يطرح مشروع قانون ''المجلس الوطني للثقافة والفنون'' الذي ستعرضه وزيرة الثقافة خليدة تومي قريبا على الحكومة للمصادقة عليه وتفعيله ميدانيا، العديد من الأسئلة حول الدور المنتظر من الهيئة الجديدة، خصوصا فيما يتعلق بوضعية الفنان في الجزائر التي لا يختلف اثنان على أنها تبعث على القلق حتى لا نقول ''كارثية''، وذلك في ظل افتقار الفنان الجزائري، على اختلاف المجالات التي يبدع فيها، إلى قانون أساسي يحدد ماهيته بالدرجة الأولى، ويحمي حقوقه ويحدد واجباته، إلى جانب توفير تغطية اجتماعية له، على غرار المشتغلين في باقي المهن إن أخذنا بعين الاعتبار أن غالبية الفنانين الجزائريين يتخذون من نشاطهم الإبداعي مصدر رزقهم الوحيد. وفي الوقت الذي تشير فيه خليدة تومي إلى أن المجلس الجديد من شأنه إعادة الاعتبار إلى الفنان الجزائري من جميع النواحي، وحل مشاكلهم ومنحهم ''بطاقة مهنية'' تضمن لهم تغطية من طرف مؤسسة الضمان الاجتماعي، لا يزال الحال على ماهو عليه رغم الوعود الكثيرة التي تلقاها الفنانون الجزائريون في مناسبات عديدة. ونسجل في هذا الإطار أن الفنان في مجتمعنا يعاني بالدرجة الأولى من إشكالية عدم الاعتراف بفنه وعمله الذي يعتبر ''ترفيها'' و''كماليات'' في وقت يصنف ضمن القطاعات المنتجة في دول الجوار كالمغرب وتونس التي ينافس النشاط الفني فيهما قطاع السياحة من خلال إقامة العديد من المهرجانات التي تضمن نشاطا دائما للفنانين عكس الموسمية التي تتميز بها المهرجانات في الجزائر.وإلى جانب هذا، يبرز مشكل التكوين، حيث نسجل أن غالبية الفنانين باستثناء الجيل الجديد، عصاميو التكوين على غرار الفنانة الكبيرة الراحلة عائشة عجوري ''كلثوم'' وعبد النور شلوش ومحمد عجايمي وفتيحة بربار وبهية راشدي والفنان التشكيلي الطاهر ومان وغالبية مطربي الأغنية الشعبية، فيما تلقى أشهر المخرجين تكوينا في المدارس الفرنسية والروسية. وفي السياق ذاته، تمتلك الجزائر بعض المدارس الفنية العليا التي تفتقر إلى الآليات الحديثة للتسيير وتمنح شهادات للطلبة لا يتعرف بها ميدانيا. والغريب في الأمر أن المعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري المعروف ب''معهد برج الكيفان''، ومقره العاصمة، يعد من أولى المعاهد على المستوى العربي، حيث تأسس سنة ,1967 بمعنى أن الجزائر تقدمت في ذلك على سوريا، رائدة المسرح العربي، حيث لم تؤسس معهدا من هذا النوع إلا سنة ,1971 غير أن المعهد الجزائري يوفر حاليا تكوينا مدته ثلاث سنوات فقط يتخرج الطالب الفنان بعدها بشهادة ''تقني سامي''، الأمر الذي لم يحدث في أي من دول العالم، وذلك بعدما كان يضمن تكوينا مدته خمس سنوات بالنسبة للمخرجين والنقاد، وأربع سنوات بالنسبة للممثلين. وأكثر من ذلك أن ''معهد برج الكيفان'' شهد في السنوات الأخيرة مع إعادة هيكلته، تغييب العديد من التخصصات الهامة على غرار النقد المسرحي والسينمائي وفنون الإخراج و''الكوريغرافيا''، أي تصميم الرقصات، و''السينوغرافيا''. فنانونا يلتقون في المواسم أو جنائز زملائهم من بين المشاكل التي يعاني منها الفنان الجزائري، قضية ''المكان'' أو ''الفضاء''، ففي حين يلتقي فنانو مصر وسوريا والأردن وباقي الدول العربية، مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، في فضاءات مخصصة أو نقابات موسيقية ومسرحية لدراسة موضوع ما أو مناقشة قضاياهم وتحضير مشاريع جديدة فيما بينهم، يفتقر الفنان الجزائري إلى مثل هذه الفضاءات، حيث تقتصر لقاءات الفنانين ببعضهم في التظاهرات المختلفة أو في الجنائز حين يرحل هذا الفنان أو ذاك، وهذا إلى جانب غياب نقابات خاصة بعدما ظهرت لتختفي فجأة دون سابق إنذار، في حين فشلت بعض المحاولات لتأسيس نقابات ناشطة على مستوى المسرح، وماهو موجود حاليا يسمى ''اللجنة الفنية''، أما النقابة الوطنية للفنانين، فقد برزت دعوات لخروجها من عباءة الاتحاد العام للعمال الجزائريين ''المركزية النقابية'' كون الأخيرة لا تحمل أي صبغة فنية. هل يحتاج الفنان إلى قانون؟ يعتقد المدير الفني للمسرح الوطني الجزائري والمدير السابق ل''معهد برج الكيفان'' لمهن العرض والسمعي البصري إبراهيم نوال، أن فكرة القانون من شأنها ''تقييد الفنان والحد من حريته من خلال وضعه في إطار معين''، مضيفا أن صفة الفنان وتقييم أعماله والحكم عليها وحتى حمايته والحفاظ عليه، هي من مهام الجمهور بالدرجة الأولى، أما بخصوص الجوانب الاجتماعية، فعلى الفنانين التكتل في شكل نقابات وتعاضديات للدفاع عن حقوقهم وتحديد واجباتهم من خلال ميثاق لأخلاقيات المهنة يحدد ماهية الفنان. ويتفق كلام نوال إلى حد ما مع تصريحات سابقة لوزيرة الثقافة خليدة تومي التي سئلت عن أسباب التأخر في صياغة قانون الفنان أو استحداث هيئة تضمن حقوقه، فقالت إنها لم تجد ممثلين عن الفنانين للتشاور معهم حول الأمر في ظل غياب هيئات تمثلهم ونقابات تجمعهم وتطرح انشغالاتهم وتطلعاتهم على الوصاية.مشروع مجلس الثقافة والفنون في أعين الفنانين الجزائريين تباينت آراء مختلف الفنانين الذين استطلعت ''البلاد'' انطباعاتهم حول مشروع إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون بين متفائل ومتخوف من أن يكون الأمر مجرد قانون يبقى حبرا على ورق دون تفعيله في الميدان. وبين هذا وذاك، أجمع هؤلاء على أن استحداث هيئة بهذا الشكل، من شأنه إعادة الاعتبار للفنان الجزائري الذي يعاني الأمرين في ظل غياب قانون أساسي يحميه. سميرة صحراوي الفنان والمتشرد في الجزائر سواء ولا أصدق الوعود اعتبرت الفنانة سميرة صحراوي في حديث ل''البلاد'' أن المشروع الذي بادرت به وزارة الثقافة المتعلق بتأسيس مجلس وطني للثقافة والفنون يختص بمنح بطاقة مهنية للفنان ومتابعة شؤونه الاجتماعية، مجرد وعد يضاف إلى قائمة الوعود الكثيرة التي تعود الفنان الجزائري أن يسمع عنها في مختلف المناسبات، مؤكدة أنها لم تعد تصدق كل ما يقال أو يصدر من قرارات تتعلق بتحسين وضعية الفنان الجزائري الذي بات، حسبها، يشبه ''المتشرد'' إلى حد كبير في ظل غياب نقابات فنية وعدم امتلاكه لبطاقة مهنية تحدد هويته ''الفنان في الجزائر والمتشرد شئ واحد، ومن العيب أن نصل إلى عام 2010 دون أن يكون للفنان بطاقة مهنية''. وأوضحت محدثتنا أنها حتى وإن صدقت ما سمعت عن قرار تحسين وضعية الفنان، فإن الوقت تأخر كثيرا بالنظر إلى التطور الملحوظ الذي وصلت إليه مختلف الدول العربية، حتى لا نقول الأجنبية فيما يتعلق بحقوق الفنان من خلال حصوله على منحة التقاعد والضمان الاجتماعي والبطاقة المهنية ووجود نقابات فنية رسمية تدافع عن حقوق فنانيها وامتيازات كثيرة أخرى لا يزال الفنان في الجزائر يفتقدها ويسمع عنها حتى ينساها أو يوارى التراب قبل أن يشهدها على أرض الواقع لأنها تبقى مجرد خطابات وقتية تضيع هباء، على حد قولها. ورفضت الفنانة سميرة صحراوي اعتبار النقابات الفنية التابعة للمسارح نقابات رسمية؛ كونها تسير وفقا لضغوطات وبناء على تعليمات تعيق وظيفتها الأساسية التي تتعلق بحماية حقوق الفنان كونها لا تملك مميزات النقابات الفنية التي تتمتع بالحرية المطلقة في تسيير شؤون الفنانين. محمد حازورلي ''أخيرا.. وضعت تومي يدها على الجرح'' كانت فرحة المخرج محمد حازورلي كبيرة لدى سماعه بمشروع إنشاء مجلس وطني للثقافة والفنون يختص بمنح الفنانين الجزائريين بطاقة فنية تكون بمثابة هوية لهم؛ معتبرا الأمر خطوة هامة لم تخطها وزارة الثقافة منذ عشرات السنين ''وأخيرا وضعت الوزارة يدها على الجرح.. صدقوني هذا أحسن خبر سمعته في عام ,2010 وهذا ماكنا نبحث عنه منذ زمن''. واعتبر صاحب السلسلة الفكاهية ''أعصاب وأوتار'' المشروع الجديد بمثابة الحصانة التي ستجعل الفنانين؛ مخرجين كانوا أو ممثلين أو مطربين أو موسيقيين، يعملون في جو من الثقة والطمأنينة دون تخوف من المستقبل في ظل إرادة سياسية حقيقية، مضيفا أن الفنان الجزائري ظل لعدة سنوات يعمل بدون قاعدة ولبنة أساسية تضمن حقوقه في غياب النقابات وجهات حقيقية تعمل على ضمان حقوقه، لينتهي المطاف بكثيرين إلى مفارقة الحياة دون التمتع بأبسط حقوقهم. واقترح المخرج محمد حازورلي أن يدعو هذا المجلس المنتظر كافة الفنانين الجزائريين للقائهم من أجل مناقشة قضاياهم بعد أن يختار أعضاءه منهم بمعايير التقدمية والتفاني في خدمة الفن في الجزائر. لمين مرباح علينا إنشاء نقابة للفنانين قبل التفكير في مجلس وطني دعا رئيس جمعية المخرجين الجزائريين لمين مرباح إلى تأسيس نقابة وطنية للفنانين قبل التفكير في إنشاء مجلس وطني للثقافة والفنون، تختص بمشاكلهم وانشغالاتهم قبل أن يتوجهوا إلى هذا المجلس الذي حتى لو نصب غدا، يقول محدثنا، فلن يتمكن من تحقيق غايته بين ليلة وضحاها لأن هذا المشروع الذي اقترحته وزارة الثقافة هو مطلب الفنانين الجزائريين منذ عشرات السنين ''أمام هذا المجلس أكثر من 3 سنوات ليتمكن من تحقيق مهامه''. واقترح مرباح تشكيل لجان تابعة لهذا المجلس من أجل دراسة الحالات والوضعيات المهنية والاجتماعية للفنانين من خلال وضع مقاييس مضبوطة وثابتة يمكن على أساسها تحديد الفنانين ومنحهم بطاقات فنية بناء على الأقدمية والرصيد الفني والمستوى الثقافي• من ناحية أخرى، اعتبر المخرج لمين مرباح أن الأمر سيكون أكثر صعوبة بالنسبة للممثلين والمطربين، حيث يتوجب القيام بتحريات خاصة للتأكد من أحقية هؤلاء ببطاقات فنية، أما المخرجون فهم أشخاص معروفون بأعمالهم، وسيكون الأمر أكثر سهولة بالنسبة إليهم، على حد قوله. عبد النور شلوش علينا اختيار أعضاء المجلس بشفافية ودون محسوبية اعتبر الفنان عبد النور شلوش مشروع وزارة الثقافة لإنشاء مجلس وطني للثقافة والفنون مجرد كلام أو نوايا لا يمكن أن يحكم عليها الآن، ومع هذا يأمل في أن يختار هذا المجلس أعضاءه من فنانين ومثقفين أكفاء؛ بناء على التقسيم الجغرافي وأحقية كل فنان من مختلف ربوع الوطن، في المشاركة في هذا المجلس دون أن يقتصر الأمر على فنانين من العاصمة ''أنا أرفض المحسوبية والتهميش وإقصاء المثقفين المعربين''، مضيفا أنه لم يستفد منذ أن بدأ مشواره الفني من أي تظاهرة ثقافية نظمتها وزارة الثقافة، وأن مشاركته في تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية كان على مضض في ظل غياب فنانين قادرين على تجسيد الأدوار التاريخية والدينية بالعربية الفصيحة، على حد تعبيره.