عليه، حسب ما أفاد به الملازم سفيان بختي، وهو ما أثار ذعرا كبيرا وسط السكان والمارة على حد سواء، الأمر الذي أدى بالمارة منذ تلك الواقعة إلى توخي الحيطة والحذر، خشية تعريض سلامتهم لمخاطر حوادث المرور بالسير أحيانا جنبا إلى جنب مع المركبات التي تمر بالطريق الرئيسي، ليبقى نزلاء العمارات المهددة بالانهيار يتساءلون هل سيأتي يوما وينعمون فيه بسكن دون أن يطاردهم هاجس الانهيار الذي أضحى بمثابة الكابوس الذي يهددهم بشكل دائم؟ احتجاجات في العاصمة بسبب السكنات المهددة بالانهيار وأعربت العديد من العائلات عن تذمرها الشديد جراء عدم تهيئة العمارات التي تقطنها بالعديد من بلديات العاصمة، لا سيما بعد أن زادت نسبة تضررها بعد الزلزال العنيف الذي هز العاصمة سنة 2003، ورغم ذلك لم يتخذ بعض مسؤولي البلديات العاصمية أي قرار بشأن تقديم يد العون لفائدة العائلات التي تضررت سكناتها، وأضحت تشكّل خطورة كبيرة على شاغليها، والدليل على ذلك الاحتجاجات التي كانت مناطق متفرقة من العاصمة مسرحا لها، بسبب الوضعية المزرية للنسيج العمراني الذي أصبح مصدر تهديد بالنسبة للسكان، مثلما هو الحال بالنسبة للعائلات التي تقطن بديار الباهية بالمدنية، وهو الخطر ذاته الذي دفع سكان حسين داي إلى الاحتجاج، لا سيما سكان تريبولي فكل شرفات السكنات الواقعة بالحي ذاته مهددة بالانهيار، ورغم وضعها المتردي لم يسارع مسؤولو البلدية لتهيئتها ومنع الكوارث. 800 “دويرة” مهددة بالانهيار بالقصبة وعشرات العائلات يترصدها بالموت تحت الأنقاض ومن بين البلديات التي تتوزع على مستواها العشرات من السكنات الآيلة للسقوط، بلدية القصبة العتيقة أو ما يعرف بالدويرات، فرغم أنها تعد تحفة معمارية، غير أنها سرعان ما فقدت عددا معتبرا منها، لأنها لم تشملها التهيئة وتناثرت بفعل الكوارث الطبيعية التي شهدتها العاصمة. وحسب منتخب بالمجلس الشعبي البلدي بالقصبة، فإنه تم إحصاء ما بين 700 إلى 800 دويرة آيلة للسقوط، بسبب الوضعية المزرية التي أضحت تميز سكنات القصبة العتيقة إلى النسيج العمراني القديم من جهة، وكذا شبكة المياه التي تم إنجازها بقلب القصبة والتي أثرت بدورها على وضعية السكنات وزادت من هشاشتها. وحسب محدثنا، أضحى ذلك يشكّل خطرا كبيرا على حياة السكان، لأنه وإلى وقت مضى كانوا يعتمدون في حياتهم اليومية على الآبار، ولكنهم تخلوا عن ذلك بعد توفير شبكة المياه، وحسب نفس المصدر تم تسجيل حوادث عدة كان ضحيتها سكان الدويرات، على غرار انهيار أحد الجدران على مستوى حي نفيسة خلال سنة 2007، تسبب في وفاة طفل صغير. وأوضح نفس المصدر في السياق ذاته بأن البلدية “أخلت مسؤوليتها حينها من الحادث وأرجعت مهمة ترميم الجدار المنهار إلى مديرية الثقافة، في حين ألقت هذه الأخيرة بمسؤولية الحادث على مصالح البلدية التي لم تكلف نفسها عناء ترميم الجدار”. وأضاف محدثنا بأنه لم تكن يوما استمرارية في تهيئة دويرات القصبة، ففي خلال السنوات الماضية قامت إحدى المؤسسات التي كلفتها ولاية الجزائر بترميم بعض الدويرات بعمليات الترميم، لكن سرعان ما توقفت العملية، وكانت الفاجعة إاستنادا إلى محدثنا سنة 2003، عند تم تسجيل وفاة عائلة بأكملها تحت الأنقاض، إثر انهيار إحدى الدويرات على رأس أفرادها. 120 بناية آيلة للسقوط ببلديتي بلوزداد ورايس حميدو ارتأينا أخذ عينات عن البلديات الأكثر تضررا والتي يعاني سكانها من مخاطر الانهيارات، وكانت البداية من بلدية محمد بلوزداد، حيث أحصت مصالحها 80 بناية مهددة بالانهيار، حسب رئيس البلدية، الذي لم يخف خوفه من انهيار تلك السكنات على أصحابها في أية لحظة، مشيرا إلى أن غالبية تلك السكنات تقع في أعالي بلدية بلوزداد، حيث تتموقع بكل من العقيبة، حي سويداني عبد القادر أو ما يعرف ب “مارشي 12”، الكاريار وغيرها. وأفاد رئيس البلدية ل “الفجر” أن مصالح البلدية وبالتنسيق مع مصالح الدائرة تقوم بإحصاء مختلف العائلات التي تشغل البنايات القديمة والمهددة بالانهيار، مؤكدا بأن لبلديته نصيبها من برنامج إعادة الإسكان الذي سطرته ولاية الجزائر، المتمثل في تخصيص 10 آلاف سكن للعائلات التي تقطن بالسكنات الهشة والمهددة بالانهيار، لأنه لا بد من مراعاة بعض الأولويات في برنامج الولاية الخاص بالترحيل. ومن جهة أخرى، أحصت مصالح بلدية رايس حميدو تواجد 40 بناية قديمة، وفقا لما أفاد به رئيس البلدية في تصريح ل “الفجر”، الذي أكد بأن العائلات التي تشغل هذه السكنات تندرج في إطار برنامج الإسكان المسطر بتمويل من البنك العالمي، في حين أحصت نفس المصالح تواجد 400 سكن هش بإقليم البلدية، من المفروض أنها مسطرة في برنامج الإسكان الخاص بولاية الجزائر. وفي نفس السياق، أحصت مصالح بلدية باب الوادي تواجد 8 بنايات هشة تتواجد في طريق محمد أورين، حي روني رزقي، كوندوريس، ومن المقرر أن يتم ترحيل قاطنيها، حسبما كشف عنه سابقا رئيس البلدية، بالإضافة إلى تواجد 500 سكن فوضوي بأسطح العمارات وفق الإحصائيات التي قامت بها المصالح المعنية سنة 2007. وفي نفس الإطار، تحصي بلدية الجزائر الوسطى عددا معتبرا من السكنات الآيلة للسقوط، لأن نسيجها العمراني يعود إلى فترة المعمّرين، ولعل حي طنجة مثالا حيا على ذلك. ووفق آخر الإحصاءات التي كشف عنها النائب المكلف بالشؤون الاجتماعية، فإن 19 عمارة مهددة بالانهيار، تقع على مستوى كل من 3 عمارة بن عيسى، 4 شارع سان طيروقورصو، والبناية رقم 14 بحي طنجة، في حين 1795 عمارة تعد جد قديمة أعدت لها بطاقات تقنية. مراقبة البنايات من اختصاص خبراء ومختصين في أمن العمارات طرحنا إشكالية البنايات الآيلة للسقوط على الخبير المختص في الهندسة المقاومة للزلازل وأمن العمارات، السيد شلغوم، حيث دق ناقوس الخطر بشأن البنايات الآيلة للسقوط، معتبرا أنه من غير المنطقي أن يتم الاعتماد فقط على الدراسة التي قام بها المسؤولون المحليون والتي تم على أساسها تقييم وضعية البنايات. وأوضح محدثنا أهمية إجراء الخبرة الضرورية على مختلف البنيات الآيلة للسقوط المتواجدة عبر عدد من البلديات التابعة لولاية الجزائر، وفي رأيه المهمة لا بد أن توكل إلى خبراء مختصين في مجال الزلازل وأمن العمارات، على اعتبار أنهم المكلفون دون سواهم للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه. كما شدّد ذات المتحدث على ضرورة توفر الاستقلالية التامة للخبراء، وأن لا تربطهم أية صلة بالسلطات المحلية.