أدت "فتنة" غرداية، إلى إصدار تعليمات غاية في الوضوح تتعلق بالتعامل مع القضايا ذات الطابع العروشي والقبلي، وفي هذا السياق، تلقت مصالح الإدارة المحلية في ولايات الوطن تعليمات تطلب من الولاة والمدراء عدم الغوص في حلول "منحازة" أو الفصل الفوري في القضايا ذات الحساسية العروشية. وجاءت هذه التعليمات في أعقاب الأحداث التي عاشتها عدة ولايات من الوطن، مثل غردايةوالجلفة وتلمسان وسوق أهراس وخنشلة.. وهي من الولايات التي عاشت صراعا قبليا أو مذهبيا كاد أن يفجّر بقايا السلم الاجتماعي، فيما كلف الخزينة العمومية متاعب مالية وخسائر فادحة، كما أنهك قوات الأمن بمختلف أسلاكها، وهي القوات التي تعاملت بحذر مع الكثير من الأحداث، وألحت التعليمات الصادرة عن الحكومة على ضرورة إخطار السلطات العليا بشكل عاجل للتحرك في الوقت المناسب، حيث يستشف من بعض الأحداث، أن السلطات المحلية لم تقم بالإجراءات الصحيحة لمحاصرة امتدادات الفتن والمواجهات التي تطورت إلى انزلاقات صعُب بعد ذلك على الحكومة تطويقها. وعرفت عدة ولايات مواجهات بين فريقين من المواطنين ظل العامل العروشي والقبلي القاسم المشترك فيها، وأشار مصدر حسن الاطلاع ل«البلاد" إلى أن الولاة مطالبين بضرورة الحذر في التعامل مع القضايا التي يشتم منها رائحة الخلفيات العروشية، كما شرعت الإدارة المحلية ودواوين عدد من الولاة الذين عرفت مناطقهم أحداثا مماثلة في تحيين قائمة الأعيان التي تعتمدها الإدارة المحلية في التعامل مع المجتمع المدني، وأفادت مصادرنا أن أحداث غرداية وقبلها احتجاجات البطالين وسكان الجنوب أعطت انطباعا بأن الإدارة تتعامل مع أسماء لا وجود لثقلها في الشارع، وأن من تسميهم الأعيان وتتعامل معهم في مختلف المناسبات على أنهم يمثلون أطياف المجتمع، هم في الحقيقة أشخاص لا علاقة لهم بالشارع وبالمواطن البسيط، حيث عجزوا عن التحكم في كافة الأحداث التي عرفتها ولاياتهم، كما هو الشأن في عدة ولايات من الجنوب الجزائري ومن الشرق. وأعدت الولايات المعنية بهذه الأحداث تقارير مفصلة تشير إلى أن الخلافات لازالت قائمة فيها، ويتعلق الأمر بولايات الجلفة وخنشلة وتلمسان على وجه الخصوص، حيث أصبحت النزعة القبلية تتحكم في الحراك الدائر هنالك، ناهيك عن أحداث غرداية وباقي ولايات الجنوب التي تتشكل في الغالب من تراكمات لم تعمد السلطات العليا إلى حلها بالشكل المطلوب. ونشير إلى أن تلك الخلافات غالبا ما تُحلّ بشكل مؤقت لا يتجه صوب المشاكل الحقيقية أو الأسباب ذات الصلة المباشرة بالخلافات التي تتجدد بشكل دائم، دون أن تفلح السلطات في وضع نهاية لها، الأمر الذي زاد من تعقيدات هذه النزاعات التي تورط فيها العديد من ممثلي الدولة، مما يؤدي إلى تأجيجها واتساع نطاق خطورتها.