يعيش المسجد الأقصى ومدينة القدس أحداثًا ساخنة منذ مدة، لكنها تتصاعد بشكل مخيف في ظل صمت عربي مطبق، حيث إن تزامن الموجة غير المسبوقة لتصعيد انتهاكاته ضد المسجد الأقصى منذ الأحد، متزامنة مع الذكرى ال22 لاتفاقيات أوسلو التي أجّلت التفاوض حول وضعية القدس لخمس سنوات تؤكد أن هذا الهجوم الشرس غير بريء، فاقتحام المسجد وإحداث تخريب واسع النطاق فيه، ومحاولة حرقه، وإصابة العشرات من الفلسطينيين والمرابطين، وسحب الدخان الأسود المتصاعدة من داخل الأقصى وحجم التخريب والدمار الذي خلفه جنود الاحتلال، كلها أعادت إلى ذاكرة المقدسيين الحريق الضخم الذي أتى على أجزاء كبيرة منه في 21 أوت 1969 حين أضرم أسترالي يهودي النار فيه، لكن مع فارق جوهري، إذ لم يعد تخريب وحرق الأقصى يتصدر الأولويات العربية كما كان في ذلك الوقت. نظرية التزامن غير البريء إن صحّت بين الذكرى واعتداءات يوم الأحد قبل ساعات من بدء الاحتفالات بعيد رأس السنة العبرية، فإنّ الهدف من ورائها هو حسم الاحتلال أن السيادة على القدس شأن إسرائيلي حصري، وأن تل أبيب مصممة على التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، وعلى منع المرابطين من التواجد فيه، والمجاهرة بأن حكومة الدولة العبرية تتحكم بمفاتيح المسجد الأقصى؛ أي أنها صاحب القرار بحق العبادة حتى، على حد تعبير الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، الذي وصفه بأنه اعتداء جماعي لم تتوان خلاله قوات الاحتلال عن إطلاق رصاصها المطاطي وقنابل الغاز والصوت داخل المسجد القبلي مشهد الأحد الأسود كانت بدايته مع اقتحام أكثر من 150 مستوطنا، على رأسهم وزير الزراعة أوري أرائيل المسجد، لتأدية طقوس خاصة قرب باب الرحمة داخل المسجد، في مؤشر على سياسة جديدة ضد الأقصى والمرابطين فيه، بعد قرار وزير الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون بحظر مصاطب العلم والإعلان عن المرابطين كتنظيمات غير قانونية. اعتداء جماعي لم تتوان خلاله قوات الاحتلال عن إطلاق رصاصها المطاطي وقنابل الغاز والصوت داخل المسجد القبلي متسببة بعشرات الإصابات وإلحاق أضرار فادحة في نوافذه ومنشآته. ووصلت حصيلة الاقتحامات حتى ساعات الظهر، إلى إصابة أكثر من 110 فلسطينيين، بينهم حراس الأقصى وثلاثة مصورين صحافيين. تحت غطاء المفاوضات المباشرة واتفاقية أوسلو، أجهزت إسرائيل على القدس الشرقية، ولم يعد بمقدور الفلسطينيين المقيمين فيها التصدي للاحتلال ومستوطنيه، حيث يعيش في القدس الشرقية 250 ألف مستوطن، وأقامت حكومة الاحتلال 18 مستوطنة، غالبيتها العظمى بعد أوسلو، حيث إنه ومنذ اتفاقية أوسلو، والاستيطان يسير بوتيرة مطردة في القدس، كذلك التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، فضلاً عن تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى تحديداً، الذي بدأ الإسرائيليون يقصدونه للصلاة قبل سنوات عديدة، رغم أن فترة أوسلو ثبتت واقع أن منطقة الصلاة بالنسبة لليهود تقتصر على "حائط البراق"، لكن الأمر تغير الآن بشكل جذري. إن عنف شرطة الاحتلال ووحشيتها ضد الأقصى والمسلمين يدخل المنطقة برمتها في مرحلة جديدة، تشير معالمها إلى غلبة منطق القمع والغطرسة وفرض التقسيم الزماني على الأقصى كمقدمة للتقسيم المكاني بين المسلمين واليهود، حيث تواصل مستوطنون وجمعيات صهيونية متطرفة باقتحام ساحات المسجد بعد إقرار حكومة الاحتلال لمشاريع استيطانية وتهويدية جديدة في القدس من جهة، وما بين تصدي المصلين والمرابطين لهذه الاعتداءات ومحاولتهم وقف المخططات الإسرائيلية الساعية لتهويد المدينة وإفقاد المسجد لقداسته لدى المسلمين من جهة أخرى. مشروع "بيت شطرواس" التهويدي يحول المسجد الأقصى إلى حمامات لليهود نشرت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" منذ أشهر، تقريرا مفاده أن الاحتلال الإسرائيلي حوّل عددا من المعالم والعقارات الإسلامية التاريخية العريقة في منطقة "جسر أم البنات" "ضمن منطقة حي باب المغاربة" الواقعة على بعد نحو 50 متراً غربي المسجد الأقصى إلى حمّامات عامة لليهود والسياح الأجانب الذين يرتادون منطقة ساحة البراق، التي يستعملها الاحتلال كساحة للصلوات اليهودية، بعد أن تم هدم حارة المغاربة عام 1967م، وأوضحت المؤسسة أن هذه الحمامات ومرافقها تأتي ضمن مشروع "بيت شطراوس" التهويدي، الذي ما زال الاحتلال يعمل به وأنجز مراحل منه، ويواصل هذه الأيام العمل به بوتيرة عالية وتسارع لافت. وذكرت المؤسسة أن أذرع الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بما يسمى ب "صندوق إرث المبكى"- شركة حكومية تابعة مباشرة لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي-، أعلنت عن الانتهاء من بناء عشرات وحدات الحمامات المتنوعة لمختلف الاستعمالات، ولجميع الأجيال، وافتتاحها أمام الجمهور، وذلك في المنطقة المعروفة تاريخياً بجسر أم البنات، وهي المنطقة الواقعة غربي المسجد الأقصى قريبا من حائط البراق، وتحتوي المنطقة على عشرات الأبنية والعقارات التاريخية والوقفيات، من فترات إسلامية متعاقبة، منذ الفترة الأموية وحتى الفترة العثمانية، ومن أبرز المعالم فيها من الفترة المملوكية، وكانت هذه الأبنية تقع ضمن حي المغاربة التاريخي. وأضافت المؤسسة أن الاحتلال بدأ قبل نحو سنتين ببناء مشروع "بيت شطراوس" التهويدي، الذي كشفت عن تفاصيله بالخرائط والوثائق حينها "مؤسسة الأقصى- الذي يتخلل بناء مئات وحدات الحمامات، وكنيس يهودي، ومركز تلمودي، وقاعات عرض، ومركز شرطي عملياتي متقدم، ومكاتب إدارية، وغرف تشغيلية وفناء استقبال واسع، وغيرها، وأنجز في هذه الأيام بناء وحدات الحمامات أو أغلبها، ويواصل العمل في باقي تفاصيل المشروع. واعتبرت "مؤسسة الأقصى" تحويل هذه الأبنية التاريخية العريقة، إلى حمامات وغيرها من الاستعمالات، جريمة بحق الآثار والتاريخ والحضارة، واستهتاراً بهذه المعالم الإسلامية الوقفية العريقة، التي يجب أن تحفظ وتُصان وفق القوانين والأعراف الدولية، وطالبت المؤسسة الدول والهيئات الإسلامية والعربية بالتصدي لمثل هذه الجرائم التي يُعاقب عليها القانون الدولي. احتلال يصعّد وبحدة أكبر استهداف للمسجد الأقصى وما حوله قالت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في تقرير لها بتاريخ 1 /10 / 2014، إن الاحتلال الإسرائيلي صعّد وبحدة أكبر استهداف المسجد الأقصى المبارك ومحيطه القريب وذلك على مستوى اقتحامات المستوطنين والجماعات اليهودية وعناصر احتلالية أخرى، بدعم من مجموع أذرع الاحتلال، خاصة السياسية والأمنية منها، وذلك بالتزامن مع منع المصلين من النساء والرجال في كثير من الأحيان من دخول الأقصى، بل تنظيم حملة إبعادات عنه لمدد تتراوح بين الأسبوعين والشهرين، وملاحقة النشطاء والمؤسسات أبرزها إغلاق "مؤسسة عمارة الأقصى والمقدسات" وحظر نشاطها، كل ذلك في محاولة لتفريغ المسجد الأقصى من المصلين أو تقليل التواجد فيه، بهدف فرض أمر واقع جديد، ومحاولة تثبيت وجود شبه يومي يهودي في الأقصى، ضمن مخطط التقسيم الزماني والمكاني، كما شهد العام تطوراً خطيرا ً باستهداف الوقف والمقابر الإسلامية حول المسجد الأقصى، وتحويل أجزاء منها إلى مقابر يهودية وهمية، بالتزامن مع توسيع وتعميق رقعة الحفريات والأنفاق أسفل وفي محيط المسجد الأقصى، ضمن مخطط تهويد المحيط الملاصق له. 1615 مستوطناً وعنصراً احتلالياً اقتحموا ودنسوا من ضمنهم وزراء سجلت "مؤسسة الأقصى" في تقرير أعدته عام 2014 بمساعدة شهود عيان يكررون تواجدهم اليومي في المسجد الأقصى، 1615 مستوطناً وعنصراً احتلالياً اقتحم ودنس المسجد الأقصى خلال شهر سبتمبر، بينهم 119 عنصر مخابرات، 154 مجندا ومجندة بلباس عسكري ضمن برنامج "الإرشاد والاستكشاف العسكري"، و1340 مستوطنا وأفرادا ينتمون إلى الجماعات اليهودية، واستنادا للتقرير فإنه كان من أبرز المقتحمين وزير الاستيطان "أوري اريئيل" ووزير الشرٍطة" يستحاق أهرونوفيتس"-"أشرف بنفسه على عمليات الاقتحام والاعتداء على المصلين". فيما كانت أحداث اقتحام 24 / 9 هي الأعنف، إذ استمرت المناوشات والتصدي للاقتحامات بضع ساعات، واستعمل فيها الاحتلال جملة من الأسلحة، من القنابل الصوتية والحارقة، والرصاص المطاطي المغلف بالمعدن، أوقع 30 إصابة داخل المسجد. كما سجل منذ عام قيام مستوطنة بشرب الخمر عند باب الرحمة خلال اقتحامها للمسجد الأقصى في المنطقة الشرقية.