بن بيتور .. التكنوقراطي الذي عارض سياسة "السيستام" هل سيحمل لقب "أول دكتور يرأس الجزائر"؟ أحمد بن بيتور .. سياسي وخبير اقتصادي ورئيس حكومة سابق، ظلّ لسنوات يجدف "عكس التيار" ويفكّر بصوت مرتفع، خلافا للقواعد والتقاليد التي حكمت الجزائر والتزم بها السياسيون والمسؤولون الكبار. بن بيتور.. ذلك "التكنوقراطي" الذي خالف سياسة "السيستام" وضرب عرض الحائط جميع البروتوكولات التي مشت وتمشي عليها الجزائر منذ 62، بداية من استقالته من منصب رئيس حكومة بعد مدة لم تتجاوز 6 أشهر من التكليف، بسبب تدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في صلاحياته، حسبما علل آنذاك الرجل قراره، قبل أن يخرج لساحة "المعارضة" معارضا ومنتقدا لأغلب توجهات الحكومة السياسية والاقتصادية، وانتهاء بإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة في ربيع 2014، فكان الوحيد الذي شذّ عن القاعدة في الأمس واليوم، وأعلن الترشح غير مبال بما كان يتردد عن العهدة الرابعة لبوتفليقة. خروج بن بيتور المبكر في موضوع الترشح للرئاسيات، فتح المشهد على العديد من التساؤلات المثيرة والمتباينة؟ وهل من حظوظ مؤكدة تدفع نحو استمرار الرجل المستميت في خوض غمار رئاسيات 2014، حتى وإن ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة؟ بن بيتور الذي أكّد خلال نزوله ضيفا على منتدى "البلاد" في وقت سابق، أنّه لن يترشح لرئاسيات 2014 في حال ترشح بوتفليقة، غيّر موقفه بعد أشهر معلنا رغبته الجامحة في الترشح لهذه الرئاسيات، في وقت كانت الساحة السياسية تغلي حديثا عن عهدة رابعة للرئيس بوتفليقة، مما جعل كافة المراقبين محل تساؤل؟ أي ركائز يرتكز عليها بن بيتور في رفعه هذا التحدي الذي يراه كبار الساسة مغامرة غير محسوبة، فكشف الأوراق مسبقا وعدم الالتزام بأسطوانة "الحديث سابق لأوانه" مثلما هوالحال مع بن بيتور يحيل المراقب لجملة من الأسئلة. بن بيتور، يحمل قناعة كبيرة بأنّ التغيير في الجزائر يستحيل تحقيقه في الإطار الضيق الذي يعتمد على تكريس السيناريوهات التقليدية، ويدفع نحو كسر الاعتقاد السائد منذ استقالته من رئاسة الحكومة. ودائما ما يؤكّد في خرجاته الإعلامية أنّه يستحيل أن تحصل على نتائج جديدة باعتماد طرق قديمة، مما دفعه للاشتغال على طرق يصفها ب"المبتكرة" فيما يخص تنظيم العمل السياسي ووسائل التجنيد. لا أحد ينكر كفاءة وخبرة الدكتور أحمد بن بيتور، فالرجل كان الأكفأ بين رؤساء الحكومات والأكثر فهما لميكانزمات الاقتصاد الدولي، ويحمل شهادات كبرى الجامعات العالمية، ويحاضر في كبرى المؤتمرات والجامعات والندوات الدولية،.. ولكن الكفاءة والشهادة وحدها لا تكف للوصول إلى قصر المرادية، وبن بيتور يعي هذا جيدا، وهوالأمر الذي جعله يزهد في رئاسيات 2009 ويطمح لرئاسيات 2014، مرتكزا على نقطة قوة واحدة كانت تنقصه لدخول انتخابات 2009. بن بيتور يؤمن بأنّ التغيير لن يأتي من داخل السلطة ولا من برامجها ولا من الأحزاب أو من الانتخابات والاستفتاءات، ولهذا يقول بأنّ التغيير يكون عندما تلتقي ثلاث حالات: أولا ضغط قوي ومتزايد من الشعب. ثانيا تحالف وطني بين القوى التي تطالب بالتغيير. وثالثا وقوع حدث مفجّر كالذي عرفته تونس في حادثة البوعزيزي، وهذا ما يجعل من التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة العربية، المغاربية خصوصا، دافعا ونقطة قوة أمام بن بيتور الذي قدّر بأنّ لا خيار أمام السلطة حاليا سوى القبول بالتغيير، ورأى أنّ الفرصة مواتية أمامه لتحقيق ذلك، فاندفع نحو الترشح لرئاسيات 2014، التي يراها محطة تغيير تستلزم في نظره تحالفا وطنيا لقوى التغيير فقط. ولعل تكنوقراطية بن بيتور، ومساره العلمي والعملي في المعارضة، وسمعته الطيبة، وتمتعه بالكفاءة والخبرة اللازمة ونظافة يده، إضافة لكونه صاحب مشروع طموح وبرنامج سياسي واقتصادي مميز، كلها نقاط تكفل لبن بيتور دعما من مختلف القوى السياسية التي تطالب بالتغيير، حيث يكون مرشح توافق وإجماع ما يسميه الرجل ب"تحالف قوى التغيير". كما أنّ بن بيتور، يراهن بشدة على ورقة الجنوب، باعتباره ابن "غرداية" حيث "الحراك الجنوبي" منذ شهور، وممثل "الجنوبيين" على مستوى النخبة السياسية، خاصة وأنّ منطقة الجنوب شهدت خلال الأشهر الماضية احتجاجات كثيرة، تعالت فيها مطالب الأعيان الذين طالبوا ب"كوطة" الجنوب من الوزراء والولاة والسفراء، وبإمكان أن تتحول هذه الورقة إلى ورقة تفاوض مع أصحاب القرار. وعلى الصعيد الدولي، فبن بيتور قريب من دوائر الخبراء الغربيين، وقد تساعده شخصيته المستقلة وغير المرتبطة لا مع أحزاب ولا مع سلطة منذ خروجه من الحكم، في كسب دعم دولي يحقق تغييرا سلميا في الجزائر، بعيدا عن خيارات الفوضى التي عمت المنطقة، خاصة أنّ تقارير غربية كثيرة أشارت إلى أنّ الغرب يريد من الجزائر دولة مستقرة أمنيا وسياسيا، في ظل الفوضى التي عششت بمختلف دول شمال إفريقيا والساحل الإفريقي. أما شعبيا، فبن بيتور يتمتع بمواصفات كثيرة تمكنّه من كسب رضا ودعم شعبي. فمن الجانب العلمي، بن بيتور صاحب مسار علمي رفيع، درس الرياضيات وحاز على الليسانس ثم دبلوم الدراسات المعمقة في الرياضيات من جامعة الجزائر، وتدرج ليحصل على ماستير إدارة أعمال من جامعة مونتريال بكندا ثم دكتوراه في الاقتصاد من نفس الجامعة. وقد يكون أول رئيس جزائري يحمل دكتوراه من أكبر الجامعات. إضافة لمسيرته الحكومية التي ختمها باستقالة رفعت كثيرا من أسهمه السياسية والشعبية، بحكم أنّ ثقافة الاستقالة تكاد تكون غائبة لدى ساسة الجزائر وأمام الرأي العام، ومواقفه الوطنية ونزاهة ونظافة يده، حيث لم يسبق أبدا أن ذكر اسمه في قضية من قضايا الفساد، بل كان من المبادرين لفضح ما يسميه "الفساد الممنهج". نسيم عبدالوهاب بن بيتور ينشد ''جزائر السلام والعدالة والازدهار'' يعتقد الدكتور أحمد بن بيتور، أنّ الرئيس الذي لا يجسد أهدافا محددة في ظرف المائة يوم الأولى من تولي مهامه لا يمكنه أن ينجح في باقي عهدته، ولهذا سطر الرجل أهدافا يعمل على تحقيقها في ظرف 100 يوم في حالة فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلى جانب برنامج سياسي واقتصادي وثقافي كامل ومتكامل مشهود له بهما، ويلخص برنامجه في شعار من أجل جزائر السلام والعدالة والازدهار. وفيما يخص برنامج ال100 يوم، يعتبر بن بيتور أنّ المهام ذات الأولوية بالنسبة إليه تنقسم إلى بعدين: بناء المؤسسات وتحسين السلوك الفردي والجماعي. ويتعلق الأمر بالنسبة إلى البعد الأول، بإعادة مكانة الكفاءات الوطنية والتحكم في الرقمنة. أما بالنسبة إلى السلوك الفردي والجماعي، فيتعلق الأمر بأخلقة الحياة العامة ومحاربة كل مظاهر الفساد والثراء غير المشروع ونهب المال العام وتبذيره. وإلى جانب هذه الأهداف، يطرح بن بيتور برنامجه السياسي الذي يريد من ورائه وضع كل مؤسسات الدولة تحت سلطان المساءلة من طرف ممثلي الشعب في المجالس المنتخبة، إضافة لترسيخ الرقابة المدنية على الجيش بداية من تعيين وزير دفاع مدني. أما في الجانب الاقتصادي من برنامج الرجل، فيقوم أساسا على إعادة بناء اقتصاد البلاد بما يتيح تنويع مصادر الدخل والتخلص من التبعية للمحروقات وجوهره حسن استخدام المال العام بواسطة حسن استخدام الثروة البشرية. كما يطرح ضمن برنامجه الذي سيعرضه على الناخبين جملة من البدائل في مجالات عدة كالتعليم والثقافة وغيرها ويلخص بن بيتور هذه الأمور في ما سماه "عشرة إنجازات لتغيير الجزائر"، وتحمل هذه الإنجازات عناوين رئيسة في برنامجه مثل "عدالة في خدمة المجتمع"، "أمن الأشخاص والممتلكات"، "إعادة الاعتبار للعمل كقيمة حضارية"، "إعادة بناء الطبقة المتوسطة"، "تحسين مردود المنظومة التربوية وهو الرهان الذي يعتبره أكثر أهمية من النمو الاقتصادي"... وفيما يخص إعادة بناء المدرسة، فإنها تخص اعتماد مبادئ التكوين الجيد والتنافسي والحس المدني والتفتح على العالم وضمان الاندماج مع العالم المهني وإقامة منشآت بحث وابتكار تستجيب لحاجيات البلاد. ن.ع المحلل السياسي الدكتور عامر مصباح ل"البلاد": بن بيتور لا يحظى بالإجماع الكافي لدخول قصر المرادية لا يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عامر مصباح، أن المرشح المحتمل للرئاسيات المقبلة أحمد بن بيتور لديه حظوظ كافية لدخول قصر المرادية، فلحد الآن لا يوجد له أي غطاء حزبي، حيث لم يبادر أي حزب كبير إلى إعلان مساندته لرئيس الحكومة السابق في السباق الرئاسي المرتقب. فالبرغم من وصف محدثنا برنامج بن بيتور الذي أعلن عنه بالمتنور، حيث طرح أفكارا مفيدة ومتقدمة، لا سيما في المجال الاقتصادي الذي هو الحقل الأكاديمي الذي تخصص فيه المرشح الرئاسي، لكن يبقى هناك عامل آخر لا يتوفر فيه وهو عدم إجماع القوى الاقتصادية الأساسية ومراكز القوة في السلطة، وهي عناصر الحسم في الساحة السياسية الجزائرية، ولا يمكن إجراء أي انتخابات رئاسية في حالة عدم وجود توافق بين هؤلاء الفاعلين. ومما يزيد من العوامل التي تقلل حظوظ أحمد بن بيتور، هو التجربة التي مر بها مع النظام أثناء توليه منصب رئيس الحكومة، عندما حاول أن يبني استقلالية لنفسه، من خلال مواقفه التي لم تكن تتوافق مع توجهات الرئيس بوتفليقة، وبرأي الدكتور مصباح فإن هذا من تأثيرات الطابع الأكاديمي لشخصيته، الذي هو عامل أضعف من حظوظه في السباق الرئاسي، حيث إنه على الرئيس أن تتوفر فيه السلاسة وعدم تحدي الاتجاه العام لمؤسسات صنع القرار ليحضى بتأييدها. وأمام هذه العناصر التي تقوض حظوظ بن بيتور في الظفر بمنصب الرئيس، يرى محدثنا أن هناك عامل واحد يصب في مصلحته، وهو الاحتجاجات التي عرفتها العديد من الولايات الجنوبية في السنة الجارية، حيث توجد إمكانية لاسترضاء سكان هذه المناطق من خلال إخراج رئيس من تلك النواحي صونا للوحدة الوطنية والتوازن بين جهات الوطن، وهنا يكون هو الخيار الأفضل، حيث ينحدر من منطقة متليلي بولاية غرداية. لكن الدكتور مصباح يرى أن حتى هذه الميزة لا يستفيد منها رئيس الحكومة الأسبق، حيث يقف ضده الكثير من الجماعات الفرعية التي لديها ولاءات أخرى، لا تنسجم وتوجهات بن بيتور، سواء كانوا من الجماعات الدينية مثل الزوايا الصوفية، أو من رجال الأعمال والفاعلين الاقتصاديين. علي العقون