التضخم بلغ 4.7 بالمائة.. والواردات ستصل إلى 60 مليار دولار تعرف الواردات الجزائرية، ارتفاعا قياسيا مع نهاية السنة الحالية، حيث ستجتاز لأول مرة 50 مليار دولار يقابلها من الجانب الآخر انخفاض محسوس في الصادرات من المحروقات التي بلغت 37.12 مليار دولار في نفس الفترة. يأتي ذلك في وقت سجل فيه معدل التضخم تراجعا ظرفيا في الأشهر الست الأولى ببلوغه 4.75 بالمائة، إلا أنه يبقى مرشحا للارتفاع بقوة خلال نهاية العام بعد وعود الحكومة بتعديل قانون العمل بشكل يسمح بتحقيق زيادات معتبرة في الأجور. هذه المعطيات تفجر عدة تساؤلات حول الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة مع ارتفاع النفقات العمومية وكتلة الأجور، خاصة أن الكثير من الاقتصاديين يؤكدون أن ميزانية الدولة لا يمكنها التحمل إذا استمرت نفس وتيرة الإنفاق. فهل ستضطر الحكومة إلى غض النظر عن الزيادة المرتقبة في الأجور بتعديل المادة 87 مكرر من قانون العمل؟ أم أنها ستفي بالتزامها وتستعمل حيلا أخرى لإضعاف قيمة هذه الزيادات؟ ويمثل ارتفاع الواردات الجزائرية إلى 28.35 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى، تحديا خطيرا للجزائر، لأن هذه الفاتورة تدفع من احتياطي الجزائر من العملة الصعبة الذي توفره حصريا ثروة المحروقات الآيلة للنضوب، وهو ما يجعل الاقتصاد الوطني مهددا في أي لحظة إذا لم يتم تنويع مصادر دخله من العملة الصعبة. وبدأت بوادر تراجع عائدات المحروقات تلوح في الأفق، حيث بلغت قيمتها 35.9 مليار دولار مقابل 37.96 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. ويعود هذا التراجع في الصادرات أساساً لانخفاض نسبته أكثر من 7 في المائة في صادرات النفط والغاز، وأكثر من 22 في المائة في المواد الخام، و11 في المائة في التجهيزات الصناعية، وفقاً لبيانات الجمارك، ويمثل النفط والغاز أهم مبيعات الجزائر إلى الخارج ويشكلان 96.09 في المائة من الحجم الإجمالي للصادرات وبمقابلة الواردات مع الصادرات في نفس الفترة، يُلاحظ أن الميزان التجاري مازال يميل لكفة الصادرات، إلا أنه انخفض بنسبة 45 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، حيث نزل من 13.9 مليار دولار إلى 7.5 مليار دولار. وهذا ما يعني تقلص الفوائض الموجهة لصندوق ضبط الإيرادات، الذي يمثل الفارق بين السعر المرجعي للبترول في الميزانية العامة للدولة والمقدر ب37 دولارا مع السعر الحقيقي الذي تبيع به الجزائر في السوق الدولية. ورغم كل هذه المؤشرات التي لا تبعث على الارتياح حول المستقبل المالي للجزائر، تعتزم الحكومة في اجتماع الثلاثية القادم في شهر سبتمبر، مراجعة المادة 87 مكرر من قانون العمل، مثلما أكد ذلك وزير العمل الطيب لوح، وذلك بشكل يسمح برفع الأجر الأدنى الوطني المضمون، ويحمل ميزانية الدولة مصاريف إضافية تضاف إلى كتلة الأجور المرتفعة أصلا التي تقدر حاليا ب26 مليار دولار. وفي المقابل، سيؤدي ارتفاع الأجور إلى زيادة آلية في معدلات التضخم الذي قد يصل إلى 6 بالمائة مع نهاية السنة. ومعروف اقتصاديا، أن ارتفاع الأجور يؤدي إلى ارتفاع الكتلة النقدية المتداولة في السوق، مما يؤدي في الأخير إلى ارتفاع الطلب على السلع والخدمات وبالتالي زيادة أسعارها في السوق، وهو ما يعرف بظاهرة التضخم. وبلغت نسبة التضخم في الجزائر 4.75 بالمائة خلال السداسي الأول 2013 مقابل 9.3 بالمائة خلال نفس الفترة في 2012. وكلما كان هذا الارتفاع في الطلب على السلع والخدمات لا يقابله إنتاج محلي يغطيه، كلما لجأت الدولة إلى الاستيراد لتغطية حاجيات السوق المحلية. وهذا ما يفسر في ارتفاع فاتورة الواردات بشكل قياسي خلال السنوات الأخيرة سيصل مع نهاية العام الحالي إلى 60 مليار دولار، من خلال اعتماد كلي على الموارد الريعية من المحروقات، وهذا ما جعل بنك الجزائر يتنبه إلى خطر هذا الارتفاع، ويتخذ تدابير استعجالية لكبحه عند مستويات معقولة نوعا ما. وأمام تحذير الخبراء من أن التراجع في موارد المحروقات سيزيد من تعميق العجز في ميزانية العامة ويؤدي إلى تآكل احتياطي الجزائر من العملة الصعبة في السنوات القليلة القادمة، تُثار عدة تساؤلات حول جدية الحكومة الرفع من الأجور في سبتمر القادم. وإذا لم تتراجع الحكومة عن قرارها، ستكون مضطرة حسب مراقبين إلى اللجوء إلى تخفيض قيمة الدينار عبر البنك المركزي حتى تمتص أثر تلك الزيادات وتقلل من مفعولها على الميزانية. وترافق قرارات زيادة الأجور في العادة موجات من ارتفاع الأسعار متزامنة، مما دفع الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول إلى اتهام البنك المركزي قبل أشهر بتخفيض قيمة الدينار، وهو ما نفاه هذا الأخير جملة وتفصيلا.