بلغة الواثق والمؤمن والعارف بقيمة وحجم ووزن نفسه، ترفّع الوزير الأول أمام سيناتورات و''سانتورات'' الأمة عن الخوض في سفاسف الأمور وسفاسف ويكيليكس· وكما قالها في وقت سابق من المنبر نفسه بصوت و''سوط'' صادح فإن موقفه لم يتغير قيد أنملة، فالجزائر التي تنبأ لها ''أويحياها'' في عز أزمة انهيار الاقتصاد العالمي بأنها فوق التأثر والتأثير· والجزائر التي أقسم ذات الأويحيى بأنها ستهزم ''خنازير'' وطيور و''دجاج'' الأنفلونزا العالمية، اعتبرت على لسان الأويحيى نفسه أن ''ويكيليكس'' لا حدث، فنحن والحمد لأويحيى المتفائل والواثق والمؤمن بعظمة الجزائر فوق التأثر وفوق ''التعثر'' بما تناوله ''ويكيليكس'' اللعين، كشف أن نصف ساستنا عملاء وجواسيس و''بصاصون'' مقابل جرعة من كأس شاي أمريكي· كما كشف أن بعض سفرائنا خدومون جدا إذا ما كان المخدوم دولة بمكانة وعظمة إسرائيل··لا يختلف اثنان أو عشرة على أن أويحيى يمتلك مؤهلات الخطيب السياسي المحترف الذي يعرف من أين ''تمضغ'' و''تنكع'' الكتف، فالرجل حباه الله بقدرة غريبة على ''غلب'' الحقائق والتحكم فيها بما يخدم مساره وموقعه و''أحلامه'' الظاهرة منها والمستترة، وأكبر دليل على ''سحر'' أويحيى أن كل أحداث وزلازل وبراكين العالم تنتحر على أسوار لسانه، و كلنا يذكر نبوءة الرجل الصادقة حينما كان العالم يغرق جراء أزمة انهيار الاقتصاد العالمي التي هددت حتى استقرار أمريكا، ليقف الرجل ''الخارق'' شامخا وواثقا، ويعلن بملء ''سحره'' أمام ملأ مسحوريه، أن الجزائر فوق الأزمات العالمية مهما كان نوعها ومصدرها، ليكون ''السحر'' حليفه ونكتشف أن أويحيى لا ينطق عن الهوى، فنحن لم نتأثر بالأزمة العالمية والسبب الوجيه أننا نحن، وبكل فخر و''نخر''، أزمة الأزمات، فمن ليس في جعبته وفي ''جيبه'' شيء ومن لا يملك، فقد كفى نفسه شر الخوف من و''على'' ما هو غير موجود· لذلك فإن أويحيى كان محقا جدا في آخر ظهور له أمام أعضاء مجلس الأمة، حينما قلل من شأن ''ويكيليكس'' وتداعيات ما فضح من يوميات ساستنا ومن يوميات إدريس الجزائري سفيرنا الخدوم الذي داعب أحلام إسرائيل الكبرى بعرضه المجاني في أن يكون ''الخادم'' المطيع والأمين والوفي ليتجاوز معالي الوزير الأول· أثار الويكيليكس بالتكرم على أكلات ''الشعير'' من أغنام وخراف، رأى سيادة أويحيى أن من حقها على الحكومة أن تستعيد حصتها في ''كيلو'' شعير بدلا من ''رطل'' لم يعد يفي بغرض الجوع والجفاف العام الذي نعانيه جراء القفز على الأولويات بالكلام عن ''الشعير'' في زمن الويكيليكس الخانق··أن تدس النعامة رأسها في التراب فإن ذلك لا يعني أنها قد أخفت وحصنت ''مؤخرتها'' من لعبة الرمال العابثة بكل ما هو مكشوف و''عارٍ'' ومفضوح، والقفز على ما كشفه ويكيليكس من مهازل أبطالها سياسيون باعوا أنفسهم وأوطانهم في جلسة شاي، بالإضافة إلى سفير معتمد يمثل كرامة وعزة البلاد، يدفعنا دفعا لكي نقول لأويحي إن العطف على الأغنام برفع حصة علفها من رطل إلى ''كيلو'' شعير، لن يلغي مسؤولية الدولة في الضرب بيد من حديد على من تلاعب بمواقفها الثابتة، فليس معنى أن أويحيى يتقن فن الخطابة والقدرة على الإقناع أمام جمهور المصفقين والمعجبين، أن نمر مرور ''الصيام'' على فضائح هزت ساسة العالم وهددت عروشهم· فما كشفه ''ويكيليكس'' عن مغامرات سعيد سعدي، وعن خدمات إدريس الجزائري ليست أمورا عادية أو عابرة، ولكنها فضائح سياسية و''قانونية'' وجنائية، لا قدرة لأويحيى كوزير أول على تجاوزها بالكلام عن الشعير في زمن ''النفير'' الويكيليكسي''، فالقضية بشكلها الظاهر والخفي الذي نراه أكبر من أن نخفيها تحت شجرة التصريحات الموجه للعلف الإعلامي، فحينما نعرف أن رئيس حزب معتمد قد تسامر مع سفير دولة أجنبية وطلب منه ''المدد'' من خلال ''خوذة'' أو رونجاس أمريكي يجعل منه ''أنور مالكي'' جديدا، وحينما نعرف أن سفيرا جزائريا مرموق النسب قد مد يده لنووي إسرائيل على حساب نووي إيران، متجاوزا موقف ''دولته'' وشعبه وحكومته، حينما نعرف ونرى ونعلم ذلك فإن إخفاء النعامة لرأسها لا يعني أن ذيلها قد أمن عبث الزوابع· فيا سيادة أويحيى أنت خطيب جيد لكنك في حالة ''ويكيليكس'' مسؤول غير جيد، كونك نلت أجر ''الشعير'' حين عطفت على ''الماشية''، لكنك مررت مرور الكرام على من باع واستباح لحم الماشية في سوق ''العمالة'' العالمية·نهاية الأمر، أويحيى من موقعه كوزير أول يمتلك الحق الكامل والتام في العطف والتكرم والسخاء على ما يريد من أغنام سواء بزيادة حصتها في الشعير أو في ''الكيوي'' وحتى في لحم البقر الهندي إذا ثبت أنها تستطعمه· فالرجل مسؤول وخزائن الأرض بيديه وتحت صلاحية توقيعه، لكن ما لا يملكه أويحيى في حادثة ''ويكيليكس'' اللعينة، أن يعفو عما هو ''جرم'' قانوني بالتقليل من شأن فضيحة سعدي وفضيحة إدريس الجزائري· فالمفروض أن ''العدالة'' في هذه الحالة هي الحكم، لأن الدول التي تحترم نفسها لا يمكنها أن تختفي وراء مبررات واهية لتجاوز القانون السيد الذي يحكم العلاقات ويؤطر حياة الأشخاص بغض النظر و''الضرر'' عن مواقعهم أو مكانتهم السياسية أو الاجتماعية·· لذلك فإن ''الأغنام'' تشكر أويحيى على كرمه وعطفه، لكن دولة القانون تعيب عليه أنه أغلق ملفا ليس من صلاحياته ولكنه من صلاحيات العدالة التي تتابع شابا ''حرافا'' أراد أن يفر بنفسه إلى الضفة الأخرى وترمي به إلى السجن، فيما تقف متصنمة أمام من تآمر على ''الحرفة'' بوطن كامل لأن سيادته يمتلك حصانة سياسية أو حصانة دبلوماسية··