مع استمرارية التردد في تجريم الاستعمار وأعوانه، تسير فرنسا بخطى متسارعة وفق مبدأ الهجوم أفضل طريقة للدفاع، لذلك نسمع اليوم باقتراح تقدم به نائب في البرلمان الفرنسي عن الاتحاد من أجل حركة شعبية ''الساركوزي''، يطلب من خلاله المصادقة على قانون يجرم شتم الحركى، والهدف واضح بطبيعة الحال فالمسألة لا تخص السينغال أو أي بلد إفريقي آخر بقدر ما تتعلق بالجزائر التي ترفض أجيالها من الثورة إلى ما بعد الاستقلال نسيان ما معنى مصطلح ''حركي''. لكن هذا يحدث لسبب بسيط: فرنسا الساركوزية لم تجد طرفا واحدا يتصدى لعبثها بمشاعر الجزائريين وعلى كثرة المنظمات والجمعيات والتنسيقيات، بدا أن لا أحد يكترث للمجزرة التي يرتكبها مستعمر الأمس بحق أجيال اليوم ومستقبل ذاكرتنا وتراثنا وتاريخنا. لقد أطلقت فرنسا حملة مسعورة ضد الجزائر فألبت اليهود للمطالبة بما يسمونه حقوقا في الجزائر ودعمت بقايا الكولون من مواطنيها بغرض استرداد ما نهبوه في الأصل من الجزائريين، تحاملت كثيرا على الجزائر في قضايا عديدة آخرها مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وربطت بين تنامي الإسلام في مدنها وبين الجزائريين، فسهرت على حراسة اليمين المتطرف وتنمية مشاعر العداء لكل ماهو جزائري، ثم مارست لعبة سياسية مخابراتية ضد إطارات جزائرية، وعملت على حماية تاريخها المشين في الجزائر بترسانة قانونية، وهاهي تواصل العمل لتحقيق أهداف تكرس نزعتها الاستعمارية. لا نلوم فرنسا على ما تقوم به لأنها تدافع عن ما تراه حقا لها، بقدر توجيه اللوم الشديد لمنظماتنا على منطقها السياسوي في التعامل مع مستعمر الأمس. أحزاب سياسية تملك الأغلبية في البرلمان وتخاطب المواطن ليل نهار بشتم الاستعمار وأعوانه والتنديد بجرائمه، لكن عندما يتعلق الأمر بترجمة الخطاب إلى فعل سياسي تتحول القضية إلى إطار لا علاقة له بالتاريخ والمواقف والوفاء للشهداء. ما يثير التعليق في مشروع تجريم شتم الحركى أن المصطلح برمته قبيح فلا يمكن لك أن تتصور ''حركي ناس ملاح''، لأنه اسم مرتبط بالخيانة .. خيانة الوطن.. فهل هنالك جريمة أكبر من خيانة الوطن؟ وكيف تعاملت فرنسا مع مواطنيها وجنودها وضباطها الذين تعاملوا مع هتلر في الحرب العالمية الثانية؟