غياب سجل وطني حول أسعار البيع و الايجار يفاقم ظاهرة "المضاربة" تشهد أسعار بيع و إيجار السكنات هذه الأيام ارتفاعا قياسيا تجاوز بكثير معدل القدرة الشرائية للموظف البسيط، وعمّق أزمة السكن التي تعاني منها كل ولايات القطر الوطني منذ سنوات. ولأنّ تهاوي أسعار برميل البترول قد أربك مداخيل الدولة و أدّى بالحكومة لإقرار سياسة "تقشّف" فيما يتصل بالانفاق العام فكان من الطبيعي أن تدخل مشاريع الاسكان التي يتصدّرها برنامج "عدل" خانة "الاشاعة" حيث يتردد في سوق العقار أن السلطات تراجعت عن البرنامج بفعل الصدمة النفطية رغم إصرار وزارة السكن أن "ورشات الانجاز جارية على قدم وساق ولا مكان للمشاريع الوهمية في برامج الوزارة". وحسب عمليات مسح واسعة لسوق العقار قامت بها عدة هيئات عمومية و خاصة على المستوى الوطني فإن متوسط أسعار بيع السكنات الاجتماعية يتراوح ما بين 9 مليون دينار إلى 20 مليون دينار للشقة الواحدة كمعدل عام يسري على كافة المناطق، بما في ذلك الداخلية.و كشفت تلك العمليات أن الأسعار خاصة في الجزائر العاصمة والمدن الكبرى غير متحكم فيها و أخذت منحى تصاعديا منذ مطلع السنة الجارية. ونفس الشيئ تشهده أسعار إيجار و كراء السكنات فعلى مستوى العاصمة يبلغ إيجار شقة من غرفة واحدة غير مؤثثة أكثر من 15 ألف دينار ويصل في بعض الأحياء الراقية إلى 250 ألف، في حين يبلغ إيجار شقة من غرفتين ما بين 30 ألف و 50 ألف شهريا، وإيجار شقة من أربع غرف أكثر من 60 ألف دينار شهريا. ومما يزيد متاعب الجزائريين إلزامهم بدفع أقساط الإيجار المحددة في العقد لكل سنة مسبقا دفعة واحدة، الأمر الذي يعجز عنه الكثير حتى أولئك الذين يشغلون مناصب محترمة، مما يدفع ببعضهم إلى الإقامة في بيوت العائلة الكبيرة، أو السكن في البيوت القصديرية المنتشرة في الكثير من الأحياء، في حين يلجأ بعض آخر إلى استئجار غرف في الفنادق القديمة بوسط العاصمة، تفقد أبسط الشروط الصحية. وفي غياب سجل وطني يضبط سوق العقار، وتنامي ظاهرة المضاربة، فإن الطبقة المتوسطة بالخصوص تواجه معضلة كبيرة للوصول إلى السكن. وقدرت المركزية النقابية شريحة الطبقة المتوسطة بمن يتقاضون دخلا ما بين 32 ألف دينار إلى 65 ألف دينار على وجه العموم، وهي أكبر شريحة حسب الاتحاد العام للعمال الجزائريين من حيث الدخل في الجزائر، ولكنها تواجه تداعيات الأزمة السكنية بعجزها عن اقتناء شقة اجتماعية بمواردها الخاصة، وتحتاج إلى آليات دعم حكومية، على غرار ما تم في الآونة الأخيرة. وقد تعددت عوامل ارتفاع الأسعار ما بين فوضى سوق العقار عموما و التي لا تخضع لضوابط معينة و إلى المضاربة وتعدد الوسطاء و بين من يرحع التهاب أسعار الكراء مثلا لفكرة الرغبة في الظفر بشقة في إطار السكن الاجتماعي، حيث أصبح كل فرد من العائلة، بمجرد زواجه يلجأ لايجار سكن، فيما يرى آخرون، أن أبناء المدن الكبرى لم يستطيعوا العيش في أحياء سكنية جديدة بعيدا عن الأجواء التي تعودوا عليها في أحيائهم القديمة، ما جعلهم يلجؤون لاستئجار شقق قريبة منها. ويرى عقاريون أن الحكومة ممثلة في وزارة السكن و الهيئات التابعة لها لا تحوز لحد الآن على جدول وطني لأسعار البيع أو الكراء أو مواد البناء، هذا من جهة، وحرية السوق غير المنظمة وغير المقننة، وغياب الشفافية في التعاملات كلها أمور ساعدت على ارتفاع الأسعار. ومن المفارقات الناتجة عن البزنسة بالعقار أن تجد سعر المتر المربع من التراب حي شعبي في ولاية داخلية قد يضاهي سعر متر مربع في حي راقي بولاية كبيرة. مع العلم، أن شراء متر مربع من التراب يتطلب دراسة لمحيطه على نحو ما هو عليه الأمر في أوروبا. وفي المقابل يحمّل المواطن مسؤولية الارتفاع الفاحش للعقار للحكومة التي لم تتدخل لوضع سقف للأسعار وإيقاف جشع الوكالات العقارية والمؤجرين، ويقترح إنشاء وكالات تابعة للدولة تشرف على عمليات البيع و كذا الإيجار، بإعداد عقود نموذجية تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وتشير أصابع الاتهام إلى الوكالات العقارية التي يتجاوز عددها 5000 في البلاد، ويحملها بعض المواطنين مسؤولية هذا الوضع بسبب عدم احترامها للقانون، وتورطها في رفع الأسعار بالاتفاق مع المستأجرين. في هذا السياق اعترف رئيس اتحاد الوكالات العقارية عبد الحكيم عويدات بوجود تجاوزات، مؤكدا أن هذه التجاوزات هي التي تسببت في الارتفاع الفاحش للأسعار، وكشف عن أسباب أخرى تتعلق بقلة العرض وكثرة الطلب، إلى جانب تدهور قيمة الدينار وأخيرا إشاعات توقف الدولة عن بعض المشاريع السكنية بفعل تدهور أسعار النفط. لكن السبب الأبرز في رأيه هو تدخل من سماهم بالمتعاملين غير الشرعيين في هذا المجال. وتحدث عن مزايا قانون صدر عام 2009 يؤطر مهنة الوسيط العقاري، لكن طغيان الوكلاء غير الشرعيين أثر على عمل الوكالات العقارية الشرعية والقانونية. ورغم وجود ما يزيد على 1.2 مليون شقة شاغرة بالجزائر، فإن هذه الشقق -بحسب عويدات- لم تساهم في حل المشكلة، لكونها توجد خارج السوق العقارية، وغير مطروحة لا للبيع ولا للإيجار.