تقرير الخارجية الأمريكية بعيد كل البعد عن واقع الحال كان تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي حول تهريب البشر لعام 2014، حافلا بالاتهامات ضد الجزائر بخصوص معاملة المهاجرين الأفارقة على ترابها وخاصة اللاجئين بسبب الحرب في مالي، حيث وصف حالة هؤلاء بالمأساوية، تحت "العديد من المآسي بسبب سوء المعاملة والاستغلال بمختلف أنواعه، وسط صمت السلطات التي لم تحرك ساكنا لوضع إجرءات للحد من هذه الأزمة". وقال التقرير السنوي الصادر أول أمس الجمعة، إن المهاجرين الأفارقة بالجزائر يتعرضون لممارسات تدخل ضمن تهريب واستغلال البشر، الذين يقصدونها بصفتها منطقة عبور نحو القارة الأوربية في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، لكن في فترة انتظارهم لفرص الهجرة نحو أوروبا، يتعرضون لانتهاكات منها الاستعباد في منازل الجزائريين، الذين يوظفونهم كخدم، إضافة إلى الانتهاكات الجنسية وتشغيل النساء في شبكات الدعارة. وخص التقرير بالذكر مدينة تمنراست في الجنوب، بكونها أكثر المناطق التي تشهد انتهاكات ضد اللاجئين الأفارقة، لاسيما الذين لا يحملون وثائق تثبت هويتهم، حيث يتم استغلالهم في مجال الدعارة ولم يستثن الأطفال من الانخراط في هذه النشاطات غير الشرعية. وانتقدت الخارجية الأمريكية "عدم اتخاذ السلطات الجزائرية لإجراءات ضد الممارسات السيئة في حق المهاجرين الأفارقة"، وكذلك ضعف المنظومة القانونية التي تعالج هذا النوع من القضايا، خصوصا في تحديد الضحايا، والبدء في إجراءات تتبع المتورطين في ممارسة انتهاكات ضدهم. وتثير اللهجة الحادة في التقرير الرسمي الأمريكي ضد الجزائر بخصوص التعامل مع المهاجرين الأفارقة، الذين يقصدونها لجوء من حروب مدمرة في منطقة الساحل والصحراء، أو هربا من الفقر، أو كمنطقة عبور نحو القارة الأوروبية بحثا عن حياة أفضل، التي تغتنمها شبكات التهريب في الدول المجاورة للجزائر في مساعدة هؤلاء الهاربين من بلدانهم للوصول إلى الجزائر، التي وجدت نفسها مرغمة على التعامل مع أزمات خارجية، وتتحمل نتائج الوضع الناجم عنها وما يحمله من تبعات إنسانية وأمنية. في حين أن الوضع في الدول الإفريقية التي يتهاطل مهاجروها على الجزائر، يتسبب فيه إلى حد كبير التدخلات الخارجية من طرف فرنسا والولايات المتحدة على وجه الخصوص التي تستثمر في النزاعات الداخلية التي تعيشها دول القارة، دون أن تدفع الفاتورة الإنسانية للوضع المتأزم. وفي هذا التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية يبدو أن واشنطن التي نصبت نفسها ناطقا باسم المهاجرين الأفارقة، تناست الإجراءات التي تطبقها هي نفسها في حق المهاجرين غير الشرعيين العابرين للحدود التي تفصلها عن المكسيك، في مواجهة الآلاف من الفقراء القادمين من دول أمريكا اللاتينية الحالمين بحياة أفضل، ولا تتوان عن ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بمجرد أن تقبض عليهم. ولكن المتتبع للتقارير التي تصدرها الجهات الرسمية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص لا يتفاجأ من المعايير السياسية التي تحكمها، حيث تصبح الحقيقة في مراتب جد متدنية أمام المضامين والرسائل السياسية التي تتضمنها تقييمات واشنطن، التي لم تختلف عن طريقة تغطيات وسائل الإعلام الغربية لهذه القضية منذ شهور.