لما تصل نسبة العنف ضد الأطفال ذروتها فحتما تكون الطفولة الجزائرية بخطر، لا تزال تدق ناقوسه العديد من الجمعيات والمنظمات الوطنية والمحلية في ظل ما يمارس من عنف في حق البراءة. سجلت "شبكة ندى" 2013 - 2014، 16.115 طلب نجدة لأطفال معنفين، منها 4787 طفل معنف أسريا، 1193 منها تعرض لعنف مدرسي، 913 ضحية عنف جنسي، 645 طفلا متورطا في الدعارة، بالإضافة إلى 183 طفلا في خطر معنوي. سجلت آخر الإحصائيات الصادرة عن الأمن الوطني جنوح الأطفال في أخطر الجرائم المتنوعة التي لم تكن تسجلها فئاتهم منها القتل العمدي، الجرائم الأخلاقية التي وصلت إلى حد هتك العرض والشرف بين فئاتهم مما يستدعي اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة. من خلال استطلاع قامت به "البلاد" نكشف فيه مدى خطورة العنف الذي يمارس في حق الأطفال مركزين على أخطر نتائجه وهي تحول هؤلاء الأطفال إلى جانحين تنتظرهم السجون ويتنكر لهم المجتمع فيحملهم ذنبا هم السبب الأول فيه.. مراهقون يتحولون إلى مجرمين بسبب العنف .. لا تزال ظاهرة العنف ضد الأطفال تتنامى في الجزائر رغم الحملات التحسيسية التي تقوم بها العديد من الجمعيات والمنظمات إلا أنها في ارتفاع مشهود، يرجعها بعض المختصين في علم النفس والاجتماع إلى الظروف الاجتماعية والمعيشية الصعبة التي تغرق فيها العائلات الجزائرية مما ساعد على تصعيد وتيرة العنف في المجتمع ولم تسلم البراءة منه، بينما يرجعها البعض الآخر إلى إهمال المجتمع لمدى خطورة هذه الظاهرة متعاملين مع الأطفال كشيء خاص لا يأتي إلا بالنهر والضرب. تنقلت "البلاد" إلى إحدى عيادات الطب النفسي لمقابلة المختصة النفسية من أجل الموضوع لتشاء الصدفة أن نقابل هناك شابا يبلغ من العمر 16 سنة قضى سنتين بمركز إعادة التربية والتأهيل بعدما قام بضرب أبيه بخنجر. لم يكن سهلا أن نتحدث إليه إلا أن والدته سمحت بذلك بعد إلحاح منا ورغبة منها في تحسيس المجتمع بخطر العنف ضد الأطفال "أمين. ن" مراهق لم يتجاوز سنه 14 عاما عندما أقدم على ضرب أبيه بخنجر بسبب منعه من الخروج مع أصدقائه بحجة أن أصدقاءه يريدون له السوء ولا يحق له مرافقتهم. لم يشأ "أمين" أن يعود إلى تلك الحادثة، كانت الأم من قصت علينا ذلك وكان مطأطئ الرأس ويشعر بنوع من الغضب بسبب عودة أمه إلى الموضوع. سألت المختصة النفسانية أمين بلطف عن شعوره ليبدأ بالحديث بصوت خافت "إنني أشعر أنني مجرم والكل ينظر إلي على أنني كذلك، الكل يشير إلي أنني كنت في السجن وأنني طعنت أبي بالسكين". تعود أمه للحديث "لم تكن أبدا علاقة أمين بأبيه جيدة كان يمارس عليه ضغطا كبيرا منذ صغره يعاقبه بمجرد أن يخطئ ولو كان عن غير قصد، كان يسخر من نتائجه في الدراسة أمام أولاد عمه وأمام أصدقائه. كان ذلك يشكل له عقدة كبيرة كان كل مرة يقول إنه لا يحب أباه وكنت أحاول أن أقول له هو يحبك لكن يريدك أن تكون قويا. لا يكتف بنهره بل في عديد من المرات يعاقبه بمنعه من الجلوس معنا على طاولة الطعام كان يجبره على الأكل وحده في المطبخ حينما يشتكي منه أحد من الجيران أو مدرسوه. كان يحرمه من الخروج مع الأصدقاء في العديد من المرات مما جعل أصدقاءه يلقبونه "الجاجة" لأنه لا يخرج كثيرا من البيت. في يوم كان يريد أن يخرج مع أصدقائه من أبناء الجيران للعب مباراة بعد نتائجه المتحسنة في الدراسة، وافقت على ذلك وعندما جاء إليه أصدقاؤه كان والده حاضرا لم يتركه يخرج مما جعل شجارا يقوم بيننا انتهى بضربي فلم نجد "أمين" إلا حاملا لسكين من المطبخ وطعن والده في ذراعه ثلاث طعنات نقلناه للمستشفى إثرها بعدها أتت الشرطة وذاع الخبر. حكم على "أمين" بسنتين سجنا لم يره والده خلالها ولو لمرة. مما زاد من تأزم حالة "أمين" وبعد قضاء مدة السجن ها هو يقيم عند جدته لأن كلاهما لا يريد أن يعيش مع الآخر.." أكثر ما آلم "أمين" لقب "المحابسي" الذي أصبح العديد يناديه به كما أن ندمه كان ظاهرا عليه قال لنا "أمين" في الأخير "لم أندم لأنني ضربت والدي لأنني لا أشعر أبدا أنه والدي، بل ندمت لأنني ضيعت مستقبلي بفعلتي تلك"... "أيمن" هو الآخر ضحية عنف جنسي كان الاعتداء عليه جنسيا من طرف أحد جيرانه وهو يبلغ من العمر 10 سنوات، عدم متابعته نفسيا كانت كفيلة بأن تجعل منه شخصا غير طبيعي يتعرض لأي طفل صغير ويحاول أن يطبق عليه ما تعرض له، لم يكن أي أحد يعرف بما جرى له، حتى عائلته لم تكن على علم بذلك، حمل "أيمن" تلك العقدة معه وبقي يمارس ذلك الفعل كلما أتيحت له الفرصة إلى أن أودع أهل أحد ضحاياه شكوى ضده فقبض عليه وهو لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره ليجد نفسه في مركز إعادة التربية، لكن التكفل به من خلال فريق أطباء نفسانيين جعله يتحسن. يقول "أيمن" بعد سنتين من خروجه من السجن أنه كان يشعر بالذنب كلما مارس ذلك الفعل لكنه كان يشعر بنوع من الانتقام، "ربما أحمد الله أنني دخلت السجن، أين تعالجت نفسيا، لم أكن أظن يوما أنني سأشفى من ذلك السلوك وأتوقف عن ممارسته" 2358 قاصر حسب المديرية العامة للأمن الوطني، جانح في السرقة التي أتت في الصنف الأول يليها في المرتبة جنوح الأحداث في قضايا العنف الجسدي والضرب والجرح ب 1582 جانح لتأتي الجرائم الأخرى بعدها على التوالي والتي تفرعت بين تخريب أملاك الغير في المدارس والملاعب ب 298 قاصرا وجرائم التعدي على الأصول ب 54 قاصرا ومحاولة القتل العمدي 9 قصّر، فيما أكدت الإحصائيات الصادرة تورط 19 قاصرا أقل من 19 عاما في قضايا القتل العمدي، كما سجلت الجرائم الأخلاقية تورط 417 حدثا في قضايا أخلاقية على قصّر مثلهم. هي إحصائيات لحالات مثل "أيمن" و"أمين" كان العنف كفيلا ليجعل منهم جانحين يقفون أمام العدالة مثلهم مثل مجرمين محترفين ليدمروا حياتهم ومستقبلهم بسبب غل حملوه في أنفسهم طويلا وجدوا بسببه أنفسهم في متاهات الانحراف ومن براءة الطفولة إلى احتراف الإجرام. تنامي العنف ضد الأطفال يهدد المجتمع الجزائري العنف ضد الأطفال خطر يهدد مستقبل المجتمع الجزائري ويسبب اختلالا في توازنه. فالطفل الجزائري يتعرض لكثير من العنف وبأشكال مختلفة من العائلة إلى المدرسة تحكي الطبيبة النفسانية "أ. س" عن حالة طفل أتت به أمه بعد ما اكتشفت أنه قد أصيب بالتأتأة وكان السبب هو العنف الذي تمارسه المعلمة في حقهم بالقسم وتهديدهم بمن لا يقوم بواجباته أنها ستضعه داخل الخزانة وتبيته فيها وقامت بهذا الفعل مع أحد التلاميذ واحتجزته لمدة ساعة في الخزانة، مما أصبح يشكل له ولزملائه رعبا بسبب تصديقهم. أما الطفل فكان في حالة من الانسداد وانعكس ذلك على عملية النطق فأصبح يتكلم بتأتأة. كما تقول إنه يجب كسر طابوهات الحديث عن الاعتداء الجنسية حتى نتمكن من الحد من هذه الظاهرة لأنه رغم انتشارها بقوة إلا أنه لا وجود لإحصائيات دقيقة حول هذه الظاهرة، كما أن تحسيس الأطفال منذ الصغر بتطور الجسم واجبا وعلى الأولياء أن يوضحوا لأولادهم الأماكن التي لا يمكن للغير الوصول إليها وكيف يمكن حمايتها لكي يضمنوا أن لا يتعرض أولادهم لهذا الاستغلال. أما العنف اللفظي وترجعه المتحدثة إلى زمن طويل ونحن نعاني منه في مجتمعنا وأننا شعب عنيف ونعبر حتى عن الحب بالعنف وفي هذا النوع من العنف تحكي لنا عن حالة أخرى "طفل يبلغ من العمر 5 سنوات لا يمكنه أي يجلس أو يلعب مع أقرانه إلا ويقوم بضربهم" وبعد جلسات معالجة بحضور الأم تأكدوا أنها طريقته في التعبير عن الحب مثلما تقوم به أمه معه فهي تقوم باللعب معه عن طريق الضرب وهو يراها طريقة في التعبير عن الحب فيمارسها هو الآخر على من يحب. البرمجة اللغوية للطفل حسب المتحدثة تجعله يسجل كل شيء في ذاكرته ويصدق كل ما يسمع، والرسائل التي تقدم للطفل هي التي يكبر عليها، لكن للأسف في مجتمعنا لا يوجد رسائل إيجابية. كما أن عمل الأم أصبح يجعل العلاقة بينها وبين ابنها متأزمة نوعا ما، أين تتولى المربية تربيته وتكون الأم مجرد تفصيل في حياته، مما يخلق هوة بينه وبين أمه ويشعر أنه غير محبوب لذلك من الضروري تخصيص المرأة العاملة لابنها بعض الوقت تستمع إليه وتكلمه وتشعره بالاهتمام لكي لا مشاكل مستقبلا. فغياب التعبير الصحيح عن الحب وثقافة الحوار بين الطفل ومن حوله يجعل نوعا من الكبت يكبر ويتطور داخله، مما يجعل من الطفل يفجر تلك المكبوتات أمام أي فرصة تتاح له فيتحول من معنف إلى مجرم. وتشدد على ضرورة الاهتمام بهؤلاء الأطفال المعنفين عن طريق متابعات نفسية، خاصة أولئك الذين قاموا بارتكاب جنح لأن عدم احتوائهم وإعادة دمجهم في المجتمع سيعيد نفس السيناريو. كما أن العلاج النفسي لا يجب أن يقتصر على الطفل فقط بل العائلة كلها لأنها هي من ستحتضنه مجددا قبل المجتمع كله. وتضيف ذات المتحدثة ضرورة التكوين ومواكبة تطور الطب النفسي وإدخال نماذج وطرق العلاج الجديدة على المجتمع الجزائري لأنها ستساعد لا محالة على تسوية الأوضاع النفسية للعديد من الفئات. غياب الوعي الحسي يساهم في انتشار العنف.. ترجع المحامية آسيا باجي انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال بالدرجة الأولى إلى غياب الوعي الحسي وأنه قضية أخلاقية بالدرجة الأولى ويشجع السكوت وعدم الإبلاغ عن هذه الجرائم إلى استفحالها في مجتمعنا، حيث يبقى المجرم في غياب العقاب يتربص بضحايا جدد. المشرع الجزائري حسب المحامية قرر حماية خاصة للقاصر من أشكال العنف المختلفة، حيث تصل العقوبة إلى 20 سنة في حالة انتهاك عرض القصر وهو ما تحدده المادة 337 من قانون العقوبات الجزائري وتتضاعف العقوبة في حالة ما إذا كان المعتدى هو الأب لأن صفة الجاني هنا ظرف مشدد سواء كان أب أو كل من كان على الطفل سلطة أو ولاية. وعن تعامل القانون الجزائري مع الجانحين القصّر -تضيف المتحدثة- أن الجانحين القصّر في المخالفات لا يكونون إلا محل توبيخ وفي الجنح تكون عقوبات مخففة وفي الجنح المشددة والجنايات إلى نصف العقوبة المقررة للبالغ. كما تؤكد المتحدثة على ضرورة التحسيس والتوعية حول هذه الظاهرة التي أصبحت تنتشر بكثرة في مجتمعنا وتهدده بالضياع. الفئة الأقل من 18 سنة من أهم الفئات التي يجب الاعتناء بها، فالتعامل السيء مع الأطفال يؤدي بهم إلى حالات الحزن الشديد والمتواصل مما يؤدي بهم إلى التعرض لمشكلات نفسية وجسمية تِؤثر على شخصياتهم في المراحل اللاحقة وعليه يجب على الآباء أن يكونوا أكثر وعيا في تربية أولادهم ويجب إحاطتهم بالاهتمام وحمايتهم من الخطر الخارجي، خاصة في فترة المراهقة التي تعتبر مرحلة مهمة في تكوين شخصية الإنسان ليكون لدينا في المستقبل جيل سوي وراكز وتجنيب هذه الفئة من الوقوع في فخ الجرائم والانحراف.