الإرادة السياسية هي الضمان الأكبر لنزاهة أي اقتراع عشية مجلس الشورى، ما هي قراءتكم للوضع حاليا؟ نحن أمام حَراك شعبي، خرج ضدّ الفساد والاستبداد، ولا يزال ما تبقى منه رافضًا للانتخابات تحت إشراف رموز النظام السياسي البوتفليقي. ونحن أمام استحقاق رئاسي ضروري للبلاد، نظرًا للفراغ السياسي والدستوري والمؤسساتي، ونظرًا لخطورة الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي والأمني للبلاد. ومن غير المعقول أن تبقى البلاد بلا رئيسٍ للجمهورية، وليس من مصلحتنا جميعًا استمرار الوضع الانتقالي والاستثنائي القائم، وأنّ فشل هذه الانتخابات للمرّة الثالثة سيشكّل تهديدًا حقيقيًّا، ودخولاً في مسارٍ مجهول لا تُحمد عقباه.
أجرت الحركة استشارة واسعة قبل انعقاد مجلس الشورى اليوم السبت، ما هي التوجهات الكبرى لهذه الاستشارة؟ الحركة تحترم نفسها وتحترم قواعدها وتحترم مؤسساتها وتحترم الأدوات الديمقراطية لصناعة القرار فيها قبل اتخاذه، ولذلك لجأت إلى توسيع الاستشارة الداخلية والخارجية والاستشارة المركزية والمحلية. والحركة جزءٌ أصيلٌ من هذا الشعب، وهي لا تختلف عن التوجهّات العامّة له بكلّ مكوناته ومستوياته. الأغلبية متوجّسة من استمرار الوضع القائم وخطورته، وترى أنّ هذه الانتخابات رغم بعض التحفّظات عليها هي ضرورية للبلاد، ولذلك لابد من المشاركة فيها، مهما تكن قناعاتنا الشخصية والحزبية منها.
دعا رئيس الحركة للتوافق، هل ترون الأمر ممكنا قبل الرئاسيات، أم أنّ الأمر قد حسم؟ مشكلة مرشّح التوافق الوطني لا تتوقّف على إرادة وقناعة حركة مجتمع السلم، بل على إرادة وقناعة الأطراف الأخرى. الظاهر أنّ الجميع معني بالتنافس والتهافت على الترشّح الشّخصي والحزبي، وهو ما نلاحظه في الهرولة نحو سحب استمارات الترشّح. ولكن يبقى التوافق الوطني ممكنًا، وهو الحلّ الأمثل للجزائر قبل أو بعد الرئاسيات، لأنه لا يوجد أي حزبٍ أو رئيسٍ يمكنه أن يتحمّل المسؤولية السياسية تجاه البلاد بشكلٍ أحادي أو انفرادي أمام الأزمة متعدّدة الأبعاد التي تواجهها البلاد اليوم وغدًا، مع أن الحديث عنه من حيث المبدأ له قوة في الحجّية وفي تبرئة الذمّة، أما من الناحية الواقعية والإجرائية فقد أصبح خيارًا صعبًا..
كيف ترى الحركة قانوني السلطة المستقلة للانتخابات وتعديل قانون الانتخابات، هل يكفيان لضمان انتخابات نزيهة؟ لم تكن مثاليةُ القوانين يومًا كافيةً لضمان نزاهة الانتخابات، ولكن الذي يضمن ذلك وفق تجارب الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها هي مؤسسات الدولة، التي هي مِلكٌ للشعب كلِّه، والتي يُفترض فيها الحيادية، وأن تكون على نقطةً متساوية من جميع الأحزاب والمترشحين، وذلك بفرض سيادة القانون على الجميع، وهو ما نعبّر عنه بتوفر الإرادة السياسية العليا.
تحدثتم عن الإرادة السياسية لضمان نزاهة الاقتراع، ما المقصود بذلك؟ الحقيقة أنّ الإرادة الشعبية، سواءٌ عن طريق الحَراك الشعبي أو عن طريق المشاركة الشعبية الواسعة في هذه الانتخابات ومراقبتها هي مَن توفّر ميزان القوّة الذي يضغط على النظام السياسي من أجل الإرادة السياسية العليا الحقيقية، والتي تفرض الحيادية على كلِّ مؤسسات الدولة.
هل لكم تحفّظ على رئيس السلطة المستقلة للانتخابات وعملها إلى حد الساعة؟ لنا تحفّظات حقيقية على هذا المسار، ابتداءً من تشكيل لجنة الحوار وعملها ومخرجاتها وتمرير مشاريعها على البرلمان، وكذا طريقة تشكيل هذه السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، ونحن لا نطعن في الأشخاص والهيئات، ولكن من حقّنا معارضة الأساليب والسياسات والذهنيات السابقة. وأعتقد أن مسؤولية نزاهة الانتخابات تتجاوز قدرة وصلاحيات ورجالات هذه السلطة على ذلك.
بدأت تظهر ثنائيات واستقطاب بخصوص الاقتراع القادم، كيف تقرأون الأمر؟ الأهمّ من مكاسب أيِّ تجربة ديمقراطية ليست فيمن يفوز بالانتخابات، ولكن في مدى تحقّق مكسب الحرية والديمقراطية وتجسيد الإرادة الشعبية الحقيقية، ونحن أمام منافسةٍ انتخابيةٍ عادية، والأصل أنّ الشعب هو مَن يحسم فيها، ولا يمكن الانزلاق إلى الاستقطاب العدمي، وإلى التخوين أو الشيطنة في خيارات اجتهادية تقديرية، ولا عصمة لأحدٍ فيها.
كيف ستتعامل الحركة مع الرئاسيات القادمة، يعني هل ستشاركون أم ستقاطعون، ومن هو مرشح الحركة؟ الأصل أنّ الموقف الطبيعي والمبدئي لأيِّ حزب سياسي هو المشاركة في أيِّ استحقاق انتخابي، لعرض برنامجه ورجاله على الإرادة الشعبية، إلاّ أنّ هذا الاستحقاق الرئاسي حسّاسٌ ودقيق، وليس من البساطة اتخاذُ أيِّ قرارٍ كاملٍ وآمِن، للظروف العامّة الذي يُجرى فيها، ولذلك ستبقى كلُّ الخيارات مفتوحة أمام الحركة، وإذا شاركت الحركة فمن الطبيعي ومن التقاليد السياسية العادية هي المشاركة برئيس الحركة.