التزمت وزارة التربية الوطنية الصمت إزاء موجة ردود الأفعال الغاضبة من الإعلان الذي جاء على لسان المفتش العام للوزارة بشأن تدريس تلاميذ السنة الأولى ابتدائي باللهجات أو بالعامية! وهو قرار لقي استهجان فئات واسعة من المجتمع في بلادنا وكسر الصمت إزاء ما يدور حول المدرسة منذ انطلاق الندوة الوطنية لتقييم تطبيق الإصلاحات المنعقدة بقصر الأمم مؤخرا، وقد أجمعت غالبية الآراء على أن هذا المنحى ضربا للغة العربية، وهي لغة التدريس الأم في المدرسة الجزائرية، التي لازالت رهينة تجاذبات سياسية قبل أن تكون بيداغوجية، إذ فشلت السلطة ولعقود طويلة في النأي بالمدرسة عن الصراعات السياسية والاستغلال البشع للمنظومة التربوية من طرف تيارات فكرية وسياسية متصارعة تسعى لتدجين المدرسة وفق انتماءاتها الإيديولوجية وخدمة لمشروعها الذي هو في الحقيقة مشروع مجتمع، يعمل كل طرف على "تأصيله" أو غرسه في الجزائر. وفي ظل الصمت المريب الذي تلتزمه الوزارة بشأن تدريس العامية ضمن بيداغوجيا التعامل مع تلاميذ السنة الأولى ابتدائي من المرتقب أن تتسع دائرة النقاش السياسي قبل التربوي بشأن هذه المسألة التي تعتبر غاية في الأهمية. المدافعون عن اللغة العربية يرون في القرار، ويؤكدون جاهزيته، محاولة مكشوفة لضرب اللغة العربية في عقر دارها، وإذا كان الأمر هكذا فإن نائبا سابقا في المجلس الشعبي الوطني عن الحزب العتيد، دعا أمس على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك إلى العصيان التربوي، برفض الأولياء إرسال أبنائهم للمدرسة التي تدرس العامية، ولم يجد النائب البرلماني السابق والصحافي ابراهيم قار علي حرجا في القول "إن الدارجة أو العامية لا تحتاج إلى المدرسة لكي يتعلمها التلاميذ، ومادام الأولاد يتعلمونها في البيت فلم تعد هناك أي فائدة للتمدرس، بل يجب على الدولة تسريح المعلمين وصرف ميزانية وزارة التربية على الآباء والأمهات وحتى الأجداد والجدات، بل ويجب أن تشطب وزارة التربية وتدمج في وزارة الأسرة، حيث لم يعد من المجدي الحديث عن الأسرة التربوية!". وهذا موقف من مئات المواقف والمقالات التي نشرت أمس تسخر من هذا التوجه غير المقبول لدى كافة رائح المجتمع. ويبدو من الواضح جدا أن الأمر يحتاج فعلا إلى توضيح وزارة التربية التي صمت آذان مسؤوليها عما يدور من ردود أفعال قوية بسبب "زلة لسان" أو بالون اختبار مثلما وصفه البعض الآخر، أو بسبب توجه يهدف فعلا إلى كسر تعليم اللغة العربية، بينما الرأي العام منهمك في تداعيات انهيار أسعار النفط على الجبهة الاجتماعية التي شكلت حديث العام والخاص. وزارة التربية مدعوة إذًا إلى الخروج عن صمتها ووضع النقاط على الحروف، بدلا من سياسة الهروب التي تنتهجها في التعاطي والتعامل مع ما خلفتها مقترحاتها من ردة فعل قوية.