البلاد - عبد الله نادور - يستغرب العديد من المراقبين التناقض الذي تسير به السلطات القائمة في التعامل مع الجزائريين، والتحضير للمرحلة القادمة التي يعتبرها الحراك الشعبي السلمي إنتاجا للمنظومة نفسها التي يطالبها بالرحيل الفوري وفي مقدمتها الباءات الأربع الممثلة في بن صالح وبلعيز وبدوي وبوشارب، خاصة إذا ما نظرنا إلى سرعة التعامل مع الرئاسيات القادمة التي أعلن عن إجرائها بتاريخ 4 جويلية القادم. خطاب عبد القادر بن صالح، رئيس الدولة، يوم الثلاثاء الماضي، لم يتطرق إلى الرئاسيات التي وقع مرسوم استدعاء هيئتها الانتخابية في اليوم الموالي، واكتفى حينها بالإشارة إلى هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، ما جعل بعض المتفائلين يتوقع أن يدعو رئيس الدولة الطبقة السياسية لحوار بخصوص هذه اللجنة، غير أنه فاجأهم يوم الأربعاء بتوقيع مرسوم يدعو فيه الجزائريين لتحضير أنفسهم للرئاسيات القادمة، وهو ما يعني الشروع الفعلي في السباق نحو كرسي المرادية. ولا يخفى على أحد أنه في هذه الحالية، فإن المنظومة القانونية نفسها التي سيرت الاستحقاقات الماضية وأنتجت برلمانا ومجالس محلية، ورئيسا منقوصا في الشرعية، طالب الجزائريون برحيل أغلبهم، ستعيد لها إنتاج المنظومة نفسها. فالعاقل يعرف أن المدخلات نفسها تؤدي حتما إلى نفس المخرجات والنتائج، الأمر الذي يطرح التساؤل حول جدية طرح رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، كيف للرجل أن يدعو إلى إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات ثم يستدعي الهيئة الناخبة للرئاسيات، ستشرف عليها حتما وزارة الداخلية والعدل والولاة، الأمر الذي يرفضه الشعب والطبقة السياسية قاطبة. يتساءل العديد من المراقبين عن محل إعراب هيئة رئيس الدولة بن صالح، من تنظيم الرئاسيات القادمة، ففي العديد من الدول التي توجد فيها هيئة مماثلة، فإن هذه الأخيرة هي التي تنظم الانتخابات من ألفها إلى يائها، ما يعني أن استمارات الاكتتاب الفردي للترشح هي التي تسلمها، وهي التي تراقب العملية برمتها. وبخصوص المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، فإن العملية في هذه الحالية ستقوم بها مصالح الداخلية، وهي الجهات نفسها التي قالت إنها جمعت قرابة 6 ملايين توقيع للرئيس السابق بوتفليقة، بطريقة أثارت شكوك الجزائريين، وهي الإدارة نفسها التي منعت بعض المترشحين في وقت سابق من جمع التوقيعات، أيعقل هذا؟ هل يقبل الجزائريون بإعادة الأساليب نفسها في التحضير لاستحقاق مهم مثل انتخاب رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة الجزائرية؟ كيف ستجرى عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية في غياب على الأقل الهيئة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات (هيئة دربال سابقا)؟ في حين كان يجب على الهيئة المستقلة التي دعا إليها رئيس الدولة أن تنصب لتراقب العملية، على الأقل لتعطي انطباعا على صدق وجدية القائمين على هذا المسعى. فكيف سيصدق الجزائريون هذا المسار في حين أن العملية الانتخابية ومسارها انطلق باستدعاء الهيئة الانتخابية والشروع في المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية؟ كان على هيئة بن صالح أن تشرف على هذا المسار، الذي انطلق بعيدا عن أعين الرقابة.كما تساءل العديد من المراقبين، كيف غاب عمن فكر ودبر لهذا المسار أن رئيس الدولة بن صالح، سيجد صعوبة كبيرة في التحاور مع الطبقة السياسية للتوصل إلى هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها ومراقبتها وإعلان نتائجها، في حين الوزير الأول نور الدين بدوي وجد صعوبة في تشكيل حكومة، بعد أن رفضته كل النقابات والجمعيات والطبقة السياسية الجادة، ما جعل الحكومة تولد مشوهة ومرفوضة شعبيا. فكيف لبن صالح أن يتحاور مع المجتمع وهو مرفوض شعبيا ومطالب بالرحيل؟ يبدو أن الدوامة التي دخل فيها النظام القائم ووجوهه التي لاتزال قائمة، لن تجد لها حلا إلا من خلال طاولة الحوار، يجلس عليها الجزائريون من مختلف مشاربهم، لبحث سبل الخروج إلى بر الأمان، ضمن المواد 7 و8 و102 من الدستور التي تضمن السيادة الشعبية، وضمن المادة 28 من الدستور التي تنص على أن "تنتظم الطّاقة الدّفاعيّة للأمّة، ودعمها، وتطويرها، حول الجيش الوطنيّ الشّعبيّ. تتمثّل المهمّة الدّائمة للجيش الوطنيّ الشّعبيّ في المحافظة على الاستقلال الوطنيّ، والدّفاع عن السّيادة الوطنيّة. كما يضطلع بالدّفاع عن وحدة البلاد، وسلامتها التّرابيّة، وحماية مجالها البرّيّ والجوّيّ، ومختلف مناطق أملاكها البحريّة".