خلفت حادثة تحرش جماعي وقعت أثناء احتفالات رأس السنة بمدينة كولونيا صدمة واسعة بالمجتمع الألماني، وتعالت التحذيرات المتخوفة من اتهام عرب بالضلوع في هذه الجريمة بما يشكله تأثيرات ذلك على التعايش السلمي في البلاد، وعلى وضع اللاجئين. وأطلقت الحادثة -التي وقعت بمحطة القطارات المركزية بكولونيا غربي ألمانيا- وكشف عنها بعد بعد ثلاثة أيام من وقوعها، موجة شديدة من الغضب على الصعيد الاجتماعي والسياسي وجدل إعلامي غير مسبوق انتقل صداه بشكل حاد إلى شبكات التواصل الاجتماعي. وما زالت الكثير من ملابسات هذه الجريمة غير واضحة رغم إعلان الشرطة اشتباهها بستة عشر شخصا، واعتقالها اثنين منهم ثم إطلاق سراحهما، وكشفها أن معظم الاتهامات الموجهة للمشتبه بهم تتعلق بالسرقة. وذكرت بيانات لشرطة كولونيا -استنادا لرواية النساء الضحايا وشهود عيان- أن نحو ألف شخص مخمورين من أصحاب ملامح "شمال أفريقية أو عربية " قاموا بالتجمع ليلة رأس السنة بساحة محطة كولونيا، وبدؤوا بإطلاق الألعاب النارية والإحاطة بمجموعات النساء المحتفلات والتحرش بهن وسرقتهن. اتهامات وتهديدات وقالت الشرطة إنها تلقت 121 بلاغا من الضحايا ربعها يتعلق بتحرش جنسي وحالتين لاغتصاب والباقي سرقة، وأعقب إعلان شرطة كولونيا الكشف عن تحرشات جنسية مماثلة بهامبورغ شمالي ألمانيا وفرانكفورت بوسطها، وشتوتغارت بجنوبها. وندد سياسيون من مختلف الأحزاب -تصدرتهم المستشارة أنجيلا ميركل- بجرائم التحرش، وطالبوا بإنزال أشد عقوبة بالجناة وترحيلهم من البلاد إن ثبت أنهم من اللاجئين أو الأجانب. واعتبرت مالو درايا رئيسة حكومة ولاية راينلاندفالز أن تحرشات كولونيا أضرت بشدة بالتعايش المشترك بألمانيا. ودعا وزير العدل الألماني هايكو ماس للتحقيق باحتمال تنظيم حوادث التحرش المختلفة مما سماه جهة واحدة، وشدد ماس المعروف بهدوئه الشديد -في تصريحات صحفية- على ضرورة إنزال عقوبة مغلظة بالجناة الضالعين بهذه الجرائم، وأشار إلى أن ترحيل أي أجنبي شارك بالتحرش ليس مستبعدا. وطالب وزير الداخلية الألماني توماس ديميزير بفتح نقاش واسع حول ما جرى بكولونيا "بلا محظورات وبعيدا عن وضع اللاجئين بدائرة الاشتباه العام"، وطالب بتسهيل إجراءات ترحيل طالبي اللجوء المدانين بجنايات خطيرة. وزاد اتهام الشرطة لأصحاب "ملامح عربية وشمال أفريقية" بالضلوع بتحرشات كولونيا من حدة الجدل الدائر حول هذه الجريمة بمواقع التواصل الاجتماعي، ودعت وزيرة الأسرة الألمانية السابقة كريسيانا شرودر -على صفحتها في تويتر- "لكسر المحرمات بالنقاش حول العنف ضد النساء المشروع بالثقافة المسلمة". واعتبرت الناشطة النسوية الألمانية الشهيرة أليسا شفارتسر -على موقعها الشخصي- أن ما جرى بكولونيا "إرهاب بأيادي متحرشين معظمهم لاجئون أو أبناء مهاجرين يحلمون بالبطولة ونقل حروب بلدانهم لأوروبا". في المقابل استغرب مدونون ألمان اتساع الجدل الدائر حول حادثة التحرش الجماعي بشكل غير مسبوق، مقارنة بحوادث مشابهة جرت في مهرجان أكتوبر/تشرين الأول السنوي الشهير للبيرة في ميونيخ. توظيف يميني من جانبه عزا محاضر العلوم السياسية بجامعة كولونيا لؤي المدهون "حدة الغضب الحالية إلى حصول التحرش الجماعي بشكل منهجي غريب عن الواقع الألماني، واختلافه عن حوادث تحرش فردية تقع بأماكن عامة أو احتفالات شعبية من أشخاص مخمورين. وأوضح المدهون -في تصريحات للجزيرة نت- أن شدة الجدل الدائر حول تحرشات كولونيا ترتبط أيضا بسعي قوى سياسية ووسائل إعلام يمينية للاصطياد بالماء العكر، على حد قوله، وربط ما جرى باستقبال ألمانيا للاجئين وجذورهم الثقافية، وسعيهم لتحميل المستشارة أنجيلا ميركل مسؤولية ما حدث. وحذر من تحول حادثة التحرش الجماعي بكولونيا "لنقطة انقلاب بمزاج الشارع الألماني وموقفه المرحب باللاجئين، إذا لم تنجح أجهزة الأمن بتوضيح ملابسات ما جرى بسرعة". ولفت إلى أن تيارات اليمين المتطرف الرافضة لتحولات العقدين الأخيرين بالمجتمع الألماني وواقع تعدد الثقافات فيه تسعى لوضع كل المهاجرين ومسلمي ألمانيا تحت دائرة الاشتباه العام. من جانبه ندد مجلس الجالية التركية بألمانيا بحوادث التحرش الجماعي بأشد العبارات، معتبرا أن ما وقع بكولونيا جريمة تناهض التعايش السلمي والتعدد الثقافي والقيم الديمقراطية بالمجتمع الألماني. واعتبر رئيس المجلس غوكاي صوفو أوغلو في تصريح للجزيرة نت أن وضع اللاجئين بدائرة الاشتباه العام، يهدد بتفاقم حدة الاستقطاب بالمجتمع الألماني تجاه سياسة اللجوء، وتكريس الأحكام النمطية السلبية ضد اللاجئين والمهاجرين من ثقافات بعينها". المصدر : الجزيرة