ضحايا الأخطاء بين مصارعة المرض و"الجري" للحصول على التعويضات باتت الأخطاء الطبية ظاهرة منتشرة بمختلف مستشفيات الوطن في السنوات الأخيرة، وأضحت شبحا يطارد المرضى سواء بالمستشفيات العمومية أز الخاصة، فالمريض يسلم نفسه بكل ثقة وطمأنينة لأيادي الأطباء والجراحين، وبين لحظة وأخرى يجد نفسه ضحية لما يقال عنها الأخطاء الطبية. وفي هذا الشأن تقربت "البلاد" من بعض ضحايا الأخطاء الطبية من مختلف ولايات الوطن ووقفت على معاناة هؤلاء الذين أملهم الوحيد تكفل الدولة بهم وتوفير العلاج لهم. وفاة المجاهدة "هنية عبد الرحمن" في ظروف مشبوهة... حادثة وفاة المجاهدة هنية عبد الرحمان البالغة من العمر 90 سنة العام الماضي بمصلحة الإنعاش بالمؤسسة الاستشفائية "عالية صالح" بتبسة في ظروف مشبوهة لا تزال محل تحقيق لدى ابنها، بعد التقصير والإهمال نتيجة غياب المناوبة الطبية والمتابعة لمدة أربعة أيام كاملة، فالضحية لم تلق أي تكفل ولا متابعة طبية لاسيما المتابعة المخصصة بين 15 سبتمبر و18 سبتمبر 2013 (يومي عيد الأضحى) ولم يتم الأخذ بالرأي الطبي الاستشاري لمرض القلب لعدم وجود طبيب مختص، وهذا حسب التقرير الطبي الناتج عن إدارة الصحة والسكان خبرة التفتيش لولاية تبسة والذي تملك "البلاد" نسخة منه. قام والي الولاية بدعوة كل من مدير المؤسسة الاستشفائية بإرسال طلب سري بفتح تحقيق من طرف وكيل الجمهورية لدى محكمة تبسة، بخصوص وفاة المجاهدة السالفة الذكر بتاريخ 15 جانفي 2014 والذي تملك "البلاد" نسخة منه، ولكن نتائج التحقيق لم تظهر إلى غاية اليوم. الطفل سعيد يحقن بالفاليوم عوض الأنسولين.. لم يكن دخول الطفل سعيد أحمد إلى مستشفى بارني سنة 2003 لأخذ مادة "الأنسولين" بعد ارتفاع نسبة السكر إلى 1.59 غ كخروجه منه ليضاف اسمه إلى قائمة الضحايا الطبية، بعد تعرضه لأزمة في التنفس والتي استلزمت دخوله إلى مصلحة الإنعاش ونظرا للإهمال وغياب الرقابة تم حقنه بمادة "الفاليوم" حيث كانت بداية مأساته رفقة عائلته. الطفل أحمد أصبح اليوم شابا يبلغ من العمر 19 سنة ولكنه لا يتمتع بصحته كباقي الشباب، فمنذ تلك الحقنة التي أخذها وحالته الصحية في تدهور مستمر، ورغم كل محاولات والديه لعلاجه في مستشفيات أخرى إلا أنه ولا مستشفى قبل التكفل به حسب شهادة والديه. تركب له بطارية قلب صالحة لخمس سنوات عوض عشر سنوات.. الطفل "محمد" البالغ من العمر 6 سنوات يعاني من ثقب في القلب منذ ولادته، الذي يقطن بولاية وهران أتت به أمه إلى العاصمة وبالتحديد إلى مؤسسة استشفائية خاصة بالمرادية "ديار السعادة" ليجري عملية جراحية في 7 جويلية 2009 حيث كان يبلغ من العمر ثمانية أشهر، مكث بالمؤسسة مدة أسبوع وهو في الإنعاش حيث تم منع أمه من رؤيته لمدة أربعة أيام، وبعد 12 يوما بدأ الوضع يتأزم ولما عاودت الاتصال بالبروفيسور الذي قام بإجراء العملية له، قال إنه يتوجب وضع له بطارية وبالفعل تم تركيبها بتاريخ 18 جويلية 2009 من طرف طبيب خاص، وعادت حالته لتتأزم من جديد بعد حوالي ثلاث سنوات، حيث رفض استقباله في مستشفى وهران، وبالتالي تم إدخاله مستشفى بو اسماعيل في 25 سبتمبر 2012 ليتم تركيب بطارية أخرى صالحة لمدة عشر سنوات، لتكتشف الأم بعدها أنها صالحة فقط لخمس سنوات، وأنه يتوجب وضع بطارية أخرى. بسبب إهمال في إرجاع عرق إلى مكانه تستأصل ذراعه.. جمال بناء من ولاية بشار تعرض لحادث عمل بإحدى العمارات سنة 2009، حيث سقط من الطابق الثاني، فأصيب بكسر في المعصم، وقد تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، أين وضعت له أربعة غرز، وبعد ثلاثة أيام بدأ الجرح يتعفن وتبين أنه لم يتلق العلاج اللازم فانتفخت ذراعه مما استدعى قطعها، ليجد نفسه بلا ذراع بسبب خطأ بسيط لو تمت معالجته كما ينبغي لما فقد يده لتتحول حياته إلى جحيم بعدما فقد عمله. لم يتقبل جمال الوضع فقام برفع دعوة قضائية منذ سنة 2010 وهو يتردد على المحكمة دون أن يلقى أي حل لغاية كتابة هذه الأسطر. خطأ في التشخيص يحرم امرأتين ثدييهما... سيدة من ولاية تبسة تعرضت لاستئصال ثديها السليم، بسبب خطأ في التشخيص، بعدما قامت بهذا الأخير وتبين أنها تملك ورما على مستوى الثدي ولا بد من إزالته سريعا، فقامت بعملية استئصال الورم في جانفي 2011 وبعد أربع حصص من العلاج بالأشعة، لم تستجب للعلاج وقالوا لها يتوجب عليها المعاينة من جديد، وقامت به فعلا بمستشفى عنابة، وتبين من خلال المعاينة الأخيرة أنه لا بد من استئصال الثدي فأجرت العملية في 4 جويلية 2011 كما كان مبرمجا من قبل إحدى العيادات الخاصة "حمزة" ، وبعد مرور أسبوع فوجئت بمكالمة هاتفية من قبل المخبر الذي يتم فيه معاينة الأعضاء السرطانية، لتسأل عمن قام بتشخيص حالتها وعن العملية وأسئلة أخرى، وأخبروها بأن ثديها سليم ولا داعي لاستئصاله أصلا، وقاموا بإرجاع مبلغ العملية الذي بلغ 2 مليون و6000 دج، وقد تلقت شهادة طبية من قبل وكيل الجمهورية بأنها سليمة وليست مصابة بأي ورم، مما أدى إلى تعرضها لأزمة نفسية مما استدعى معالجتها نفسيا وتعويضها معنويا قبل تعويضها ماديا. أما حال سيدة أخرى فقد كانت ضحية نفس الخطأ في التشخيص، ولكن حالتها تختلف لكونها كانت حقيقة مصابة بسرطان الثدي إلا أن نتائج التشخيص الطبي الذي أجرته عند طبيبة مختصة بالدويرة سليمة ولا داعي لأي قلق، ولكنها ظلت تحس بأعراض غير عادية، فلجأت إلى إحدى الطبيبات وهي من الأقارب فنصحتها بإعادة الفحص من جديد، فقامت بإعادة المعاينة لتتفاجأ بالنتيجة التي بينت أنها مصابة فعلا بورم ولا بد من استئصال الثدي في أقرب وقت ممكن لأنه قد انتشر بكامل خلايا الثدي، وبالتالي قامت بإجراء العملية في أفريل 2014، ولولا الخطأ في التشخيص الأول لما فقدت ثديها ولأمكن معالجة الورم في بدايته. طبيبة مختصة تجري عملية على العين السليمة بدل المصابة.. السيد "شايلي" الذي يقطن بجسر قسنطينة، هو الآخر كان ضحية لامبالاة وإهمال من قبل طبيبة مختصة في طب العيون، حيث دخل في سنة 2006 مستشفى "بارني" لمعالجة عينه اليسرى التي كانت قد تقطعت شبكيتها، وبعد أن دخل غرفة العمليات وتم تخديره أخطأت الطبيبة في العين فقامت بإجراء العملية على العين اليمنى فأصبح الشخص أعمى ما تسبب في فقدان عمله خاصة وأنه أب لست بنات وطفل صغير. وبالتالي قام برفع دعوة قضائية ضد الطبيبة في 2008 إلا أنه لم يتم ظهور أي جديد في القضية. طفل يحرم التنقل إلى مستشفى عنابة للعلاج فيلقى حتفه في عيادة "عاليا صالح" ووفاة الطفل "قحايرية حليل الرحمان" البالغ من العمر أربع سنوات بالمؤسسة الاستشفائية عاليا صالح بولاية تبسة بسبب الإهمال وغياب كلي لأي طبيب عام أو مختص طيلة أربعة أيام جعلت والديه يتجرعان مرارة كبيرة، بعدما كان قد تعرض لحروق على مستوى الحوض حيث تم نقله للمصلحة المذكورة سالفا، لتلقي العلاج الضروري وذلك بتاريخ 19 ماي 2014، حيث لم يتم بتاتا مواكبة التداوي المناسب وفي ظروف قاهرة وجد قاهرة وجد صعبة بل كانت المياه القذرة تتدفق داخل القاعة، الشيء الذي زاد من تفاقم الضرر، ورغم طلبات الوالد المتكررة من تحويله نحو عيادة أخرى أو إجراء تحاليل لأنه كان يتقيأ باستمرار، حيث إن حالته الصحية تستوجب تحويله إلى مستشفى مختص في الحروق بولاية عنابة إلا أنه لم يتم ذلك رغم أن المؤسسة الصحية عالية صالح لا تتوفر على هذا القسم، كما اضطر الوالد إلى توفير الضمادات ودواء الإمساك، إلى غاية وفاته بتاريخ 23 ماي 2014. تقدم الوالد مرارا وتكرارا إلى مدير المؤسسة الاستشفائية لتقديم شكوى حول هذه الوقائع إلا أنه كان غائبا تماما عن مكتبه، ولكنه قام بوضع شكوى أمام نيابة تبسة إلى وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بتاريخ 10 سبتمبر 2014 والتي تحصلت "البلاد" على نسخة منها. وتم سماع رئيس قسم الجراحة فاسي طارق الذي صرح بالتكفل بالمريض وانه ندم على إدخاله المصحة بينما رفض الأطباء الآخرون الحضور للإدلاء بتصريحاتهم. وطلب والد الضحية بفتح تحقيق ومتابعة كل من تسبب في وفاة ابنه بسبب الإهمال وعدم اللامبالاة والتجاوز الخطير لأخلاقيات المهنة بالإضافة إلى التعسف في حق العديد من المرضى الذين توفوا نتيجة الإهمال. وفاة غامضة لمواطن قضى 3 ساعات داخل سيارة إسعاف شهد مستشفى سطيف حالة وفاة مريض بعدما قضى ثلاث ساعات داخل سيارة إسعاف مركونة بفناء المستشفى، ولم يسمح له بدخول مصلحة العلاج. المرحوم يدعى عبد الكريم روابحي، يبلغ من العمر 59 سنة، كان يعاني من داء السكر والقصور الكلوي وضغط الدم، وعند تحويله إلى مستشفى سطيف تم نقله إلى مستشفى بوڤاعة، حيث تم رفضه بحجة أن الطبيب المختص في التخدير كان في عطلة، فتم نقله بعدها إلى مستشفى برج بوعريريج، حيث تم إجراء عملية بتر الساق لوالده، ومكث في المستشفى 10 أيام، لكن بعد العملية اتضح ان الورم انتقل إلى الجهة المتبقية من الرجل، ليتم نقله إلى مستشفى بوڤاعة فأمر الطبيب بضرورة تحويله فورا إلى مستشفى سطيف، حيث نقل على متن سيارة إسعاف، لكن أفراد العائلة تفاجأوا مرة أخرى بعدم قبول المريض. وتم إرجاعه إلى سيارة الإسعاف المركونة في ساحة المستشفى وظل ماكثا داخل سيارة الإسعاف لأكثر من 3 ساعات، وبعد أخذ ورد، تم إدخال المريض إلى المصلحة، لكنه لم يلبث في المصلحة إلا 15 دقيقة ليفارق الحياة. 40 بالمائة منهم فقط أودعوا ملفاتهم لدى المحاكم... قام ضحايا الأخطاء الطبية في العديد من المرات بالاعتصام أمام البرلمان وقصر الحكومة والمحاكم ومبنى وزارة الصحة، للمطالبة بالتكفل بالحالات الاستعجالية، وهو مطلب التزم بتجسيده مسؤولو الوزارة السابقون، دون أن يجد طريقه إلى الحل، حسب ممثليهم، منتقدين طريقة تعامل السلطات العمومية مع هذا الملف، وتجاهل وزارة الصحة للحالات الاستعجالية التي هي في حاجة ملحة لتكفل صحي على مستوى المستشفيات. واستغرب الأمين العام للمنظمة الوطنية لضحايا الأخطاء الطبية محي الدين أبو بكر تصريحات المسؤولين التي يؤكدون فيها أن العيادات الجزائرية في خدمة ضحايا غزة، وأن السلطات العمومية خصصت ميزانية مالية للتكفل بهؤلاء، في حين يواجه عشرات الأشخاص ممن كانوا ضحية أخطاء طبية يعاقب عليها القانون، معاناة حقيقية زادت تعقيدا خلال السنوات الأخيرة. ويتساءل محي الدين أبو بكر عن مصير الاتفاق المبرم بين ممثلي ضحايا الأخطاء الطبية، ومسؤولي وزارة الصحة في جوان الماضي، بخصوص تنصيب لجنة لدراسة الحالات المستعجلة قصد التكفل بها، وقال إنه لم يتلق أي دعوة لتنظيم جلسة عمل ثانية منذ هذا الاجتماع، بحجة أن الوزير لم يعط تعليمات بذلك. وكانت الوقفة الاحتجاجية الأخيرة بمثابة دق ناقوس الخطر وآخر إنذار للسلطات المعنية، قصد التكفل بالملف، مادامت العدالة في خدمة ضحايا الأخطاء الطبية، ما يفسر تردد هؤلاء في إيداع شكاوى، حيث أثبتت الأرقام أن أقل من 40 بالمائة فقط من هذه الفئة، أودعت ملفات على مستوى المحاكم، معظمها مازالت تراوح مكانها في أروقة العدالة.