الأيام الاحتفالية تتتابع واحدة بعد أخرى، والأحداث الدولية تتتابع أيضا· فهل ثمة قانون يجعل مثلا عيدا عالميا للعمال في أول ماي، ويعقبه بعد يوم واحد عيد عالمي آخر ''للجورناجية''، على وزن ''القهواجية''، أي عمال الجرائد من صحفيين عند بعض الدول ومخربشين في أنظمة أخرى، أو مجرد كتاب عموميين لا أحد يسأل عنهم تقريبا ولايحتاجونهم أيضا؟! أعراس وتهراس !!عكس الأيام التي تقام فيها الأعراس و''التهراس''، وليس من بينها بالطبع العرس البريطاني الأخير، لأنه يعرس مرة واحدة ولايطلق، كما يفعل بعضنا ونراهم في المحاكم والمنادب، فإن الأحداث يمكنها أن تخضع لمنطق السببية المباشرة وغير المباشرة، فإذا حل مثلا الجفاف ارتفعت أسعار الغلال والخضار بقرار فجائي، وإذا انقلب الجو بين عشية وضحاها، غير البائع سعر نفس السلعة التي كانت أيام الصحو وقبل انقلاب وانفلات الجو الى الأعلى، مستندا إلى فكرة أن سوء الطقس سيؤثر على جني المحصول ونقله! وهذا المنطق هو الذي يفسر انتشار الثورات العربية من نظام إلى آخر، بعد أن انطلقت الشرارة من تونس، ثم مصر ففلسطين التي تتجه نحو الخروج من الانقسام تحت ضغط الشارع وحبس مبارك (البارك قريبا) في سجن طرّة، في انتظار أن يقبع القذافي حتى هو في سجن ''طزّه'' كما كان يسمى بها العم سام أمريكا (حين كان يزعم أنه يتحداها)! وهو نفس المنطق الذي يخضع له الهجوم على مقر إقامة الزعيم أسامة بن لادن وقتله، ثم رميه في صندوق ثقيل في البحر مثواه الأخير، فالرئيس الأمريكي أوباما لابد له من تقديم عربون حب للأمريكيين الذين يرون في أسامة أخطر رجل في العالم لكي يقبلوا به رئيسا لعهدة ثانية وأخيرة، وليست عهدة ثالثة، لأن المساس بالدستور هناك تحت أي مبرر كان أخطر مليون مرة من نبش القبور! فهل تتابع الاحتفالات الوطنية والعالمية بالأيام، يخضع لمنطق، أم أن الأحداث هي التي تفرضها في نهاية المطاف! على طريقة كل شجرة وطعمها الخاص، عيد الكرز الذي يحتفل به التجار كل عام على أساس أنه محصول إستراتيجي كالدلاع وليس القمح والشعير، لايمكننا أن نحتفل به وقت جني الزيتون! لكن عيد ''السردين'' وهذا الكائن ''السامط'' اللذيذ هو أغلى ''سردين'' في العالم ويقتات على لحم ''الحرافة''، أي المهاجرين غير الشرعيين على طريقة ''باوت بيول''، في انتظار أن ينهش لحم لادن، إن فتح الموج الصندوق، ليس بالضرورة أن نحتفل به في موسم محدد مثله مثل التمر ولحم الخروف، فتلك البضاعة وكثير مما لم أذكر مستقرة على طول العام على كونها موجهة ''للبزناسة'' والمضاربين ولأولاد الأعيان، وليس من حق العمال والأجراء إلا شمها أو تحيتها سلاما، فأنت محرمة علينا حتى ندخل الآخرة بأمان إن شاء الرحمان! وبالمناسبة بدايات ماي الاحتفالية محسومة في الجزائر، فبقايا العمال ممن سمحت الحكومة ونقابة سيدي السعيد بعدم رميهم في أحضان الخواص للاستعباد، مازال عندهم عيد اسمه عيد العمال، أشبه بعيد الاستقلال يركنون فيه إلى بيوتهم أو غرف نومهم، بعد أن عولوا على سيدي وسيدهم أن يحل لهم مشاكلهم المهنية تباعا وبالتي هي أحسن! وبالطبع بعد واحد ماي، هناك ثلاثة ماي وهو عيد الصحافة وحرية التعبير أو ''التبعير''، كما سماها أحدهم، لكن المثير هنا أن 02 ماي وبين قوسين لهذا التاريخ ساحة للنقل البري شبه الفوضوي في قلب العاصمة وهي دوار كبير جدا ولاتبعد كثيرا عن الميناء وأخبارها تتحدث عن مجزرة استعمارية ارتكبها الفرنسيون (بالتعاون مع الحركة) ضد الدواكرة، فأفنوا عددا منهم، والحمد للّه أنهم لم يفعلوا مثل أمريكا فألقوا بهؤلاء في عرض الشاطئ لإخفاء آثار الجريمة ولكي لاتكون مزارا، كما يمكن أن يكون قبر بن لادن، لو دفن على الأرض، ومع ذلك فليس مستبعدا أن يعود أتباع بن لادن ولو بعيد 100 عام لذكرى الرجل وهم في قوة وليسو في ضعف، كما هو حالهم الآن فيغيرون اسم بحر العرب الذي ألقي فيه زعيمهم إلى بحر بن لادن! يوم ثالث للاحتفال!! بين عيدين بعيدين بعد الغول عن الفول أو الحمص عن البرتقال: واحد للعمال وآخر للصحافة والسخافة، لابد من إيجاد رابطة بينهما على الأقل ولو كانت أشبه برابطة الإنسان بالشيطان! يمكن طرح عدة أسماء على طريقة الأسماء المطروحة للافتاء في دار المشاكل والغباء (الجزائر)، تصلح لتخليد يجمع الإثنين معا، منها أن نسمى عيد 02 ماي عيدا للسياسيين المسوسين، وهو عيد يخلد ذكرى إطلاق النار والماء (الساخن) والرصاص (الحي والميت) على الجماهير المحتجة المطالبة بتغير أنظمة الاستبداد والفساد، وهذا اليوم لابد أن يدشنه الحكام العرب لأنهم أول من فعلوا ذلك ضد شعوبهم، وهو شيء لم تجرؤ حتى إسرائيل والصهاينة على فعله، والرابطة بين تلك الأيام الاحتفالية موجودة وفي الصميم، فالحكام حولوا الصحافة الى مايشبه ضرب ''الشيتة'' والمدح والثناء أو تحليل وقول ما لا يقبله منطق ولاعقل وجعل فئة ''الجورناجية''، على شاكلة كل الذين يزعمون أنهم مثقفون، فئة غير مرغوب فيها أصلا· وهؤلاء الحكام حولوا بفعل سياسة الخوصصة المشبوهة وتحويل الملكية، الطبقة العمالية إلى مايشبه طبقة العبيد، ولهذا ترون أن العمال العرب وفي مقدمتهم الجزائريون لايخرجون عادة للتظاهر في أول ماي، مثلما لم يخرج الصحافيون أبدا وأقصى مايفعلون في الجزائر مثلا أنهم يقفون وقفة احتجاجية (على رجل واحدة) كديك في الزبالة للمطالبة بحقوقهم في تحسين الوجبة! والأردنيون هم الوحيدون الذين خرجوا للشارع للمطالبة بجلاء البوليس السياسي الذي يؤطر العملية الإعلامية برمتها، وفق منطق كل شيء على مايرام ولاترون خيرا من الحكام يا أصحاب الأقلام! أن يكنى عيد 02 ماي عيد ''الطكوكة''، نسبة إلى طكوكة الأبقار وقت الربيع، أي هيجانه بفعل ''الذبان''، كما يقول الرعيان وهم أعلم منا ومن رعيان الحكام! وهذه التسمية مناسبة جدا للحالة الجزائرية، فالعمال، كما ترون، يتداولون على الاحتجاج بالتناوب كل يوم تقريبا، ولكل فئة يوم أو يومان تخرج فيها لتذكير السلطة بأنها صاحبة فضل على المجتمع··· فلولا الطبيب لماتت أقوام، ولولا رجال الجمارك لصار كل واحد فينا سكران بعد أن يصله نصيبه من المخدرات والهيروين، ولولا المعلم الذي يربط التلميذ في القسم لتعكر صفو الأجواء في الميدان ولهث البوليس في فرض النظام! ولو لم يكن حضرة القاضي لتفرعن أكثر أولاد الحرام! والمهم أنه في يوم 03 ماي تكون كل الفئات العمالية والشعبية قد برهنت بأنها حية وليست ميتة، وأنها قامت بدورها في ممارسة الاحتجاج والمشي والوقوف والرقاد، فيكون ذلك اليوم تتويجا لهيجانهم، وبعده يركنون إلى الراحة طيلة الجزء الأخير من الربيع وفي فصل الصيف، وهذا في انتظار الدخول الاجتماعي لتعود ''الطكوكة'' كما كانت منذ الأيام الأولى للاستعمال تتم بعزف منفرد ووفق إعطاء دور (الإنسان) كل واحد، وهو مايرقص النظام ويطرب له، لأن خطره غير عام، فمن حق البطال أن يجد عملا ولو حمالا، مثلما من حق كل الفئات أن يكون لها نصيب من الخراج الذي يأتي بعد الغاز والبترول! وطالما أن كل هؤلاء يحترمون دورهم، فلا مجال للخوف منه وليذهب يوم السياسين المسوسين المغرض (الى الجحيم)، لأن إصلاحات صالح مضافا إليه (بن) الجزائرية في قومه ثمود ستأتي أكلها ولو بعد عهود··· والمهم فقط الاستمرار في ''الطكوكة'' إلى الوقت المعلوم···· وبعدها راحة ونوم ولاتسألون ولاتسألون (بضم الميم)! وكل عام والعمال والهمال والصحفيون والكتاب العموميون (في ساحة الشهداء) في القمة، مثلما كان الشعب اللبيب وقت القذافي!