مكافحة الفساد والحوار مع "الحراك" أولوية الأولويات البلاد - زهية رافع /حليمة هلالي - يعتلي عبد المجيد تبون، كرسي القاضي الأول في البلاد تحت الضغط، بفعل الملفات الساخنة التي تنتظر الفصل أو المراجعة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وتجمع الأوساط الاقتصادية والشعبية الجزائرية، على أن الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، سيواجه ملفات حارقة في غاية الأهمية، وأنه يتعين عليه منذ اليوم الأول، الانكباب على حلها. نظريا نجح عبد المجيد تبون في كسب الرهان والفوز برئاسة الجزائر من الجولة الانتخابية الأولى، ليصبح بذلك ثامن رئيس للبلاد، وأول خليفة منتخب للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أطاح به الحراك، لكن ميدانيا يعد طريق تبون في العهدة الرئاسية ملغما وتعترضه قنابل موقوتة، يدرك الرجل المتمرس في دواليب السلطة عمقها وخطورتها، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، وبشكل خاص تحقيق توافق داخلي، وسد ثغرات الدستور وحل الهيئات الموروثة عن العصابة. أمام تبون تحديات كبيرة، على رأسها الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، في ظل استمرار الحراك الشعبي، والشرخ السياسي الواقع بين مختلف التيارات الحزبية، فضلا عن محاولات التدخل الخارجية، ما يحتم على الرئيس المنتخب الإسراع في تحقيق توافق داخلي، وإعادة اللحمة الوطنية لحل الأزمة السياسية، من خلال دستور يتوافق عليه الجميع، وإشراك الشباب في صناعة القرار، ومن ثم التفرغ لحل بقية الأزمات، لاسيما الاقتصادية منها، والتي بدأت ملاحمها تلقي بظلالها الثقيلة على الواقع الاجتماعي. ولعل وعي الوافد الجديد لقصر المرادية بحجم وثقل هذه الأزمات، هو ما جعله يضع ضمن أولويات عمله، التي كشف عنها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقب إعلان فوزه، عن عزمه ببدء مشاورات لإعداد دستور جديد يطرح على استفتاء شعبي عام، وذلك لإصلاح التلاعبات التي جعلت الوثيقة الأهم لسير الدولة تسن على المقاس لمصالح شخصية، وبالتالي فإنه يتوجب على الوافد الجديد لكرسي المرادية العمل على الثغرات التي ينام عليها الدستور باتجاه إقرار المزيد من الحريات الديمقراطية، وكذا تكريس الفصل بين السلطات، كما وعد في حملته الانتخابية. وسيكون إعادة رسم خارطة سياسية جديدة تحصيل حاصل لهذه المراجعة التي ستتبعها عملية حل وتفكيك الهيئات المنتخبة الموروثة عن النظام السابق، والتي يجمع السياسيون والمراقبون على أنها جاءت عن طريق التزوير والمال الفاسد، على غرار المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وكذا المجالس المحلية المنتخبة، والدعوة لانتخابات برلمانية مسبقة تفرز تركيبة جديدة لتسيير المرحلة المقبلة، وتجاوز تركة النظام السابق.
تفكيك قنبلة الحراك وفتح الحوار الاختبار الثاني كما عرض الرئيس الجديد على قادة الحراك الشعبي فتح صفحة للحوار الجاد من أجل بناء الثقة والتأسيس لما أسماها الجمهورية الجديدة، وهي الخطوة الأكثر تعقيدا والمهمة الصعبة التي تنتظر الرئيس عبد المجيد تبون، حيث تراهن السلطة بانتخاب رئيس جديد على إنهاء هذا الحراك الممتد منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وسيعتمد تبون في هذه الخطوة على رصيده خلال الحملة الانتخابية، بعدما نجح في تسخير حركة الاحتجاج واستغلالها كمصدر للتأييد من أجل الإصلاح، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المقام هو مع من سيتفاوض تبون على مسار يحظى بالقبول على نطاق واسع للمضي قدما في ظل غياب قيادة واضحة للحركة الاحتجاجية.
مواجهة العصابة والمال الفاسد واسترجاع الأموال تحت مجهر الشعب لكن الأصعب من تفكيك قنبلة الحراك، هو مدى قدرته على التعامل مع ملفات الفاسد وملاحقة العصابة وأذنابها، مثلما صرح أمس الأول، حيث ستكون الإجراءات المتخذة تحت مجهر الشعب، الذي سيتابع كل تفاصيل وقرارات الرئيس الجديد في هذه المسألة، وهو المتعطش لسقوط أقنعة العصابة واسترجاع الأموال المنهوبة، لكن لا يمكن الحديث عن هذه الخطوة دون الوقوف عند امتلاك تبون لورقة رابحة من خلال التوجه الذي قاده في فترة رئاسة الحكومة ضد "الكارتل" المالي أو رموز العصابة، عندما تعرض إلى رجال الأعمال الكبار ذوي النفوذ في الحلقة المحيطة بالرئيس، وهي الحملة التي سمحت بتعزيز أوراق اعتماده بوصفه شخصية نزيهة وقفت في مواجهة بوتفليقة، معطى يجعل مهمة فصل المال عن السياسة، والحد من نفوذ رجال الأعمال المقربين من بوتفليقة، واتخاذ إجراءات فعلية عبر فتح ملف الضرائب والمشاريع غير المنجزة، ثاني اختبار لتبون، خاصة أن الظروف الحالية مختلفة تماما عن السابق، بوجود إصرار شعبي على إغلاق كافة المنافذ أمام السياسيين، وحتى رئيس الدولة نفسه، لأي وعود وهمية أو التلاعب بطموحات الجزائريين في الحصول على نصيب من ثروات البلاد التي ذهبت طيلة سنوات لجيوب الفاسدين، وسيكون مجبرا على إيجاد آليات قانونية وجدية من أجل اجتياز هذا الامتحان. كما يقف تبون عند تحدٍ آخر، وهو رفع الظلم عن ضحايا من أسماهم بالعصابة، بعدما أكد أنه سيعمل مع الجميع دون تهميش أو إقصاء أو نزعة انتقامية، متعهدا باسترجاع هيبة ونزاهة ومصداقية الدولة لدى المواطن. وبالإضافة إلى حلحلة الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، يواجه تبون أصعب وضع اقتصادي تشهده الجزائر منذ عقود، مع تراجع عائدات الطاقة والتخفيضات الصعبة في الإنفاق الحكومي.
آمال العمال معلقة على وعود المترشح عبد المجيد تبون كما واجه رئيس الجمهورية الجديد، عبد المجيد تبون، ملفات اقتصادية ثقيلة ورثها عن سابقه عبد العزيز بوتفليقة، جعلت البلاد تدخل في أزمة حقيقية، خاصة بعد انهيار أسعار النفط وعواقبه على عائدات البلاد، ما تسبب في تراجع القدرة الشرائية وانخفاض المستوى المعيشي، وانهيار احتياطي الصرف، الذي جر معه قيمة الدينار التي أصبحت لا تساوى شيئا مقابل العملات الأجنبية. ويواجه تبون رهانا صعبا، حيث تظهر الأرقام الرسمية انخفاض الاحتياطات النقدية من نحو 197 مليار دولار إلى أقل من نحو 70 مليار دولار مطلع هذا العام، وسط مخاوف من نضوب احتياطي الصرف الذي غطى عجز الموازنة السنوية خلال السنوات الخمس الماضية، إذ أن هناك محاولات مضنية للحفاظ على التوازنات المالية عبر الإبقاء على مستوى معين من الإنفاق، حيث رصدت موازنة لعام 2020، بما يفوق 118 مليار دولار، حيث ستكون عملية التصرف فيها اختبارا آخر لا يقل أهمية عن باقي الملفات بالنسبة لتبون.
خزينة فارغة وقدرة شرائية في الحضيض وتشير الأرقام إلى أن الجزائر بسبب عجزها المالي العمومي الذي جعل خزينة الدولة تسجل عجزا جرها إلى اللجوء للتمويل غير التقليدي بإصدار وطبع النقود الذي وصل مستواه إلى أكثر من 7500 مليار دينار ما يعادل 37 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وتتعرض الدولة إلى مشاكل في توفير موارد مالية للتكفل بنفقاتها في وقت أصبح تقليص هذه النفقات صعب المنال دون أن تحدث اضطرابات اقتصادية واجتماعية، فتقليص نفقات التجهيز المقدرة ب2929 مليار دينار في سنة 2020، سيؤثر على وتيرة نمو الاقتصاد الوطني، الذي اعتمد خلال السنوات الماضية، على نفقات الدولة لدفعه. ويواجه الرئيس مهمة إنعاش احتياطات الصرف التي انكمشت لتنخفض إلى مستوى 51 مليار دولار، أي ما يكفي تغطية 12 شهرا من فاتورة الاستيراد، ومهددة بالتراجع إلى حدود 39.7 مليار دولار سنة 2022، وذلك بسبب استمرار تسجيل عجز ميزان المدفوعات، هذا العجز المقدر ب8.7 ملايير دولار في 2020، و6.6 ملايير دولار في 2021، و5.3 ملايير دولار في 2022. وتتوجه الأنظار لتحقيق وعود الرئيس التي أقرها في برنامجه الانتخابي وما تحمله من حلول، خاصة حماية قدرتهم الشرائية، التي تتأرجح منذ بداية انهيار الدينار قبل 5 سنوات. وكانت الأزمات المعيشية أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع احتجاجات ساخطة منذ شهور أطاحت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وما زالت مستمرة حتى الآن. ومع اتضاح الصورة والكشف عن الرئيس الجديد، ينتظر "الزواولا" والسواد الأعظم من الطبقة الهشة حلولا تنقض جيوبهم المنهكة بغلاء المعيشة، سواء برفع الأجور أو رفع قيمة الدينار، أو على الأقل إلغاء بعض الضرائب. كما ينتظر الشباب وخرجو الجامعات فتح آفاق جديدة للمشاريع تمكنهم من إيجاد مناصب شغل تحميهم من البطالة المتزايدة. وتعاني الجزائر من أزمة مالية حادة في ظل تراجع الإيرادات النفطية، هوت إثرها احتياطات الجزائر من العملة الصعبة إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية أفريل 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، أي بانخفاض قدره 7.28 مليارات دولار في أربعة أشهر فقط. وتوقعت الحكومة في موازنة 2019، انخفاضا في احتياطات الصرف إلى 62 مليار دولار، ثم إلى 47.8 مليار دولار في 2020، لتتهاوى إلى 33.8 مليار دولار في 2021.