أحياء تئن تحت وطأة التكاثر الديموغرافي وعمارات تئن تحت ثقل السنين والأوزان التي تحمل وعوامل الطبيعة الأخرى. وشاخت مدن الجزائر بما في ذلك العاصمة العامرة، بنايات من القرنين الماضيين. عمران من عهد الأتراك والاستعمار الفرنسي أصبح عرضة للتآكل والانهيار على رؤوس قاطنيه على مرأى ومسمع القائمين على صيانته أوتجديده. يشكو العديد من العائلات الجزائرية القاطنة بالأحياء الشعبية الكبرى على مستوى الجزائر العاصمة من انهيار وتآكل سكناتهم التي أكل عليها الدهر وشرب، حيث إن أغلبها يرجع إلى الحقبة الاستعمارية. عشرات بل آلاف البنايات تعاني من المشكل نفسه، أغلبها تقع بالأحياء العتيقة بالعاصمة على غرار: باب الوادي، حي القصبة العتيق، بلوزداد، الحراش، المدنية، باش جراح، وادي قريش وغيرها من الأحياء الآيلة للانهيار، تحولت على مر السنين إلى معاقل لممارسة السلوكات اللاأخلاقية. ومثال على ذلك حي ديار الكاف الذي تتقاسم العائلات القاطنة به مرحاضا واحدا. كما أن هناك أكثر من عشرة أفراد يقيمون في غرفة واحدة، مما جعل الكثير منهم يصابون بالكثير من الأمراض المزمنة، خاصة الربو والحساسية، وذلك في ظل تعنت السلطات الوصية بالنظر والرأفة بحال هؤلاء المواطنين، كما لم يجد الكثير من سكان هذه الأحياء من منفذ سوى اتخاذ بيوت الصابون كسكنات لهم، وتحولت كل السطوح إلى سكنات وهو ما أثّر على وضع العمارات. وبالرغم من شكاوى السكان المتكررة الذين أودعوا طلبات بإعادة تهيئة هذه السكنات المتكررة على مستوى مكاتب السلطات البلدية، إلا أنهم أكدوا في تصريح ل''البلاد'' أنهم لم يلقوا سوى أذن من طين وأخرى من عجين، ووعود بقيت معلقة إلى إشعار لاحق. وفي السياق ذاته عبر لنا البعض منهم من تذمرهم لتعنت السلطات المحلية بالتدخل للحد من معاناتهم، إلى درجة أن هذه العائلات أضحت تفضل العيش في الأقبية التي تفتقر إلى أدنى المقومات الصحية والعمرانية، خاصة النوافذ والمراحيض، وأن آخرين أخذوا من أسطح العمارات بدل البقاء تحت سقف شققهم التي قالوا إنها من الممكن أن تسقط على رؤوسهم بين الفينة والأخرى. والأدهى في الأمر كله أنهم أصبحوا لا يعرفون نكهة النوم الهنيء خوفا من أن تنهار البيوت عليهم، وهذا ما شوّه المنظر العام للبلدية التي كانت مثالا للأحياء الراقية. للإشارة، فقد وقعت العديد من الحوادث المؤلمة جراء سقوط بعض البنايات على سكانها وهم نيام. ورغم الاحتجاجات المتكررة للكثير من سكان الأحياء الشعبية والتي تحولت في عديد المرات إلى مشادات كلامية بين رجال الشرطة والمواطنين، إلا أنهم في كل مرة يتلقون الوعود الجوفاء دون التوصل إلى نتيجة إيجابية، وبقيت الأوضاع على حالها وتواصلت معها مأساة العائلات. وكمثال على ذلك ما وقع في السنوات الماضية في حي اطنجةب بالجزائر الوسطى، حيث تم إغلاق العديد من المحلات التجارية مما حرم الكثير من أرباب الأسر من كسب قوت يومهم. كما أن الجهات المحلية لم تقدم أي تعويضات لهؤلاء التجار الذين فقدوا مصدر عيشهم. ورغم هذه المآسي المتواصلة إلا أن السلطات والمجالس البلدية تحديدا بقيت مكتوفة الأيدي في انتظار المزيد من الكوارث، بل أظهرت عجزا صارخا عن التكفل الأنسب بالحظيرة السكنية الوطنية ككل.