هزت مؤخرا العديد من الفضائح قطاع الصحة بالجزائر، خاصة ما تعلق بالمستشفيات، التي أصبحت العنوان الأبرز، للإهمال وسوء الخدمات وسوء التكفل، ففاتورة العلاج المجاني أصبح المواطن البسيط يدفع ثمنها غاليا جدا، من جهده ووقته وراحته، جراء الاستهتار واللامبالاة، التي أصبحت رغم تنافيها مع أخلاقيات المهنة، السمة الأبرز، كما حدث في الكثير من المرات، ليسدل الستار في كل مرة على الجريمة، تحت مسمى الخطأ الطبي..مستشفيات تصلح لكل شيء، لتفاقم الأمراض وزيادة العلل، أما العلاج والبحث عن التطبب، ففيه الكثير من الكلام. خدمات...خارج مجال التغطية تذمر كبير وشكاوى عديدة، تسمعها أينما حللت وارتحلت، عن الخدمات الطبية، التي باتت تحتضر في الكثير مستشفياتنا، حتى الجامعية منها، التي ينبغي أن تتوفر على كل شيء من شأنه الحفاظ على صحة المريض وراحته، لكن من أجبرتهم الظروف على التنقل طلبا للعلاج بولايات أخرى، لانعدام ما يحتاجونه من علاج بالمستشفيات الموجودة بمقرات إقامتهم، حيث يعاني المرضى من مشقة السفر، إضافة إلى سوء الاستقبال والإهمال الذي يتعرض له الكثير من المرضى. وقد وقعت الجزائر عدة اتفاقيات تعاون مع عديد البلدان، التي حققت إنجازات في الصحة وقطعت أشواطا من الرقي والتقدم، والتي أضافت للصحة في الجزائر، الشيء الكثير وأمدته، بما يضمن علاج المريض، ليجبر كثير المرضى على طلب العلاج في مراكز استشفائية ذاع صيتها عبر كامل التراب الوطني، ويعتبر مستشفى «مصطفى باشا الجامعي»، واحدا من بين أهم المستشفيات بالعاصمة التي فتحت أبوابها للمرضى من مختلف نقاط المراكز الاستشفائية، لكن المؤسف، أن خدماته، كما يروي الكثير من المواطنين، الذين وجدناهم ينتظرون، وقت الزيارة، لعيادة مرضاهم، لا يتناسب أبدا وحجم الاسم الذي أسسه هذا المستشفى لنفسه..بعيدا عن هذا المستشفى، وبمؤسسة أخرى لا يقل ثقل اسمها وتاريخ وجودها عن هذا المستشفى، تقف مشدوها، إن خانك الحظ يوما ما وقدر لك، أن تزور إحدى هذه المستشفيات ليلا أو، مريضا أو مرافقا لمريض، لتقف على حجم المأساة،التي يعيشها المريض، حتى في قاعات الاستعجالات، التي قد تضطر، لتنتظر بها طويلا دون أن يأتي دورك، رغم أن الكثير من الحالات يرعبك ما تقاسيه من ألم لا تستطيع معه، حتى الوقوف، فصراخ أقرباء المريض الذين يطالبون بضرورة إسعاف مريضهم وأنين المرضى الذي تقشعر له الآبدان، يصنع أجواء هذا المستشفى، الذي قد يصلح لكل شيء، إلا للعلاج، حسب تأكيد العديد من المرضى. «المعريفة»..أيسر الطرق للعلاج إياك أن تجازف وتزور مستشفى لطلب العلاج دون أن يكون هناك أحد أو يكون لك واسطة وسيكون من المجدي إن كانت هذه الواسطة «البواب» أو أبسط ممرض لأن بيده مفاتيح العلاقات مع كل الأطباء وفي لمح البصر، يمنحك ما تريد من معلومات إن جئت مستفسرا، وتكون من الأوائل الذين يكشف عليهم الطبيب إن أردت إجراء فحص طبي وحتى إجراء باقي الفحوصات والتحليلات التي تكلف بالخارج المال الوفير سييسرها لك وفي أقرب الفرص ومن الأمور التي لا تستحق حتى عناء الطلب، عيادة المريض، خارج أوقات الزيارة، فالأمر يصبح عاديا جدا حتى داخل غرفة الإنعاش، لا تهمهم صحة المريض ولا حتى صحة الزائر، فالمهم إسداء الخدمة، وإن كانت المرأة من تطلب الخدمة، فسيكون من اليسير عليها قضاء مصالحها، مادامت لغة الجنس اللطيف لا تقاوم عند الكثيرين، وبعيدا عن الممرضين، فحتى بعض الأطباء صاروا وصمة عار على جبين المهنة، فهم بعيدون عن أخلاقيات المهنة، والكثير منهم لا يؤمن بجدوى المعاملة الحسنة والابتسامة التي تساعد نفسيا في العلاج، فكلامهم، الذي لا يفهمه الكثير من المواطنين، خاصة من قادهم القدر من بلديات نائية ريفية، هو المنطق الوحيد السائد، إن لم تفهم ما حدثك به، زجرك بنظرة فيها الكثير من اللوم والعتاب. النظافة.. الغائب الأكبر في المستشفيات تعتبر النظافة من أهم العوامل، التي لا بد أن تتوفر في أي مكان، لأهميتها البالغة في حفظ الصحة والوقاية من الأمراض، فما بالك بالمستشفيات وما تفرضه من إجراء للحفاظ على الصحة، على الأقل لحماية المريض، لكن حال الكثير من مستشفياتنا اليوم يسير للأسف، عكس التيار، لتكون النظافة الغائب الأكبر حتى في الأماكن الحساسة، التي تتواجد فيها الأدوات الطبية ومستلزماتها، كما أن بعض الأطباء لا يعقمونها حتى، ما يتسبب في مضاعفة المرض أو حتى نقله من مصاب إلى آخر، كما أن البعض لا يهتم حتى بنظافة اليدين، رغم أنه أدرى الناس، بأن الجراثيم تنتقل بسرعة البرق، وبعيدا عن نظافة أصحاب القمصان البيضاء وأجهزتهم الطبية، فإن نظافة المحيط هي الأخرى غائبة رغم وجود منظفات كثيرات، لكن هذا الجانب يظل دون المستوى لأن الكثير من الأماكن لا تصلها أيديهم، أوساخ امتدت حتى للوجبات المقدمة، فعلى رداءة الكثير منها تفتقر للنظافة ويمكنك أن تكتشف ذلك في الأطباق الحديدية، التي تقدم فيها الوجبة والتي يظهر جليا، أن الغسالة اكتفت بتمرير الماء عليها فقط، أيضا يمكنك أن تقف على حجم الكارثة من خلال طبق«السلطة»، الذي لا تزال بقايا الأتربة على سطح أوراقه الخضراء، وقد يكون ما خفي أعظم، ويمكن أن يصاب المرضى بتسممات غذائية تفاقم الوضع وتزيد وضعه سوءا. مشقة في السفر والمبيت في العراء قد يتعذر على المريض كما أسلفنا العلاج بالمستشفى القريب من مقر سكنه ما يحتم عليه التنقل إلى مستشفيات الولايات المجاورة، إن استعصت الحالة تكون العاصمة الوجهة الوحيدة، وفي الغالب يكون مستشفى «مصطفى باشا الجامعي» المحج الأول، لكن بعد رحلة طويلة لا تتوقف بالوصول إلى المستشفى بل تزيد تعقيدا، خاصة مع الصعوبة التي يجدها البعض في الحصول على مكان بالمستشفى حتى وإن كان يحمل رسالة توجيه من الطبيب، الذي يتابع حالة مريضه وقبل استكمال كل الإجراءات وتقديم الملف الطبي، فإنه يضطر للمبيت بالعاصمة، لكن المستشفى لا يوفر الإيواء إلا للمريض وإن كان في حالة حرجة، يتوجب على أحد من أقربائه التواجد هناك، لكن يمنح له مكان لا يتوفر على شروط الراحة، على اعتبار أن مراقب المريض لا يجب أن ينام بل لا بد من السهر على راحة المريض والتكفل بمطالبه، أما غيرهم فيضطرون للمبيت في العراء بسياراتهم، بسبب ارتفاع أسعار الفنادق، كما أن الكثير لا يعرف العاصمة ويتصادف وصولهم بعض الأحيان إلى المستشفى وهم حاملين مرضاهم، مع حلول الظلام، ما يجبرهم على الانتظار حتى حلول الصباح ويمكن لأي منا، تصور حجم معاناة هؤلاء، الذين يجبرون على النوم في السيارة في مثل هذه الأجواء الباردة، لتضاف إليها حالة القلق على المريض، ويعتبر مرضى السرطان الذين يقصدون المستشفى من أكثر المرضى معاناة، خاصة وأنهم يضطرون مع بداية العلاج إلى المكوث به طويلا. حكايات تروي معاناة مرضى وذويهم قلة من يحمل ذكرى طيبة على المستشفيات، التي أسست للتكفل بالمرضى، لكن بعض السلوكيات كالإهمال ونقص التكفل وغياب روح المسؤولية، تترك في الكثير من الأحيان، المريض يصارع المرض،دون أن تهب لنجدته، وهي الحالة التي أصبحت تعيشها الكثير من مستشفياتنا وتعود عليها المواطن وكأنها قدر محتوم، لكن في بعض الأحيان يترك هذا الإهمال الأثر البالغ، بعد أن فقدوا، جراء الإهمال واللامبالاة، عزيزا لا يعوض، فما خلفته هذه السلوكيات من مآسي في العائلات، في غياب المهنية وانعدام روح المسؤولية، وتحت مسميات الأخطاء الطبية، يظهر كارثية الوضع ويسود أخلاقيات أشرف المهن وأنبلها، قصص كثيرة، مازال البعض، يرويها بدموع فياضة وقلب مفجوع، خاصة وإن كانت الراحل قد عانى ومنذ سنوات من التشخيص الخاطئ للحالة. فرشيد، رغم مرور السنين، لا يزال لليوم، يبكى زوجته وأم أولاده الأربعة، التي غادرته على طاولة النفاس، بعد أن باتت تنزف دما، دون أن يقوم أحد بنجدتها وهي في شبه غيبوبة لا يقوى جسدها على النهوض، لتفارق الحياة، قهر دفع بالزوج إلى رفع دعوى قضائية يتهم فيها المستشفى بتسببه بموتها، جراء الإهمال المفضي إلى الوفاة ورغم أنه يدرك أن الأمر لا يعيد له زوجته، فعلى الأقل، كما يقول حتى يأخذ كل مذنب جزاءه ولا يسقط ضحايا جدد في براثن هذا الداء الذي لا يقيم وزنا للحياة البشرية. أما «علي» فقد كان أحسن حظا من سابقه، فعلى الأقل، ابنه لا يزال، حيا يرزق، رغم أنه لم يشف بعد والأخطاء الطبية اللعينة، فاقمت وضعه أكثر، قدم من عاصمة الأوراس الأشم إلى مستشفى «نفيسة حمودي» أو «بارني» سابقا، بعد أن اكتشف للحظة، انه وبعد ثلاث سنوات كان يعالج مرضا آخر غير مرضه، فالطبيب خانته الدراسة وسنوات الخبرة ولم يتمكن من تشخيص داء صغير «علي»، تشخيصا صحيحا، لتتدهور أوضاعه ونقله إلى العاصمة على جناح السرعة و ليومنا هذا ما زال يعالج عل الله ينعم عليه بالشفاء..قصص لا يحس بجمرتها إلا من عاش ويلاتها، قصص تتجاوز بكثير صفحة جريدة، تحكي مأساة هذا الواقع المر الذي ألم بصحة مستشفياتنا، والتي تحتاج إلى جراحة مستعجلة، لاستئصال الداء الذي رسم صورة سوداء عن القطاع وجعل أصحاب القمصان البيضاء في قفص الاتهام، فالحديث الذي تتحفنا به وسائل الإعلام كل يوم عن تدعيم مستشفياتنا، بأحدث التقنيات الطبية، لن يثمر كثيرا إن لم نستثمر في الموارد البشرية ونلزمها ببنود أخلاقيات المهنة التي غابت عن ضمائر الكثير من المستخدمين، فما نسمعه يوميا من قصص ونصادفه من صور، قد تصلح في أي مكان، إلا في قاعات الاستعجالات، أين يكون المريض بين الحياة والموت، يجعلنا ندق ناقوس الخطر بهياكل الصحة العمومية التي انصرف عنها الكثير إلى العيادات الخاصة التي انتشرت كالفطر، لكن المواطن البسيط الذي لا يستطيع دفع الكثير من المال مجبر على ولوجها، في انتظار إصلاح الأوضاع بالمستشفيات العمومية.