تشهد معظم ولايات الوطن وبالخصوص العاصمة، أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين ومن بلدان إفريقية مختلفة، بعدما ضاقت بهم الظروف في بلدانهم، عائلات فرت من بلادها لتجد نفسها على أرصفة الشوارع، فيما تقيم أخرى في مخيمات اللاجئين، ومع تزامن شهر رمضان الكريم قررت "البلاد" رصد يوميات هؤلاء اللاجئين. سوريات يتسولن ببيع المناديل الورقية تنقلنا في بعض شوارع العاصمة، مثل ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي والعربي بن مهيدي، وبعض الأسواق والمراكز التجارية التي لم تسلم من تسولاتهم كأسواق الكاليتوس، بومعطي، والمركز التجاري طيبة بباش جراح، فأكد بعض المواطنين أنهم شاهدوا أعدادا كبيرة من السوريين وهم يتسولون بمساجد العاصمة خاصة بعد صلاة التراويح. صادفنا واحدة من اللاجئات السوريات وهي شابة في العشرينات من العمر بصدد بيع مناديل ورقية على الأرض، اقتربنا منها بحجة شراء المناديل واغتنمنا الفرصة لفتح باب الحديث معها، فأخبرتنا بأنها هاربة من جحيم الحرب وقد أتت إلى الجزائر قبل حوالي ثمانية أشهر، فمن سياق حديثها فهمنا أنها تقضي شهر رمضان في شوارع العاصمة بلا مأوى، مستحسنة في الوقت ذاته تضامن بعض المواطنين الجزائريين الذين يوفرون لها المأكل والمشرب ويقدمون لها بعض الملابس والأفرشة. وبخصوص عدم تواجدها بالمخيمات التي وفرتها لهم الدولة الجزائرية، رفضت أن تكشف عن السبب. البعض اختاروا التسول كمهنة، حيث شاهدنا صورا رهيبة لنساء وأطفالهن بالشوارع طيلة النهار مبعثرين أشياءهم وأحزمتهم ينامون في الطريق، ومع الغروب يحملون أمتعتهم ويتجهون إلى مطاعم الرحمة للإفطار، وبعدها مباشرة يتوجهون إلى أماكن مختلفة تكون أغلبها الحمامات، تحت الجسور أو أقبية العمارات للنوم، في حين يفضل البعض الآخر العودة إلى المخيمات بعد يوم شاق استنزفوا فيه جيوب الجزائريين. أفارقة بالمصاحف و"السبحات" لاستمالة قلوب الجزائريين عرف الرعايا الأفارقة المتواجدون بالجزائر والقادمون من مالي والنيجر وبعض البلدان الأخرى، كيف يستميلون قلوب الجزائريين كونهم معروفين بضعفهم أمام ثوابت الدين الإسلامي الحنيف، فتفطنوا إلى حيلة إمساك المصحف في أيديهم والسبحة، ذاكرين الله بصوت مرتفع بغية إيصال صرخة استغاثة وتحريك مشاعر الجزائريين. ويختار المتسولون الأفارقة المكان الذي يتواجدون فيه، فتجدهم يتمركزون مجموعات أمام المساجد وبالقرب من الأسواق، وتعج بهم معظم شوارع الجزائر العميقة على غرار ديدوش مراد، العربي بن مهيدي، الدويرة، والحراش، كما يعتبر بعضهم المكان ملكيته الخاصة فيطرد كل متسول آخر يقترب من جهته. رغم انتشار الأفارقة عبر التراب الوطني، إلا أن المنطقة التي تجمعهم أكثر هي منطقة بوفاريك بالبليدة. وحسب بعض الشهادات فإن العديد منهم اتخذ من الساحة المحاذية لسوق الجملة ببوفاريك مأوى لهم في العراء بحيث يمتهنون التسول وينتشرون عبر المحطات والساحات العمومية للمبيت ليلا، فاحتلوا شوارع المدينة وافترشوا أراضيها في العراء، كما يقومون باستبدال العملة الوطنية بالعملة الصعبة. شجارات يومية بين المتسولين ورغم الظروف المزرية التي يعيشها هؤلاء اللاجئون الأفارقة، إلا أنها لم تغنهم عن الشجارات اليومية بينهم وبين المتسولين السوريين وحتى الجزائريين، والتي تكون غالبا حول أماكن التسول وجمع الصدقة، بحيث ظهر هناك نوع من التنافس بينهم. وحسب شهادة أحد العمال بمخيمات اللاجئين فإنه يرى في العديد من المرات متسولين جزائريين يحملون سلاحا أبيض ضد المتسولين الأفارقة والسوريين من أجل سحب النقود التي بحوزتهم، وقد صنع هؤلاء الحدث في وسائل النقل وبالشوارع والأرصفة والمحطات، بحيث بات حضورهم قويا على في كافة الأماكن التي احتلوها. أما في المساء فيتردد البعض منهم على مطاعم الرحمة التي توفر خلال الشهر الكريم وجبات لعابري السبيل والعائلات الفقيرة ولرعايا الأجانب، أما البعض الآخر فيرجع إلى المخيمات المخصصة لهم، وهناك من يفضل المبيت بالحمامات والشوارع. أفارقة وسوريون يتناولون "الشربة" بمطاعم الرحمة انتقلنا بعدها إلى بعض مطاعم الرحمة بالعاصمة لمعرفة عدد اللاجئين الذين يتوافدون عليها، فاستقبلنا صاحب مطاعم وهو عبارة عن قاعة حفلات حولها في شهر رمضان إلى مطعم الرحمة، وأخبرنا أن مطعمه يستقطب هؤلاء اللاجئين السوريين والأفارقة، ولكن بأعداد معقولة لأن المطعم يكتظ بالعائلات الجزائرية المعوزة والمختلين عقليا، ما يجعلهم يضيفون في الكثير من الأحيان عدد الطاولات بالساحة الخارجية. ومع سؤالنا حول الوجبات المقدمة، سألنا أحد الطباخين إذا ما كانوا يحضرون أطباق خاصة بهؤلاء السوريين والأفارقة فأجابنا "لم نحضر لهم أي وجبة خاصة، ولكنهم يأكلون معنا الشوربة والأكلات الجزائرية". بينما يعتبر مطعم الرحمة بالكاليتوس قبلة هؤلاء اللاجئين السوريين والأفارقة، حيث تتردد عليه العديد من العائلات اللاجئة التي تحظى بوجبات إفطار كاملة، تتصدرها الأطباق التقليدية الجزائرية، بالإضافة إلى الفواكه والحلويات كالزلابية وقلب اللوز. لماذا يعزف اللاجئون عن مخيمات الإيواء؟ وعن سبب رفض اللاجئين البقاء في المخيم التابع للهلال الأحمر الجزائري بسيدي فرج، أخبرتنا إحدى اللاجئات بأن الظروف غير ملائمة، فالمراحيض جماعية، والشاليهات لا تتوفر إلا على أسرة. زوجها أخبرنا بأنه لا يمكنه مرافقة ابنتيه في كل مرة لقضاء حاجتهما خوفا من أن يتهجم عليهما كلب متشرد، قائلا "أنا في الجزائر منذ عدة أشهر ولقد بتنا في العراء في بورسعيد، بسبب عدم توفر البديل، كما ترفض الكثير من العائلات البقاء في المخيمات لأنها تريد المكوث في الفنادق وبحكم المال الذي بحوزتهم لا يمكنهم الإقامة طويلا هناك، وبالتالي يلجأون للتسول من أجل تغطية تكلفة الفندق. قال عامل بمخيمات هؤلاء اللاجئين بسيدي فرج إن السلطات الجزائرية وفرت لهم جميع الظروف المعيشية من مأوى وإطعام وكل المتطلبات، مشيرا إلى أن الكثير منهم يرفضون البقاء هناك ويلجأون إلى العاصمة للتسول، لأنهم رأوا فيها مهنة مربحة، ويقومون في المساء باستبدال النقود الوطنية التي حصلوا عليها في اليوم بالعملة الصعبة "دوفيز"، والعودة في المساء إلى المخيمات، مضيفا أن هناك من يفضلون تجنب عناء التنقل يوميا إلى المخيم مساء، بالمبيت في حمامات العاصمة ودور الرحمة، مستغربا رفض هؤلاء التنقل إلى المخيمات التي تضمن لهم كل ما يحتاجون إليه خاصة الأمن، مفضلين البقاء في الشوارع حيث يتعرضون لمضايقات من قبل بعض المتسولين الجزائريين. كما انتشرت أيضا ظاهرة غريبة في أوساط المتسولات الجزائريات اللواتي يقمن بانتحال صفة سوريات، كما هو حال بعض الصحراويين الذين ينتحلون صفة اللاجئين الأفارقة من أجل استعطاف الجزائريين الذين يفضلون في الكثير من الأحيان التصدق على المتسولين الأجانب، كما هو حال شابة وجدناها في أحد شوارع العاصمة، اقتربنا منها للتحدث معها فتبين من خلال حديثها أنها جزائرية تنتحل صفة سورية، نظرا لتلعثمها في الكلام وعدم قدرتها على التكلم باللهجة السورية بسلاسة، وهذا ما أكده لنا بائع الأحذية الذي كانت تتسول أمامه والذي قال إنها جزائرية، مشيرا إلى أن العديد من المتسولات الجزائريات يقمن بانتحال صفة سوريات.