تمر اليوم سنتان على انطلاق شرارة ثورة 17 فيفري في ليبيا، التي أدت إلى إسقاط نظام معمر القذافي، ووضعت حدا لنظام ديكتاتوري بني على الشخص الواحد، لكن ليبيا الجديدة أو دولة ليبيا كما أصبحت تسمى، تبحث عن معالمها، وتصارع من أجل الخروج من عنق الزجاجة. لحد الآن تعيش على وقع مسار سياسي متعثر ومؤسسات دولة هشة وبعضها غائب، فلا بني الجيش الليبي ولا أرسيت معالم الدولة المرجوة. ليبيا اليوم تحت رحمة المليشيات التي تفرض منطقها على الدولة، وتتواصل بها انتهاكات حقوق الإنسان خاصة بالمعتقلات، وهذا باعتراف المسؤولين الليبيين، كما أضحت مصدرا للسلاح الذي تقاتل به الجماعات الإرهابية في دول الجوار. مسار سياسي متعثر وسلاح خارج سيطرة الدولة تحتفل ليبيا، اليوم، بمرور سنتين على ثورة 17 فيفري التي أطاحت بنظام العقيد الذي عمر على مدى أربعة عقود، ليكتشف الليبيون أن تحدي بناء الدولة ما يزال في نقطة الصفر، على الرغم من تنظيم أول انتخابات حرة في تاريخ ليبيا الحديثة، إلا أن مسيرة بناء مؤسسات الدولة وصياغة دستور ليبيا الجديدة ظل رهينة الأوضاع الأمنية والفوضى السائدة. وكانت السلطات الليبية قد أكدت أن التحدي كبير بالنظر لحجم الخراب الذي تركه النظام السابق وانعدام المؤسسات القادرة على ضبط الفوضى، وبينما يرى المتابعون للشأن الليبي استحالة بعث الاقتصاد وتلبية مطالب الشعب في ظل الفوضى وغياب الأمن، تجد الحكومة الليبية الجديدة نفسها أمام مهمة غاية في الصعوبة، إذ لا يمكن الإقلاع بالاقتصاد في ظل غياب الأمن، وعليه يبقى التوافق على صياغة دستور أمرا مؤجلا، فيما تمارس أطراف سياسية الضغط باستعمال قوة السلاح المتوفر بين يدي المليشيات التابعة لها، وهكذا بدت ليبيا بعد سنتين من الثورة غير قادرة على المضي قدما. ''الثوار''.. أبطال الأمس، تهديد اليوم ويشير الخبراء إلى أن أولوية السلطات الليبية تكمن في بسط سيادتها على كامل التراب الليبي وإخراج ليبيا من دائرة ''الدول الخطيرة أمنيا''، بعدما قام الرئيس باراك أوباما بوضع ليبيا، للسنة الثانية، ضمن ''الدول التي تشكل تهديدا صريحا على الأمن القومي الأمريكي''. ولن يتحقق ذلك، حسب الخبراء، إلا باستعادة السيطرة على المليشيات وأسلحتها، والحال أن السيطرة الميدانية للجماعات المسلحة في ليبيا فاقت قدرة المؤسسات الأمنية حديثة النشأة، خاصة بعد عجز الداخلية الليبية عن استيعاب ''الثوار'' السابقين المنضوين تحت لواء المليشيات في صفوف الشرطة والجيش. فقد أكد وزير الخارجية الليبي، محمد عبد العزيز، خلال مشاركته في مؤتمر أمن ليبيا المنعقد الأسبوع المنصرم بباريس، أن ليبيا تضم اليوم حوالي 2000 مليشيا، بينما يقدر عدد المنتمين إلى صفوفها بحوالي 100 ألف شخص، ما يجعلها أقوى سلطة على أرض الواقع، بل إنها أصبحت تهدد أمن الدول المجاورة بما تملكه من عتاد عسكري، إذ باتت تقحمه في الصراعات والنزاعات الإقليمية، مثلما هو الحال في مالي. وأكدت السلطات الليبية الجديدة أنه على الرغم من انضمام العديد من هذه المليشيات للقوات النظامية، إلا أنه ميدانيا لا تخضع للسلطة، لا الجيش ولا الشرطة. والحال أن العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تستمر في التنديد بممارسة هذه المليشيات وفتح بعضها سجونا سرية لتصفية الحسابات. ولعل إقدام السلطات الليبية على تجريم إلقاء القبض على أي مشتبه فيه دون أمر من النائب العام جاء في محاولة للسيطرة على تجاوزات المسلحين. وبالموازاة مع التهديد الأمني الذي باتت تشكله المليشيات على مستقبل ليبيا، عاد الحديث عن طبيعة نظام الحكم ليلقي بظلاله على الساحة السياسية، بعدما تعالت أصوات سكان المناطق الشرقية الداعين إلى اعتماد الحكم الذاتي والتخلي عن مركزية الحكم، حتى تعود بنغازي عاصمة ليبيا الاقتصادية وتتمكن من الاستفادة من الثروات الطبيعية التي تحوزها المنطقة، وهي الدعوة التي يرى الخبراء أنه من غير الممكن الفصل فيها إلا بعد ضمان الحد الأدنى من الاستقرار وبناء المؤسسات للتوصل لصياغة دستور توافقي جديد ينظم الحياة السياسية في ليبيا الجديدة. القيادي في حزب العدالة والبناء الليبي، صلاح الشلوي، ل''الخبر'' ''المهربون استفادوا من رواج السلاح في ليبيا'' عدة كتائب فككت نفسها بعد مظاهرات بنغازي قال صالح الشلوي، القيادي في حزب العدالة والبناء الليبي، ذي توجه إسلامي، إنه من الإجحاف اعتبار تدهور الوضع الأمني في شمال مالي نتيجة لفوضى السلاح الذي أعقب الثورة الليبية، معتبرا أن أزمة شمال مالي كانت مطروحة قبل ثورة 17 فبراير، مشيرا في حوار مع ''الخبر'' إلى أنه بعد عامين من الثورة الليبية تم الاتفاق على حرمة الدم الليبي ووحدة التراب والإقليم، واحترام شرعية المؤسسات المنتخبة، وعدم استعمال السلاح. ما ذا حققت الثورة الليبية على الصعيد السياسي بعد عامين من إسقاط نظام جماهيرية القذافي؟ ما حدث في ليبيا لم يحدث في مصر ولا في تونس، لأننا قمنا باجتثاث مؤسسات النظام البائد بالكامل، ووجدت الثورة نفسها من دون مؤسسات وغابت السلطة المركزية، وعندما بدأنا في التأسيس للدولة وقع شيء من عدم التوافق، إلا أننا الآن توصلنا إلى اتفاق حول أربع مرتكزات رئيسية تتمثل في أن: الدم الليبي خط أحمر، ووحدة التراب والإقليم، والشرعية تأتي من الانتخاب، فالمؤتمر الوطني العام مهما كان يعاني من ضعف إلا أنه ينبغي البناء عليه، والحوار ثم الحوار وإدانة استخدام السلاح. بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي) هل هناك رزنامة لانتخابات رئاسية وبرلمانية بعد الاستفتاء على الدستور؟ تم توضيح كل ذلك في الإعلان الدستوري، فبمجرد إعداد الهيئة السياسية لمسودة الدستور، يتم عرضه على الشعب لإقراره، وبالموازاة مع ذلك يقوم المؤتمر الوطني العام بمراجعة قانون الانتخابات وقانون الأحزاب.. لتجرى بعدها الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولكن بعد عامين من الثورة لازالت ليبيا تعاني من فوضى السلاح وانتشار المليشيات، فكيف تعاملتم مع مشكل الانفلات الأمني؟ هذا الأمر يعتبر من بين تحديات بناء الدولة، فالبعض يظن أنه بإمكانه أن يملك سلاحا خارج مؤسسات الدولة، ولكن هذه المجموعات لا تجاهر بأنها تعمل خارج الشرعية، وهذا استغرق منا وقتا طويلا، لأن أي طرف يعلن بأنه يملك السلاح خارج مؤسسات الدولة سيجد نفسه معزولا، وهذا يعتبر مكسبا مهما للشعب الليبي، فبعد جمعة بنغازي الكثير من الكتائب فككت نفسها. هناك من يحمّل الثورة الليبية مسؤولية سقوط شمال مالي في يد الجماعات ''الجهادية'' والانفصالية، واختلال الأمن في المنطقة، فهل تتفقون مع هذا الرأي؟ مالي كانت تعاني من هذه المشاكل قبل ثورة 17 فبراير، ومن الإجحاف اعتبار أن ما حدث فيها كان نتيجة للثورة الليبية، وتعليق أزمة مالي على شماعة ثورة 17 فبراير، ولكن تجار السلاح ومروجي المخدرات استفادوا من رواج السلاح في ليبيا، فانهالوا عليها وقاموا بترويج السلاح والمخدرات في المنطقة. الجزائر: مصطفى دالع الناشط الحقوقي الليبي، عبد السلام الجنادي، ل''الخبر'' ''دعم المؤسسات الأمنية لإنهاء ''تغوّل'' المليشيات'' يتحدث الحقوقي الليبي، عبد السلام الجنادي، عن واقع حقوق الإنسان في ليبيا بعد الثورة، وتحدي بناء الدولة التي غيّبت فيها المؤسسات في عهد القذافي، كما وقف عند الانتشار الرهيب للسلاح بين أيدي جماعات ترفض الانصياع للدولة. وأكد في حوار مع ''الخبر'' أن الرهان الحالي هو استعادة الأمن والاستقرار للانطلاق في بناء الدولة الليبية الحديثة. كيف تقيمون تطورات الأوضاع في ليبيا بعد مرور سنتين على ثورة فبراير؟ ليس من السهل تقديم حصيلة شاملة عمّا تم تحقيقه خلال الفترة الماضية، الوضع السياسي قد يبدو جامدا في مقابل تدهور للوضع الأمني، غير أنه لا بد من إدراك حقيقة مهمة وهي أننا في ليبيا بصدد الانطلاق من نقطة الصفر، الوضع في ليبيا يختلف تماما عمّا هو عليه في كل من تونس ومصر اللتين ورثتا مؤسسات دولة ونخبة، ومع ذلك تشهد الدولتان ما تشهدانه من فوضى وضياع، فما بالك بالوضع في ليبيا التي لم ترث إلا الخراب وانعدام المؤسسات، ما أدخلها في دوامة حقيقية، إذ وجدنا أنفسنا مطالبين ببناء كل شيء من الأول وليس فقط إعادة بناء، بدءا بالأحزاب ووصولا إلى المناضلين وأبجديات العمل السياسي والنضالي على كل الأصعدة. وعليه أعتقد أن ما تم تحقيقه إلى الآن على الرغم من الصعوبة يُحسب لنا. تتحدثون عن الانطلاق من نقطة الصفر، قد يكون ذلك لصالح الدولة الجديدة؟ هذا لو أننا لم نجد أنفسنا في مواجهة انتشار رهيب للأسلحة بين أيدي جماعات ترفض الانصياع للدولة وتسعى لتطبيق مخططها على حساب المصلحة العامة التوافقية، لذلك الرهان الحقيقي اليوم في ليبيا هو استعادة الأمن والاستقرار، للقدرة على الانطلاق في بناء الدولة. تحدثتم عن المليشيات المتهمة باختراق حقوق الإنسان، ما جعل المنظمات الدولية تشير إلى عدم تحسن الوضع في ليبيا؟ هذا صحيح، وكل من يناضل في سبيل حقوق الإنسان ودولة القانون في ليبيا يدرك هذه الحقيقة، لكن مثلما قلت من قبل، نحن في ليبيا أمام مجموعة رهانات ومن الصعب تحديد الأولوية، ورهان حقوق الإنسان أحد أهم الملفات، ولن يكون حله إلا من خلال حل مشكلة المليشيات المسيطرة ميدانيا، لكن مع ذلك نحن نشتغل على أرض الواقع وندرك أن هناك تطورا على الرغم من التجاوزات المسجلة. اليوم بات بإمكاننا التنديد بممارسات المليشيات وتوثيقها، الأمر الذي لم يكن مسموحا به من قبل، هناك هيئات عمومية معنية بتسجيل التجاوزات في حق المواطنين، كما أن الجمعيات المحلية والدولية قادرة على العمل الميداني، المطلوب في المرحلة القادمة تدعيم مؤسسات الدولة للسيطرة على هذه الجماعات وإخضاعها لسلطة القانون، وهذه هي المعركة الحقيقية لإنهاء ''تغوّل'' المليشيات. وماذا عن تصفية الحسابات في غياب محاكمات عادلة، ألا تعتقدون أنها تسيء لدعوة السلطات الليبية لمحاكمة رموز النظام السابق في ليبيا؟ مثلما أوضحت سابقا، ليبيا في مخاض ولادة عسير، والعدالة أحد القطاعات التي على السلطات إرساؤها، لأن الأمر يتعلق بمسألة سيادية، وأعتقد أن ليبيا على الرغم مما تعانيه من مشكلات إلا أنها تتوفر على إطارات مؤهلة لتأدية واجبها نحو الوطن، شرط توفر الجو العام الملائم والاستقرار الأمني والسياسي. الجزائر: سامية بلقاضي كرونولوجيا الأحداث ما بعد الثورة أكتوبر 2011 مقتل القذافي ماي 2012 أول الاشتباكات بين عناصر من المليشيات وعناصر من الجيش الحديث بطرابلس جوان ,2012 مقتل 105 أشخاص على الأقل في صدامات قبلية في جنوب غرب طرابلس جويلية 2012 أول انتخابات حرة في ليبيا ''المجلس التأسيسي'' أوت ,2012 المؤتمر الوطني العام يسلم السلطات للمجلس التأسيسي، محمد المقريف المعارض السابق ينتخب رئيسا للمؤتمر الوطني العام. سبتمبر 2012 مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في بنغازي. ديسمبر 2012 البرلمان الليبي يقرر إغلاق الحدود البرية مع دول تشاد والنيجر والسودان والجزائر. جانفي 2013 تقرير ''هيومن رايتس ووتش'' يدين استمرار انتهاك حقوق الإنسان في ليبيا. جانفي 2012 محاولة اغتيال القنصل الإيطالي في بنغازي.