دق مدير الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية عبد الوهاب زكاغ، ناقوس الخطر من الوضعية الكارثية التي آل إليها حي القصبة العتيق في العاصمة، نتيجة تضرر بناياتها، وتأخر وبطء تنفيذ مخططات الترميم التي انطلقت عام 2007 فقط، لتأخذ الدراسات لوحدها مدة 3 سنوات كاملة، حيث لم تكتمل إلا بحلول عام 2010. وأضاف زكاغ في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، أن "أكثر من 80 % من البنايات هي ملكية خاصة تم هجرها خلال التسعينيات من القرن الماضي بسبب أحداث العنف، مما سمح للإسلاميين المسلحين باستغلال أزقتها الضيقة والملتوية، تماما كما فعل الثوار خلال حرب استقلال الجزائر في الخمسينيات". وهو الإهمال الذي ترك آثارا ملحوظة على الشكل الجمالي للعمران في الحي، حيث قام الكثير من السكان بالتصرف في مساكنهم وفق رؤيتهم الخاصة دون احترام المعايير الضرورية مع مثل هذه البنايات الأثرية، ومما زاد من حدة المشكلة هو الكثافة السكانية الكبيرة التي تشهدها، والتي ساهمت في تداعي هذه البنايات وتصدعها، بعضها تم الاستعانة بالألواح الخشبية والمعدنية للحيلولة دون انهياره، بالإضافة إلى طبيعة بناء القصبة التي يجعل كل بيت يتكئ على البيت الآخر وعندما يتهدم بيت يمكن أن تنهار كل البيوت من خلفه. ومن المشاكل التي تعترض جهود السلطات في إعادة ترميم القصبة هو حصول مشاكل عند إعادة تهيئة أي منزل، حيث في أغلب الأحيان تحصل خلافات عائلية عندما يقتحم أقارب العائلة المنزل، مدعين اشتراكهم في ملكية العقار رغم مغادرته له منذ سنوات بسبب تصدعه، فيلجؤون إلى إعادة التصرف فيه وتقسيمه بصورة تجعله يفقد جماله العمراني مجددا. وتساعد الوكالة الوطنية للقطاعات المحمية أصحاب البيوت القديمة على إعداد الملفات لترميمها أو شراء الأراضي الشاغرة بعد انهيار البنايات، لكن ذلك لا يمنع من تدخل هيئات أخرى مثل الولاية ووزارة الثقافة وحتى جمعيات الأحياء للتنافس على الصلاحيات والأولويات. وفي هذا الإطار، استفاد الكثير من قاطني الحي العتيق من مساعدات قيمة من طرف الدولة من أجل إعادة ترميم منازلهم، حيث يعجز معظم قاطنيه عن تسديد التكاليف المترتبة على ذلك، نظرا إلى كونهم من الفئات ذات المدخول المحدود. وتمنى زكاغ أن "نستعيد بعد عشر سنوات بعضا من جمال القصبة" المدينة الإسلامية التي يعيش فيها الناس قريبين جدا من بعضهم البعض، مؤكدا أن "القصبة لا تزال حية لكنها مريضة جدا". وتعتبر القصبة تراثا تاريخيا ومعماريا ثمين في العاصمة، وفرصة كبيرة للاستثمار السياحي، حيث يعود تاريخ إنشائها إلى القرن السادس عشر من طرف الإخوة خير الدين وبابا عروج بربروس وقصورها العثمانية وأزقتها الضيقة، تعرضت للزلازل والفيضانات والحرائق ما إثر على مبانيها ودمر البعض منها. هذه القيمة المعتبرة للقصبة اعترفت بها منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو"، حيث أدرجتها عام 1992 على لائحة التراث العالمي نظرا إلى "قيمتها الاستثنائية" و"شهادة على تناسق العديد من التوجهات في فنون العمارة في نظام معقد وفريد عرف كيف يتأقلم مع أرضية صعبة تقع في الهضبة المطلة على البحر".