طالب سكان بلدية حربيل الواقعة شمال ولاية سطيف بالتفاتة جادة تخرجهم من سراديب العزلة والتهميش ولا مبالاة المسؤولين لتنسج يوميات مريرة وقاسية للسكان الذين ينتظرون اليوم الذي تشرق فيه الشمس ويتحقق حلم العيش الكريم في الجانب التنموي والاجتماعي. وأكد العديد من سكانها أن العشرية السوداء انعكست سلبا على المنطقة حيث شردت عائلات وأفرغت القرى من سكانها، وكانت أسوأ أيام عاشها السكان باعتبار المنطقة إحدى أكبر المعاقل التي عششت فيها الجماعات الإرهابية، لكن مع عودة الأمن والسلم بدأ السكان يعودون إلى هذه المنطقة التي هجروها مكرهين، وكلهم أمل في أن تنال حربيل نصيبها من التنمية على غرار المناطق المجاروة، لكن السكان اصطدموا بواقع مر بعد أن تم تهميش هذه المنطقة، والاستيلاء على حقها من مشاريع التنمية التي تعتبر من أولويات الحياة الكريمة، لاسيما في ظل تقاعس المجالس البلدية المتعاقبة التي ظلت محل تذمر كبير من طرف أبناء المنطقة، في انتظار ان تشرق فيه الشمس ويتحقق حلم العيش الكريم في الجانب التنموي والاجتماعي، فالعزلة تطارد العشرات من القرى بسبب اهتراء المسالك التي لا تصلح الا للحيوانات، غرار كل من قرية، أولاد سيدي أحمد، لعزيب كرجانة وغيرها من تلك التي تعيش سكانها خارج مجال التغطية، وحتى التكنولوجية لم تصل بعد إلى هناك فلا أثر للإنترنت ولا الهاتف، من المشاكل الكبيرة التي أثقل كاهل السكان خاصة فئة الشباب منهم، هي غياب المرافق الرياضية والشبانية، حيث توقف مشروع ملعب بلدي خصصت له الدولة حسب مصادرنا ما يزيد على 4 ملايير لأسباب تبقى مجهولة، حيث أسندت مهمة الدراسة لأحد مكاتب الدراسات، وسرعان ما تم تحوليه إلى مكتب آخر دون أن يرى المشروع النور لحد كتابة هذه الأسطر، في حين لا يلبي دار الشباب المتواجد بمركز البلدية رغبات شباب القرى المتناثرة والبعيد عنه بعشرات الكيلومترات. إلى جانب هاجس البطالة الذي جعل شباب المنطقة يعيشون كالطيور المهاجرة لا مستقر لهم بحثا عن لقمة العيش. الغاز المطلب الرئيسي للسكان ويبقى المطلب الرئيسي الذي يلح السكان على تحقيقه هو ربط منازلهم بالغاز الطبيعي الذي من شأنه أن يقلل من معاناتهم من قساوة الطبيعة والبرودة الشديدة التي تعرفها المنطقة في فصل الشتاء. وكشفوا أنهم إلى يومنا هذا لا تزال معاناتهم مستمرة في رحلة بحث عن الحطب لتوفير التدفئة. ولم يخف الكثير منهم أنهم يقومون بالاحتطاب من الغابات المجاروة واستنزاف ثروة الفلين رغم أهميتها، في حين يضطر البعض إلى شراء الحطب بأثمان باهظة قبل بداية تساقط الثلوج، لتخزينها واستغلالها في وقت الحاجة. وكشف السكان أن نقص غاز البوتان يطرح نفسه بقوة في فصل الشتاء في المنطقة، وينعدم كليا خلال تساقط الثلوج نتيجة العزلة المفروضة واستحالة وصول شاحنات التموين بقارورات غاز البوتان. وفي هذا الصدد، صرح البعض بأن الوضعية جعلتهم يستثمرون في قارورات غاز البوتان، وبمجرد الإحساس بالبرد واقتراب تساقط الثلوج يتم تخزينها لمواجهة البرد واستخدامها في الطهي، حيث وجدنا عائلات في مركز البلدية تتوفر على أكثر من 10 قارورات غاز البوتان، وهذا كله من أجل مقاومة غضب الطبيعة عند الحاجة. من جهتهم أعضاء في المجلس البلدي أكدوا أن المنطقة استفادت من مشاريع الغاز وهي قيد الدراسة وسترى النور في القريب العاجل. المرض ممنوع في الأوقات العصيبة والأزواج يخططون لفترة الحمل والولادة! أمنية غريبة وجدناها في قلب كل مواطن ببلدية حربيل خصوصا لدى أرباب العائلات، وهو الدعاء لعدم إصابة أي فرد من العائلة بمرض استعجالي خلال الفترات العصيبة لا سيما خلال التساقط في الشتاء أو في الفترات الليلية، والسبب الرئيسي في ذلك هو صعوبة نقل المريض في الوقت اللازم إلى المستشفى، حيث تبعد أقرب مؤسسة استشفائية اليهم بأزيد من 40 كلم، في ظل غياب وسائل النقل واهتراء الطرقات. وفي هذا الصدد، أكد مواطن من قرية أولاد سيدي احمد أنهم ينقلون المرضى مشيا على الأقدام لمسافة تفوق 10 كلم وبعدها يتم نقلهم في مركبة. وقد اعترف البعض ممن التقيناهم أن طبيعة المنطقة المحافظة تجعل بعض العائلات تتماطل في نقل المرضى خلال تساقط الثلوج، ما يؤدي إلى مضاعفات صحية وأحيانا أخرى إلى الوفاة. وأغرب من ذلك، اعترف السكان بأن معظم الأزواج يخططون مسبقا لفترة الحمل، حيث يقومون بعملية حسابية لمنع حدوث الولادة في فترة الشتاء، تجنبا لتعرّض صحة الأم والصبي للخطر، وكذا لغياب الإمكانيات في المنطقة، وتخوفا من حدوث الولادة في فترة تساقط الثلوج وقطع الطريق واستحالة نقل الأم إلى مصلحة الولادة. وللأطفال معاناة كبيرة مع جلب المياه والاحتطاب الأمر سيّان بالنسبة للبراءة التي لم تذق طعم الراحة في العطل، حيث تنتظرهم جهود جبارة ومعاناة كبيرة فور خروجهم من المؤسسات التربوية، ومهمة جلب المياه والاحتطاب العام المشترك بينهم. فقد أكد لنا بعض الأطفال الذين التقيناهم بقرية لعزيب وهم يحملون حزما من الحطب أنهم ألفوا هذا العمل التي أصبحت واجبا بالنسبة لهم تحسبا لمجابهة البرودة في فصل الشتاء، بالإضافة إلى نقل براميل من المياه على متن ظهور الأحمرة بعد جلبها من الينابيع الطبيعية المتواجدة على ضفاف الوديان، ولعل الأمر الذي أثر كثيرا في صحة أطفال معظم القرى هو رائحة مياه الصرف الصحي التي تحملها الرياح نحو السكان وكأنها هواؤهم الذي يتنفسونه، حيث سجلت العديد من التسممات طالت الأطفال ناهيك عن أمراض الحساسية والربو وغيرها الناتجة عن الوضع البيئي المتدني بالمنطقة.