أطباء يطالبون بإلغاء قانون الخدمة المدنية ويشنون إضرابا مفتوحا أسفر عن تأجيل آلاف المواعيد الطبية وتعطيل العديد من العمليات الجراحية، معاناة كبيرة للمرضى في ولايات الجنوب والهضاب العليا والمناطق النائية جراء النقص الفادح في الأطباء الأخصائيين والجراحين الذين لا يتاجوز عددهم أصابع اليد الواحدة في بعض الولايات.. هذه الوضعية تجعل المواطن البسيط يدفع ثمن الفاتورة غاليا.. قد يكون ثمنها تدهورا صحيا أو تفككا أسريا أو معاناة اجتماعية، إذ يضطر معظمهم إلى قطع مسافات طويلة للبحث عن سبل العلاج في الشمال وجرعات من الأمل تنسيهم مآسي الحياة ومشاكل المستشفيات. ''البلاد'' سلطت الضوء على هذا المشكل واستقصت رأي أطراف المعادلة من أطباء ومرضى وإدارة. تساؤلات كثيرة وتناقض كبير توجهت ''البلاد'' إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي، حيث أصبحت ساحته محجا يوميا لعشرات الأطباء المقيمين المطالبين برفع شرط الخدمة المدنية، لتقف على خلفيات هذا المطلب والأسباب الحقيقية التي تقف وراء العزوف الملحوظ عن توجه الأطباء للعمل في ولايات الجنوب وبعض مناطق الهضاب العليا النائية، على الرغم من تصريحات وزير الصحة جمال ولد عباس الذي يتحدث عن إنجاز مئات العيادات المتعددة الخدمات وعشرات المنشآت من قاعات للعلاج ومراكز معالجة السرطان مرورا بأقسام التخصص في علاج أمراض الأطفال والأمهات ومراكز علاج القلب والكلى، دون الحديث عن عشرات التحفيزات التي تحدثت عنها الوصاية لفائدة الراغبين في التوجه لشغل مستشفيات وعيادات الجنوب. ربما جواب مقتضب من أحد الأطباء قد يفسر سر هذا التناقض بين جودة الوسائل ووفرة الإمكانات وبين تزايد نسبة الرافضين للعمل هناك.. (م.ب) طبيب مختص في الطب الداخلي وأحد مندوبي التكتل يقول ''منطق الأرقام الذي يعمل به الوزير لا علاقة له بالواقع إطلاقا''، وتأسف المتحدث لما يصدر عن الوزارة من اتهامات بأنهم يتخذون من المرضى رهائن لهم قائلا ''نحن الأدرى بمعاناتهم الحقيقية وليس المسؤولون''، وطالب الطبيب المذكور ولد عباس بتفسير استمرار توافد المرضى من الجنوب مع ما تم إنجازه من مشاريع كلفت الدولة الملايير. ''الجنوب'' حلم المهندسين.. وكابوس الأطباء! طلبات عمل ومسابقات يتهافت عليها المهندسون والاقتصاديون والإداريون.. شباب وشيوخ وحتى نساء يلجأون للمحسوبية والمحاباة للظفر بمنصب عمل ولو بسيط في مجال المحروقات بالصحراء غير آبهين لا بالمسافة الطويلة ولا بالحرارة الشديدة ولا حتى بمفارقة أهاليهم وأحيائهم التي نشأوا فيها.. فهل صحراؤهم غير صحراء الأطباء أم أن عزوف الأطباء عن الذهاب إلى الجنوب يرجع لأسباب أخرى؟ أرجع معظم الأطباء هذا الاختلاف الكبير في التعامل مع مشكلة العمل في الولايات الجنوبية إلى التحفيزات التي تقدمها الشركات العاملة في الجنوب للأطراف التي يتعاملون معها مثل المهندسين والإداريين وحتى أبسط الموظفين، خصوصا بالنسبة لأولئك العاملين في الحقول النفطية، فالسكنات الوظيفية متوفرة والتكفل بعملية التنقل بين مختلف المناطق مضمون، إضافة إلى الأجور المغرية التي قد يحصل عليها عمال هذه الشركة مقارنة بما يتقاضاه الأطباء من راتب شهري، يرونه غير متكافئ مع ما يقدمونه من تضحيات. وفّروا لنا الإمكانيات ثم أرسلونا إلى المريخ قدرت وزارة الصحة عجز الجزائر في التغطية الطبية ب 5000 : طبيب في ظل تمركز أغلب الأطباء في المدن الكبرى بالشمال و10 آلاف طبيب مقيم بفرنسا وتمثل تخصصات طب النساء والتوليد والأطفال ومعالجة السرطان، أكبر نسبة عجز. وفيما يخص هذه الإحصائيات طالب أحد الأطباء المختصين، الوزير بتحقيق التكافؤ في التغطية الطبية من جميع النواحي وأرجع المعاناة الحقيقية للمرضى في الجنوب إلى عدم توفير الكميات اللازمة من الأدوية وبالتالي يضطر الأطباء هناك لتحويلهم إلى العاصمة للحصول على الجرعات الكافية. (م.ب) طبيب مختص في الطب الداخلي وأحد مندوبي التكتل يصرح ل''البلاد'' ''زملاؤنا في الجنوب يعانون الأمرين والمرضى أيضا .. زملاؤنا يعجزون عن إجراء أبسط العمليات الجراحية بسبب نقص الأدوية وغياب الطواقم الفنية والطبية التابعة لهم وهم لا يرفضون العمل في الجنوب وإنما يطالبون بتحسين الأوضاع هناك للأطباء والمرضى على حد سواء ... أما عن استيراد الأطباء قال: ''اعطونا نصف أو ربع ما تعطونهم من تحفيزات وسنكون هناك قبلهم''. صينيون وأجانب لمعالجة الجزائريين من جهتها، وزارة الصحة اهتدت إلى فكرة استيراد أطباء أجانب من الصين وكوبا لتغطية العجز في الأطباء الأخصائيين بولايات الجنوب والمناطق النائية، هذا الحل الذي استندت إليه وزارة ولد عباس كبديل عن الأطباء الجزائريين خلق عدة صعوبات وعوائق بسبب الاختلاف العقائدي والثقافي وحتى اللغوي بين هؤلاء وسكان تلك المناطق. الظاهرة هذه قوبلت برفض واستياء كبيرين من قبل المواطنين، فهم لم يستوعبوا فكرة أن يقوم أطباء صينيون وكوبيون بالكشف عنهم والإشراف على علاج نسائهم، هذا دون أن ننسى عائق اللغة الذي يحول بين تفاهم المريض مع طبيبه وبالتالي صعوبة التشخيص وحتى صعوبة تطبيق العلاج، ويروي أحد المواطنين ل''البلاد'' حادثة عاينها بنفسه حين شهد وفاة امرأة حامل في إحدى الولايات الجنوبية بسبب رفض زوجها تقديمها للكشف على يد طبيب صيني، وأمام إصرار الموجودين على تقديمها للكشف رد عليهم بالقول ''الموت و لا العار''.
قروض السكن والسيارات.. هل ستحل المشكل؟ برنامج خاص بتحفيز الأطباء للتوجه للعمل في الجنوب قامت وزارة الصحة برفعه للحكومة والمديرية العامة للوظيفة العمومية قصد المصادقة عليه، قروض للراغبين في فتح عيادات خاصة واقتناء سيارات لتسهيل عملية تنقلهم هناك، الاستفادة من سكنات وظيفية مؤقتة بمجرد وصولهم إلى مكان عملهم وتقديم مساعدات وإعفاءات ضريبية.. كل هذا جاء في برناج جديد سيتم المصادقة عليه قريبا. لحل مشكلة عزوف الأطباء عن العمل بالجنوب وتغطية العجز في نفس الوقت. أما عن رأي الأطباء المضربين في هذا البرنامج اعتبروه مجرد وعود سئموا من سماعها... وطالبوا الوصاية بتحقيقها في أقرب وقت ممكن.. وأن الإضراب المفتوح هو أكبر دليل على تأخر هذه الإصلاحات على حد تعبيرهم.
الخدمة المدنية..لها انعكاسات اجتماعية أيضا ''أنا طبيبة أعمل بالمستشفى، متزوجة وأم لطفل... أنا هنا مع هؤلاء الأطباء أطالب بإلغاء إلزامية الخدمة المدنية وأعتبر هذا القانون تعسفيا يفرق بين أبناء الشعب الواحد'' هكذا فسرت كريمة وهي طبيبة مقيمة تقطن بالعاصمة سبب رفضها موضوع إلزامية الخدمة المدنية، واعتبرت أن إلزام الأطباء دون غيرهم بقضاء سنة الى 5 سنوات في العمل بالجنوب كشرط لاستلام شهادات تخرجهم ''ظلم'' و''مساومة'' مرفوضة. قائلة ''الوزير قال لنا إن الجزائر تدرسكم مجانا... أنا أرد عليه أن كل الجزائريين يدرسون مجانا''، هذا من جهة ومن جهة أخرى كيف يطلبون مني الذهاب إلى الجنوب وزوجي يعمل هنا وأين سيبقى ابني هل هذا هو الواجب المقدس الذي تحدث عنه الوزير، أنا لا أستطيع الذهاب ولن أذهب.. سأبقى مع عائلتي هذا هو واجبي الحقيقي، حتى الخدمة العسكرية وفيها إعفاءات لن نتوقف عن الإضراب حتى تحقق المطالب، هذا أحد أوجه ما يسميه الأطباء معاناة ''الخدمة المدنية''.