يبدو أنّ المشهد الاقتصادي الذي تعيشه الجزائري يزداد تعقيدا وغموضا يوما بعد يوم، خصوصا بعد تناقض تصريحات المسؤولين الحكوميين، فتارة وزير المالية يطمئن الشعب ويدعوه إلى عدم القلق والارتياب، ليرسم الوزير الأوّل عبد المالك خلال اجتماع الحكومة مع الولاة أمس، صورة ضبابية حول مستقبل البلاد يكمن حلّها في تدابير تعديلية من أجل ترشيد الإنفاق العمومي وتحكّم أفضل في التجارة الخارجية وتدفّق رؤوس الأموال.لا ندري حقيقة الوضع الاقتصادي الذي تشهده الجزائر بصورة واضحة، غير أنّ المعطيات الرّاهنة، من تدهور لعائدات النفط وتراجع قيمة الدينار الجزائري، تنذر بصدمات لا يحمد عقباها، وهو ما يحتّم على الحكومة الجزائرية إعادة النظر في أمور كثيرة، قد تعصف بالجبهة الاجتماعية، وقول سلال بإيجاد تدابير تعديلية من أجل ترشيد الإنفاق العمومي، يعني بالضرورة مراجعة سياسة الدعم في مختلف المجالات، سواء في قطاع الصحة أو التعليم أو حتّى في دعم المواد الغذائية الأساسية.وكان وزير المالية قد صرّح مؤخّرا أنّ الجزائر نجت من التأثير المباشر لسقوط أسعار النفط على عكس العديد من الدول النفطية، وذلك بفضل انعدام المديونية ووجود احتياطي صرف مهم من العملة الصعبة، غير أن الواقع يقول إنّ احتياطي الصرف يتآكل شهرا بعد شهر، وشبح المديوينة حسب الخبراء الاقتصاديين بدأ يلوح في الأفق، وأكبر دليل كذلك هو التراجع الرهيب الذي تشهده قيمة الدينار الجزائري، فدولار واحد يقابله 150 دينارا جزائريا، حيث قال الخبير الاقتصادي في هذا الصدد ومن خلال مساهمة له، إن الناتج المحلي الخام في الجزائر يعتمد بنحو 80 بالمائة "بطريقة مباشرة وغير مباشرة" على الإنفاق العمومي الذي يأتي من مداخيل البترول، وسنشهد بالضرورة انخفاضا كبيرا في معدل النمو وبالتالي ارتفاعا في معدل البطالة، كما ستعرف الجزائر انخفاضا تدريجيا في سعر صرف الدينار مقابل اليورو والدولار سيصل إلى غاية 1 يورو مقابل 200 دينار، ليضيف في تحليله أنّ هذا سيسرع من ارتفاع معدل التضخم الذي يتم استيعابه جزئيا في الوقت الحالي عبر دعم المواد الأساسية.سلال قال إن استمرارية انخفاض أسعار البترول ستتمثل نتائجها في انكماش موارد صندوق ضبط الإيرادات وتنامي المديونية العمومية الداخلية، وقال إن وضعية التوتر بالنسبة للمالية العمومية أكثر مما ستكون عليه وضعية ميزان المدفوعات. وذلكم يستدعي القيام بأعمال في مجال ترشيد النفقات العمومية وتطوير سوق رؤوس الأموال، وهو الأمر الذي أشار إليه الخبير مبتول من خلال توقف مشاريع السكن بسبب عجز البنوك عن التمويل، وسيواجه عدد معتبر من المواطنين مشكل عدم القدرة على الدفع بفعل ارتفاع نسب الفائدة وانخفاض القدرة الشرائية، وهؤلاء إما من الذين اشتروا منازل عبر قروض بنسب فائدة مدعومة أو استفادوا من امتيازات مالية وجبائية، وسينتج عن ذلك أزمة حقيقية اقتصادية واجتماعية وسياسية. ستكون عندنا الآثار نفسها لأزمة سنة 1986 التي ظهرت جليا بين 1989 و1991، حيث توقفت كل مشاريع "أوسكيب" بعد أن ارتفعت نسبة الفائدة من 5 إلى 15 بالمائة، وأدت إلى إفلاس كثير من المقاولين الخواص وتضخيم ديون المؤسسات العمومية.