الدكتور يوسف بلمهدي: من يرفض التصدق بلحم الأضحية مريض بالشح والبخل احتفل العاصميون بيومي عيد الأضحى المبارك، وسط امتزاج بين فرحة الأطفال "بالذبيحة" واستغناء بعض العائلات عن عادة طهي الدوارة والبوزلوف، بينما غلاء ثمن الكبش أجبر بعض العائلات على عدم التصدق بثلث الأضحية وإهداء الثلث الآخر وفق ما ينص عليه الشرع... فيما تحولت مختلف الشوارع والأحياء إلى مفرغة عمومية لمخلفات الأضحية التي ترمى بطريقة عشوائية، بينما دفنت صلة الرحم في مقبرتي ال"الأس أم أس" و"الفايسبوك". الرمي العشوائي لمخلفات الذبائح شوه وجه العاصمة شهدت العديد من الأحياء والمناطق بالعاصمة حالة مزرية لما عرفته من رمي عشوائي للقمامة التي أصبح الوقوف بجانبها من المستحيلات من تراكم الفضلات والرائحة المنبعثة منها، مما جعل المواطن متذمرا من الوضعية التي آلت إليها الأحياء وعدم رفع هذه الفضلات من طرف عمال النظافة بسرعة، في الوقت الذي بلغت حالة الاستياء ذروتها لدى عمال النظافة جراء الرمي العشوائي لفضلات الأضاحي في شوارع العاصمة وعدم وضعها في أكياس خاصة برمي القمامة، حيث غرقت أحياء العاصمة وضواحيها خلال عيد الأضحى المبارك في القمامة والأوساخ، وخلال الجولة التي قادتنا إلى العديد من المناطق خلال العيد وقفنا عند تلك الفضلات والأوساخ المتناثرة هنا وهناك، حيث كانت النفايات المتراكمة أمام مكان رمي الفضلات وفوق الأرصفة المخصصة للمارة وعلى جوانب الطرقات وفي كل مكان، ناهيك عن "الهيدورة" التي أحدثت حالة فوضى كبيرة بالأحياء نتيجة إقدام بعض العائلات على رميها بصفة عشوائية في الشوارع، إلى جانب رمي "الدوارة والبوزلوف" من طرف بعض العائلات التي تقطن في الأحياء الراقية بحيدرة وسعيد حمدين، وعدم طهيها رغم أنها من الأكلات المفضلة لدى الجزائريين منذ القدم رغم ما تتطلبانه من عناء في تنظيفهما، ولكن في وقتنا هذا أصبحت بعض السيدات يستغنين عنهما إما لصعوبة تنظيفهما وإما لبعض الشكليات كونهن يَعَفن أكلها، أما "الهيدورة" فبعد أن كانت تستعمل للزينة أصبحت ترمى في الشارع. في الوقت الذي قررت فيه بعض العائلات بيعها للموالين وبائعي الصوف. ولم تسلم بلدية القبة من جهتها من الظاهرة، حيث وقفنا في جولتنا على أكياس نفايات ضخمة وعدد كبير من صوف الكباش وبعض أعضائها على غرار "البوزلوف" و"الأمعاء" مرمية على أطراف الشوارع، في انتظار إزالتها من طرف عمال مؤسسة النظافة "نات كوم"، حيث أثار هذا التراكم الرهيب للفضلات، استياء السكان الذين لم يتمكنوا من التجوال بكل أريحية في الشوارع. وتساءل العديد من المواطنين عن دور شركات النظافة في مثل هذه المناسبات الهامة في السهر على نظافة الأحياء والشوارع، محمليهم مسؤولية هذه الحالة المزرية التي آلت إليها الشوارع خلال العيد الأضحى، تأخر مرور أعوان النظافة لليوم الثاني من عيد الأضحى في العديد من بلديات العاصمة أنقذه تطوع الشباب لتنظيف أحيائهم، وفي صور تضامنية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، حيث هبّ العشرات من شباب أحياء بعض بلديات العاصمة في حملات تطوعية لتنظيف الأحياء من مخلفات عمليات النحر، لاسيما التي تمت فيها عمليات ذبح الأضاحي جماعيا بين الجيران بالشوارع والساحات العمومية. عمال ناتكوم يحمّلون المواطنين مسؤولية غرق العاصمة في مخلفات الأضاحي وخلال الجولة التي قادتنا إلى شوارع العاصمة في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، التقينا بعمال النظافة في أحد أحياء بلدية القبة الذين وجدناهم في حالة من التذمر والاستياء بسبب الرمي العشوائي من طرف المواطنين لفضلات الكباش ومن الأعضاء التي لا يحتاجونها ومن أمعاء، مما صعّب من مهمتهم خلال العيد، موضحين بأنه يجب أن يكون هناك تعاون معهم من طرف المواطن عند رمي هذه الأوساخ من أجل تسهيل المهمة من جهة ولإبقاء الحي نظيفا وجميلا. وفي وقت تحولت فيه العديد من شوارع العاصمة إلى مزابل مفتوحة بسبب مخلفات الذبح، وكذا بالأماكن التي عرفت تواجد الكباش خلال الأيام التي سبقت عيد الأضحى المبارك، قلل من حجم هذه الفضلات تطوع العديد من شباب أحياء العاصمة في حملات لتنظيف أحيائهم من بقايا عمليات ذبح الأضاحي خاصة بالساحات التي عرفت عمليات النحر، في وقت تأخر فيه مرور أعوان النظافة إلى اليوم الثاني من العيد، في عدد من البلديات. أحياء تتحول إلى مذابح جماعية وطوابير أمام الجزارين من أجل "تقطيع الكبش" تحولت العديد من أحياء العاصمة إلى مذابح جماعية، حيث لم يفوت بعض الجزارين أو كل من يعرف أصول الذبح فرصة الربح، فبعد أن كان الجميع يتعاونون على ذبح كباش كل الجيران، صار كل واحد يذبح كبشا أو اثنين، ومن لا يعرف فعليه جلب جزار حسب ما أكده بعض المواطنين مقابل مبلغ مالي معتبر. من جهة أخرى، شهدت بعض الأحياء العاصمية طوابير أمام محلات الجزارين في ثاني أيام العيد بغرض تقطيع كبش العيد بعدما أخذوا موعدا مسبقا، تقول غنية "زوجي لا يعرف كيف يذبح ولا حتى كيف يقطع الكبش، لذا أفضل جلب من يحترف ذلك". حيث عرف جزارو حي الشعايبية ببلدية أولاد السبل بالعاصمة طوابير طويلة أمام الجزارين الذين فتحوا محلاتهم في الصباح الباكر أمام الزبائن الذين أخذوا موعدا مسبقا مع الجزارين مقابل تقطيع الكبش، وحسب أحد الجزارين فإن مبلغ تقطيع اللحم يكون حسب حجم الكبش ونوعية الزبون، فمثلا الكبش المقتنى ثلاثون وأربعون ألف دينار جزائري، ليس كثمن الأضحية التي بلغ سعرها 50 أو 60 ألف دينار جزائري، ويتراوح ثمن التقطيع حسب الجزار ما بين الثلاثة آلاف إلى الخمسة آلاف دينار جزائري، كما يراعي الجزار -حسبه- نوعية الزبون فسعر "تقطيع الكبش للزوالي "ليس كتقطيعه للزبون الغني وبعد أن كانت الأسرة تجتمع حول كبش العيد في جو عائلي حميمي لتقطيع الأضحية والتصدق وتشويط البوزلوف وغسل الدوراة، تراجعت هذه المظاهر بشكل كبير ليحول الكبش إلى الجزار، بينما تلجأ بعض النسوة إلى الاستعانة بالخادمات لغسل الدوراة مقابل مبلغ مالي فيما تقوم عائلات أخرى برميها لتقضي على نكهة العيد. عائلات ترفض التصدق بثلث الكبش وأخرى تشتري أجهزة إلكترونية بدل الأضحية؟ ظاهرة غريبة استفحلت عند بعض العائلات العاصمية، وغيبت قيمة أجر الأضحية والنحر، حيث حلّ تغيير بعض الأجهزة الإلكترونية أو الأثاث بالمنزل محل شراء الأضحية نظرا إلى غلائها ونظرا إلى تعمم فكرة شراء شيء ملموس تنتفع منه العائلة أفضل من دفع ثمن 60 ألف دينار جزائري في أضحية تصدق وتهدي ثلثيها، وهنا أكد الدكتور يوسف بلمهدي في اتصال ب"البلاد" أن المسلم إنّما يفعل ذلك طلبا للأجر والثواب وسعيًا وراء الرضى والظفر بالآخرة والفوز بالجنة، وأنه إذا ضحى كان قد فعل أعظم عمل صالح في يوم النحر "يوم العيد"، ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْر، أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا" رواه الترمذي. وإنه مهما كانت الأضحية سليمة وصحيحة كثيرة اللحم -وهي حينئذ غالية الثمن بلا شك- تكون أكثر نفعًا لصاحبها وأعظم أجرًا ومثوبةً، فالذي يطلب هذا الأجر وهذا الثواب لا يلتفت إلى سعر أو ثمن، ولا لحاجة من حوائج الدنيا الفانية، فكيف يقول أحدهم: أنا لا أشتري كبش العيد، وإنما أشتري بعض لوازم البيت أو غيرها؟!. من جهة ثانية، هناك ظاهرة غريبة دخلت مجتمعنا المسلم، وهو ما تبين خلال الاستطلاع الذي قمنا به في مختلف أحياء العاصمة بخصوص طريقة التصدق بالأضحية، وكانت بعض الإجابات صادمة مثل إحدى السيدات التي قالت "الصدقة تجوز في أولادي، كيف أشتري أضحية بمبلغ 55 ألف دينار جزائري وما يصحلي والو منها"، فيما كان تصريح غالبيتهم أن كل شيء تغير في مجتمعنا الجزائري وحتى لصدقة العيد بسبب غلاء المعيشة وعدم استطاعة جل العائلات الجزائرية اقتناء اللحم باقي الأشهر، وفي هذا الشق، أكد الدكتور يوسف بلمهدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت حاجته" رواه الطبراني، فإذا ذبح المسلم أضحيته فإنه يسن له لأن يأكل منها تقربًا إلى الله وهو مأجور على هذا الأكل وأن يتصدق ويدخر كما في الحديث "كلوا وأطعموا وادخروا"، لذا قال العلماء من الأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث، وهو بهذا قد استفاد وأفاد وانتفع ونفع، وقد يهدي من أضحيته للأقارب والأهل ويتلقى هو أيضًا هدايا منهم، وليست العبرة بالأكل والشبع لكن المقصد الأساس هو إزالة الأحقاد بهذه الهدية وتوطيد أواصر الأخوة في المجتمع ومدّ يد العون للفقراء، وفي الحديث "تهادوا تحابوا"، وفي الحديث أيضا "الهدية تذهب وَحَر الصدر"، ومن العجب أن يقول أحدهم: كيف أشتري الأضحية غالية مكلفة ثم أتصدق بها على الفقراء؟، مثل هذا مريض بالشح والبخل يجب أن يتداوى منهما "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" سورة الحشر: 9، "وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ" سورة محمد: 38. ولو تأمل جيدا أن الثلث الذي يتصدق به فهو الباقي في الحقيقة لأنه يجده عند الله، وقد تصدقت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها مرة بشاة واستبقت ذراعًا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "كم بقي من الشاة يا عائشة؟" قالت رضي الله عنها: "تصدقت بجميعها وبقي الذراع"، فقال صلى الله عليه وسلم: "بل قولي بقيت كلها إلاّ الذراع". صلة الرحم تقبر بين "الأس أم أس" و"الفايسبوك" من المظاهر التي اعتاد العاصميون عليها هي التغافر والتهاني بالعيد عن طريق الرسائل الهاتفية والمواقع الإلكترونية، بدل زيارة الأقارب في منازلهم مما أثر سلبا على صلة الرحم، تقول خالتي فاطمة "في القدم كان الصغير يزور الكبير في العائلة لأجل تهنئته بالعيد ولتكبير شانه، وطمعا في الأجر، إلا أن نكهة العيد اختفت في وقتنا الحالي بسبب الرسائل الهاتفية والمواقع الإلكترونية، فالكل يتغافر ويتراحم عن طريق الهاتف والفايسبوك، إلا من رحم ربي". وهنا أجاب الدكتور يوسف بلمهدي أن التهنئة بالعيد سنة وقولنا "تقبل الله منا ومنكم" رغيبة مأثورة ومن الكلام الطيب المحبب في مثل هذه المناسبات، ويسّن فعل ذلك على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين، ويكون أوّكد للأقارب والأهل الذين تجب صلتهم. وصلة الرحم واجبة خاصة في مثل هذه المناسبات المباركة، أما طرق الصلة وسبلها فمتروكة على التيسير دون عنت أو حرج، فالزيارة الممكنة أفضل والتنقل إلى الأهل إذا كان متاحا هو خير وأبقى، فإن لم يتح ذلك فبأي طريقة تدخل السرور وتوطد العلائق وتزيد المودة كالرسالة والهاتف وغيرها من الوسائط المتاحة اليوم مادام يحقق الغرض والمقصد الشرعي، المهم أن لا نترك التواصل وسقي شجرة الرحم ولو بنظام التقطير كما يقال.