أثارت قضية الأئمة الذين رفضوا الوقوف للنشيد الوطني ملفا غاية في الخطورة كون هؤلاء يستلهمون أفكارهم من المرجعية الدينية للسلفية العلمية في الجزائر التي تحولت إلى مرجع ديني أساسي يتجاوز المرجعية الدينية الرسمية التي تمثلها وزارة الشؤون الدينية من ناحية والمجلس الإسلامي الأعلى باعتباره الهيئة الاستشارية الدينية الأولى في الجزائر من ناحية ثانية· في المقابل فإن المرجع الديني للسلفية العلمية له أتباعه ومريدوه الذين يأتمرون بأمره ولا يعترفون بغيره مرجعا دينيا وجد في البيئة السياسية والأمنية السائدة على خلفية محاربة الإرهاب وتحديدا السلفية الجهادية ودعاتها الذين يعرفون بالتشدد والتطرف والعنف وسيلة لتحقيق نظرتهم الدينية· هذا المرجع الديني، ونقصد به السلفية العلمية، وجد في تلك المعطيات الأرضية الخصبة لتكريس عالمه وواقعه· ويرى العديد من الملاحظين أن قضية الأئمة الخمسة الذين رفضوا الوقوف للنشيد الوطني هي تحصيل حاصل، كون السياسة التي انتهجتها وزارة الشؤون الدينية نفسها في التعامل مع هؤلاء كرست الواقع الذي نجني محصلته اليوم، لدرجة أن التيار المعتدل وجد نفسه معزولا عن الفعل الديني بل ومتهما في الكثير من الأحيان بالتسييس لدرجة أنه خرج مرغما من الوسط الديني ومن دائرة المساجد تاركا الفراغ للسلفية العلمية التي تمكنت في ظرف قياسي من تجنيد الآلاف من العائلات والشباب ونجح رموزها في استغلال فقر الشباب وحاجته لمن يأخذ بيده من أجل تكوين مجتمع موازٍ للمجتمع المدني وللدولة ومؤسساتها، وهو ما نراه في الشارع وفي المجتمع بصفة عامة حيث انقسم إلى فئتين لا يتردد رموز السلفية العلمية في جعل من لا يتجند بفكرهم من الجاهلية الأولى· كما أن نجاح السلفية العلمية في توجه الكتاب ببلادنا ونقصد الكتاب الديني توجيها ذكيا لخدمة الهداف المسطرة زاد من تكريس هذه الفئة كمرجعية دينية في المجتمع مقابل التراخي الرسمي وانهماك وزارة الشؤون الدينية في فقه الدروشة الذي لا يصمد كثيرا أمام زحف السلفية العلمية على عقول الشباب، ويكفي أن وزارة الشؤون الدينية رفعت يدها عن مراقبة الكتاب الديني وتحولت تجارته إلى لوبي ابتلع كل المراجع الأخرى بما في ذلك المرجعيات الرسمية· كما أن غياب مفتٍ للجمهورية أو إطار رسمي أكثر حيوية في مجال الفتوى الدينية زاد من سيطرة السلفية العلمية التي وجدت في حاجة السلطة لمحاربة الفكر الجهادي المتطرف متنفسا لها، في حين أن المعادلة أفرزت نتائج أكثر خطورة من الأولى·وإذا كان هدف السلطة من وراء فسح المجال أمام نشاط السلفية العلمية في بلادنا احتواء الفكر المتطرف والسلفية الجهادية التي لايزال خطرها قائما، فإن الاعتماد على مواجهة الخصم بالخصم خطأ أكثر خطورة ليبقى العجز مسجلا بالدرجة الأولى بوزارة الشؤون الدينية التي تتحمل مسؤولية الفراغ الحاصل في شتى المجالات المرتبطة بالنشاط الديني خاصة أن عجزها عن مراقبة والتحكم في المساجد دفعها إلى اعتماد قرارات خاطئة تسهل عملية استقطاب الشباب المتدين نحو الجماعات السلفية العلمية منها والجهادية، فهل انتهت اليوم حقبة التحالف المعتمد على تبادل المصالح بين السلفية العلمية والسلطة بحادثة النشيد الوطني؟