صباح يوم الخميس 20 أكتوبر 2011، تداولت الفضائيات العربية والأجنبية خبر إلقاء القبض على العقيد معمر القذافي في مدينة سرت مسقط رأسه عن عمر يناهز 69 سنة ، بعد 40 سنة من الحكم المطلق للجماهيرية العظمى، وعقب أشهر قضاها في مقاومة مد ما يسمى ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظامه، بمساعدة مباشرة من قوات حلف الناتو تحت البند 17 وبتزكية من مجلس الأمن الدولي.. قُتل القذافي بطريقة لم يعرفها العالم العربي في تاريخه الحديث، ودُفن في مكان مجهول بصحراء ليبيا، وكانت هذه النهاية التي صدمت العالم العربي إيذانا بنهاية عهد الاستقرار والأمن في منطقة محاطة بلهيب من المخاطر والجماعات الإرهابية والأطماع الاستعمارية.. الذين قتلوا منذ رحيل القذافي أضعاف الذين قتلوا طيلة 40 سنة تحت حكمه. وفي الشق الأمني دائما، طفت إلى السطح الكثير من مظاهر التفكك التي ألقت بظلالها على أمن دول الجوار وفي مقدمتهم الجزائر، وإذا كان حلم الذين قادوا ما يسمى الثورة ضد النظام العنيف للقذافي هو بناء دولة العدل والحرية، فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماما، حيث أصبح من السهل اختطاف أكبر مسؤول في الحكومة الليبية على طريقة الوزير الأول، مثلما أصبح من السهل احتجاز وزير الدفاع وإرغامه على الاستقالة أو تصفية أي مسؤول يرفض الخضوع لمنطق العشائرية والمليشيات المبنية على الانتماء القبلي، حيث تعيش ليبيا حرب تصفية داخلية بعيدا عن كاميرات وعدسات المصورين وعيون المنظمات الحقوقية، لذلك لم يتوان المراقبون في التأكيد على أن عدد الذين ذهبوا ضحية حرب التصفية الداخلية منذ سقوط القذافي هم أضعاف مضاعفة للذين اتهمت المعارضة نظام العقيد بقتلهم أو اغتيالهم على مدار 40 سنة. سيطرة المليشيات وتصدير الجماعات الإرهابية.. "تيڤنتورين" نموذجا.. أمنيا دائما، انفلت عقد السياج الأمني الذي كان يحمي ليبيا من كل المخاطر ، وأصبحت المليشيات والمجموعات الإرهابية المتطرفة وهي الأكثر دموية حسب بعض الملاحظين هي المتحكم في الوضع الليبي على الحدود، خصوصا مع الجزائر، إذ ومن تلك الحدود دائما تسربت المجموعة الإرهابية التي نفّذت عملية "تيڤنتورين"، وسواء كان ذلك بعلم السلطات الليبية أو بدونه، فإن مجرد التحضير والترتيب لهذا العمل الإجرامي من ليبيا هو دليل على أن ملف الأمن ليس بيد الحكومة الليبية، وهذا واضح من حالة الفلتان التي تعرفها كل المدن الليبية، مثلما هو واضح من الإعلانات المتتالية لقيام دويلات وكيانات قبلية مستقبلة ذاتيا على طرابلس، والحقيقة أن ما حرص القذافي على حمايته طيلة 40 سنة تفكك وتحوّل إلى ماضٍ، والوضع الحالي لا يشرّف أي ثورة تحمل هذا الاسم، ولعلّ هذا أول ما حذّر منه سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الراحل عندما وجّه كلمة للشعب الليبي عقب اندلاع ما يسمى بثورة 17 فبراير، عندما حذّر من تفكك ليبيا وانقسامها إلى دويلات متناحرة، وهو ما ظهر جليا بعد سنتين من مقتل القذافي، إذ أن الجزائر على سبيل المثال من أكثر الدول التي تدفع فاتورة تأمين حدودها الشرقية مع ليبيا بسبب استحالة ضبط الأمن في الشق الليبي على الحدود.