أثارت مصادقة الجمعية الوطنية الفرنسية، أمس، على الاتفاقية المشتركة بين الجزائر وباريس التي سبق للجزائر أن وقعتها في السابع ديسمبر من سنة ,2007 استياء كبيرا لدى مختلف ألوان الطيف السياسي والإعلامي الفرنسي احتجاجا على مصادقة الغرفة التشريعية الأولى على الاتفاقية غداة إعلان البرلمان الجزائري عن مشروع مبادرة قانون يجرّم الاستعمار. عبر أطراف إعلامية وسياسية فرنسيا عن استيائها من رفض النواب الفرنسيين الاستجابة للحملة التي سبق أن أطلقها أول أمس النائب الفرنسي تيري مارياني، ممثل حزب الأغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية لحمل النواب على رفض المصادقة على الاتفاقية، وصفت ''لوموند'' الحدث تحت عنوان ''توقيع على اتفاقية في أجواء مشحونة''، في حين قالت ''لوبوان'' في عنوانها الافتتاحي إن فرنسا لم تستسغ المقترح الجزائري واعتبرت المصادقة على الاتفاقية ''مرة المذاق''، بينما وصف اليمين المتطرف الموقف الفرنسي بالفضيحة. من جهتها قالت ''لوفيغارو'' إن ''فرنسا تتأسف للمقترح الجزائري''، في إشارة إلى مشروع قانون تجريم الاستعمار، بينما أعرب إيريك بيسون وزير الهجرة هو الآخر عن أسفه للمبادرة الجزائرية. وكان أول أمس وعشية المصادقة من الجانب الفرنسي، أطلق النائب الفرنسي تيري مارياني عن حزب الأغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية حملة تدعو حكومة بلاده إلى تجميد مصادقة نواب الجمعية الوطنية الفرنسية على اتفاقية التعاون بين باريس والجزائر احتجاجا على مشروع قانون تجريم الاستعمار المرتقب عرضه على نواب المجلس الشعبي الوطني للمصادقة عليه. كما طالب إدارة ساركوزي بالاستفسار عن النوايا الحقيقية للحكومة الجزائرية والبرلمان الجزائري بشأن مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي تقدم به أكثر من 120 نائبا في الغرفة التشريعية الأولى. وادعى مارياني أن نواب المجلس الشعبي الوطني يعتزمون إقامة محاكم خاصة لمحاكمة المسؤولين الفرنسيين على جرائم الاستعمار وإدانته، ليخلص في بيان أصدره أمس إلى التعبير عن استنكاره وإدانته للمبادرة الجزائرية بما في ذلك مطلب الاعتذار والتعويض، متسائلا في هذا السياق عن خلفيات المبادرة التشريعية الجزائرية وأبعادها، قبل أن ينتهي إلى القول إن الجزائريين مطالبون بقطع الكثير من الأشواط للوصول إلى المستوى المتقدم من العلاقات بين بلدين يربطهما تاريخ مشترك وجوار جغرافي. وتشكل الحملة التي يقودها النائب الفرنسي عن حزب الأغلبية بقيادة الرئيس نيكولا ساركوزي، استفزازا فرنسيا جديدا جاء للضغط على البرلمان الجزائري من أجل التنازل عن مشروع قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي، ويدعو باريس للاعتراف بجرائمها الكولونيالية والاعتذار عنها ومطالبتها بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالجزائريين. وقد سبق لنواب حركة الإصلاح الوطني أن اقترحوا خلال العهدة الماضية مثل هذا المشروع قبل أن ينتهي في مقبرة درج مكتب رئيس المجلس الشعبي الوطني خلال العهدة نفسها رغم استيفاء مشروع القانون جميع شروط عرضه للتصويت، غير أن ذلك لم يحدث لأسباب قيل إنها صبت في خانة عدم توتير العلاقة مع باريس. كما تعد الخرجة الفرنسية استفزازا آخر للجانب الجزائري، فهي تشكل من جهة أخرى محكا حقيقيا لسيادة البرلمان الجزائري في المضي بمبادرة مشروع قانون تجريم الاستعمار إلى منتهاه ليكون خطوة سيادة أخرى تمهد الطريق أمام مطالبة باريس بالاعتراف بالجرائم الفرنسية الكولونيالية ثم مطالبتها بالتعويض، كما أجبرت هي ألمانيا على الاعتراف بجرائمه أثناء الحرب العالمية الثانية وتقديم التعويض، وكما تضغط على تركيا بشأن ملف الأرمن.