تشير كافة المؤشرات إلى أن مسلسل المخرج السوري إسماعيل نجدت أنزور ''ذاكرة الجسد'' المأخوذ عن رواية أحلام مستغانمي، هو أقوى وأهم عملي درامي خلال الشهر الفضيل الذي دخل فيه هذا الموسم قرابة السبعين مسلسلا غمار المنافسة لاستقطاب أكبر نسبة من المشاهدة. فمن خلال الحلقات الثلاث الأولى، يظهر أن المخرج السوري لم يترك شيئا للمصادفة سواء من حيث اختيار الممثلين وأماكن التصوير وتقنيات الإضاءة وحتى تقنيات التفجير التي تظهر شراسة الثورة الجزائرية في وجه المحتل الفرنسي. ويظهر من خلال هذا العمل التركيز على البعد الإنساني في الثورة الجزائرية من خلال قصة حب تجمع لاحقا المجاهد والرسام التشكيلي خالد بن طوبال الذي يجسد دوره النجم السوري جمال سليمان، و''حياة'' ابنة رفيقه في السلاح ومثله الأعلى ''السي الطاهر''. وتنطلق الأحداث من معركة طاحنة قرب الحدود التونسيةالجزائرية تصاب خلالها ذراع ''خالد'' ليضطر إلى السفر لتونس للعلاج. وهنا يطلب منه ''السي الطاهر'' تسجيل ابنته ''حياة'' التي ولدت للتو في البلدية، حيث لم يتمكن الرجل من رؤيتها... وبعد رحلة محفوفة بالمخاطر، يصل ''خالد'' إلى تونس أين يقوم طبيب يدعى ''كابوتسكي'' ببتر يده، الأمر الذي جعله ينهار بعد استفاقته من الغيبوبة، حيث كان يتصور أن علاجه سيتم بعملية جراحية وينتهي الأمر ويعود إلى ساحة القتال في الجزائر.. وفي مشهد درامي، يظهر ''خالد'' ناقما على الطبيب ليقول ''أنا إنسان رفضته الموت..وترفضه الحياة في الوقت ذاته''.. وتمضي المشاهد عبر كاميرا ''نجدت أنزور'' ويطرأ تحول جذري على حياة ''خالد'' إذ يظهر بعد ربع قرن حبيبا ل''حياة'' التي أصبحت شابة جميلة، وذلك بعدما كان يلاعب ابنة ''السي الطاهر'' التي تمثل بالنسبة إليه المرأة والطفلة التي تربطه بالحنين للماضي وتمثل له الجزائر التي تركها منذ زمن بعيد. من ناحية أخرى، يظهر أن ''خالد'' تمكن من تجاوز إعاقته وتوظيف يده الوحيدة لينجز شيئا عظيما، حيث يلج العالم الذي يحبه، ويختار مواصلة ''الجهاد'' بوسائل جديدة.. بالريشة والألوان فيصبح لاحقا أهم فنان تشكيلي يشارك بلوحاته في كبريات المعارض الدولية. وكانت أولى لوحات ''خالد'' الفنان تحت عنوان ''حنين'' رسمها سنة ,1967 والتي تصور منظرا عاما لجسور قسنطينة.. وفي معرض نظمه بباريس، يجتمع ''بن طوبال'' مجددا بابنة ''السي الطاهر'' التي كانت تدرس بفرنسا.. وتمضي الأحداث وتتوطد علاقتهما لتتحول لاحقا إلى رومانسية جارفة تجمع بين الثورة والحنين إلى الماضي. ومما زاد في جمال القصة، أن المخرج إسماعيل نجدت أنزور تمكن من استثمار صدى الثورة الجزائرية ورواية ''ذاكرة الجسد'' وأبرز نجوم الدراما العربية والجزائرية، ليقدم تحفة فنية بدا في الأيام الأولى لعرضها، أنها ستحقق أعلى نسب المشاهدة في هذا الموسم.