من المنتظر أن تكشف وزارة السكن والعمران هذه السنة عن التدابير التطبيقية لتمكين المواطنين من الاستفادة من دعم الدولة، قصد ترميم وصيانة سكناتهم القديمة، حيث كانت الدولة قد قررت في السنوات القليلة الماضية التكفل جدياً ونهائياً بملف البنايات القديمة التي أصبحت تعد بمئات الآلاف عبر الوطن، محولة مدننا إلى ديكور لا يسر العين ويشكل خطراً على شاغليه، وفي هذا الصدد كشف مدير الهندسة والعمران بوزارة السكن السيد مخلوف نايت سعادة ل"المساء" أن الدولة خصصت ضمن قانون المالية 2010 غلافا ماليا يقدر ب 10 ملايير دينار للتكفل بالملف، مشيراً إلى أن عملية الفحص التي خضعت لها البنايات القديمة بأربع مدن كبرى وهي وهران، قسنطينة، عنابةوالجزائر العاصمة انتهت لتنطلق بعدها دراسات تنفيذ أشغال الترميم لتحديد ما تتطلبه كل بناية. وتعكف مصالح وزارة السكن حاليا على إجراء آخر اللمسات لإعداد الإجراءات التطبيقية الخاصة بمنح المواطنين أصحاب السكنات القديمة دون استثناء إعانة قصد ترميمها وصيانتها، ومن المنتظر أن تمس هذه "المساعدات غير المسبوقة" مئات الآلاف من السكنات القديمة والتي تمثل حسب بعض المصادر المطلعة حوالي عُشر الحظيرة الإجمالية للسكنات في الجزائر، كما تحصي مصادر مختصة ما يزيد عن نصف مليون وحدة سكنية في البلاد، مدرجة ضمن اللائحة السوداء بحكم قدمها وهشاشتها، وهو ما كشف عنه وزير السكن والعمران السيد نور الدين موسى الذي أكد مؤخراً أنّ عدد البنايات الهشة بلغ 553 ألف سكن، بما يمثل 8 ? من الحظيرة الإجمالية للسكنات في بلادنا، وتأتي هذه المساعدات في وقت يجدد فيه المراقبون تحذيرهم من الوضعية الحظيرة القديمة خاصة وأن كل الدراسات والخبرات أكدت أن الجزائر بلد معني بدرجة كبيرة بالنشاط الزلزالي. وحسب السيد نايت سعادة، فإن المواطنين المعنيين بالملف شرعوا في تحضير ملفاتهم المتضمنة طلبات الإعانة التي قررت الدولة منحها لأصحاب السكنات الهشة التي تحتاج إلى عملية ترميم، ولم يخفِ ممثل الوزارة صعوبة العملية التي تعتبر معقدة للغاية، بحيث أن العملية تتطلب تحديد حاجة كل بناية وفحص مسكن بمسكن لتحديد التكلفة اللازمة، مضيفاً أن الأمر يعتبر أكثر تعقيدا بالنسبة للعمارات التي تضم مجموعة من القاطنين إذ يبقى الإشكال القائم في من يتقدم بالطلب. ويذكر مصدرنا أن هذه السكنات الهشة توجد بمعظم ولايات الوطن، إلا أننا نجدها مركزة بنسبة أكبر في أربع ولايات رئيسية هي: العاصمة، عنابة، وهرانوقسنطينة، وتستوعب المدن المذكورة مجتمعة حسب بعض المصادر المطلعة ما لا يقلّ عن 85 ألف سكن هش، ويزيد عمر الكثير من هذه البنايات الهشة عن الستين عاماً ويصل بعضها إلى القرن، مما يجعل الكثير من المراقبين يطرحون تساؤلات عن سبب بقائها كل هذا الوقت، دون معالجة، إلا أن هذا لا يعني أن البنايات الهشة التي تتطلب أشغال ترميم كلها بنايات قديمة من حيث تاريخ بنائها، إذ توجد - حسب ممثل وزارة السكن- بنايات جديدة أنجزت في الثمانينيات والتسعينييات، ومع ذلك فهي بحاجة ماسة إلى ترميم أو صيانة ويعود ذلك إلى عدة أسباب، ليبقى الإهمال وعدم اهتمام المواطن بمسكنه وضرورة صيانته السبب الرئيسي، مشيراً من جهة أخرى إلى أن هناك بنايات تعود إلى العهد الاستعماري ومع ذلك فهي لا تزال في وضعية جيدة. نهاية عملية الفحص وانطلاق دراسات التنفيذ الخاصة بكل بناية ويذكر مصدرنا أن انطلاق مرحلة إعداد الدراسات التقنية المحددة لطبيعة الأشغال الملائمة لكل بناية من جهة وبداية الإجراءات الخاصة بترميم السكنات القديمة عبر كامل التراب الوطني والشروع في تسليم الإعانات التي خصصتها الدولة للمواطنين المعنيين تزامنت، مع الانتهاء من عملية الفحص والخبرة التي انطلقت السنة الماضية والتي خضعت لها بعض المدن الكبرى هي الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة، عنابة وسكيكدة وهي العملية التي خصصت لها الدولة غلافا ماليا معتبرا يقدر ب 850 مليون دينار كان نصيب ولايتي وهرانوالجزائر لوحدهما أزيد من 350 مليون دينار، علما أنه وحسب ممثل وزارة السكن، فإن من بين الأحياء القديمة التي أصبحت حقاً في حالة يرثى لها من حيث تضرر بناياتها بدرجة كبيرة نجد حي سيدي الهواري بمدينة وهران وحي لابوليتان بعنابة، وتتمثل المرحلة الثانية من العملية والتي انطلقت بداية هذه السنة في إجراء "دراسات تنفيذ" خاصة بكل بناية والتي سيتم فيها مراعاة حالة كل بناية وتحديد نوعية الأشغال التي تتطلبها وضعيتها، علماً أن الدولة خصصت أيضاً غلافا ماليا يقدر ب 350 مليون دينار لتهيئة وترميم المرافق العمومية الاجتماعية الموجودة بالأحياء القديمة العتيقة المنتشرة عبر مدننا من هياكل وطرقات وقنوات المياه الصالحة للشرب وغيرها، هذه العملية التي انطلقت سنة 2006 وتستمر إلى غاية اليوم تشمل 13 ألف حي عبر الوطن يستفيد منها زهاء 18 مليون من السكان. حماية الذاكرة المادية للأمة ضمن اهتمامات الدولة ولم يستثنِ دعم الدولة المساكنَ القديمة ذات القيمة التاريخية والثقافية بصفتها جزءاً من تاريخ الجزائر قصد ترميمها وبالتالي إنقاذها من الانهيار والضياع، حيث أكد مدير الهندسة والعمران السيد نايت سعادة أن الإجراءات الجديدة التي سينطلق العمل بها هذه السنة يعني بالدرجة الأولى "القصبات" والسكنات القديمة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية والقصور بما فيها المتواجدة بمنطقة الجنوب، ويشمل الدعم المساكن التي يقطنها المواطنون في الأحياء العتيقة المتواجدة عبر مختلف ولايات الوطن وعلى رأسها "القصبات" والقصور المنتشرة بالجنوب، وسيتمكن كل من يملك منزلاً قديماً بمقتضى القرار الجديد أن يستفيد من إعانة مالية من الدولة، يتم تحديدها بعد الفحص التقني لكل بناية، على أن يساهم صاحب المسكن في تكاليف الترميم إذا فاقت حدا معينا وذلك بالحصول على قرض بنكي يمكن تسديده بالتقسيط المريح. ويشير محدثنا أيضاً إلى أنه من حق الدولة نزع أي بناية ذات قيمة تاريخية من صاحبها في حالة عجز هذا الأخير عن الحفاظ عليها وصيانتها على أن تقدم له تعويضا عن ذلك. وتأسف المتحدث لما آلت إليه الآلاف من المساكن والبنايات التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، حيث أصبح العديد منها في حالة متقدمة من التدهور جراء الإهمال الذي دام سنوات والذي يتحمل مسؤوليته الجميع مؤكداً أن مالكي العمارات القديمة لا يهمهم سوى الجانب المادي وملء الجيوب في آخر كل شهر، متجاهلين تماماً أدنى شروط الصيانة والتهيئة خاصة سلامة السكان المستأجرين، مضيفاً أن القاطنين بهذه البنايات التي هي في الحقيقة بوجودها تروي مرحلة من مراحل تاريخ الجزائر وتحفظ جزءا من الذاكرة الوطنية يتحملون جزءا من المسؤولية في تدهور العمارات التي يقطنون بها إذ تجرأ بعضهم على تحطيم بعض الجدران وإحداث تشققات وأضرار متعمدة بشققهم وغرضهم في ذلك الحصول على سكن اجتماعي، أما المواقع التاريخية المصنفة ضمن التراث العالمي، فيوضح مصدرنا أن هذه الأخيرة ومن خلال مديريتها المكلفة بملف التعمير والهندسة المعمارية تعمل في الميدان بالتنسيق مع وزارة الثقافة من خلال مديريات الثقافة المتواجدة على مستوى الولايات. 10 بالمائة هي حصة الدولة من الحظيرة الوطنية للسكن وأصبحت البناءات القديمة في السنوات الأخيرة وتحديدا بعد زلزال 21 ماي 2003 هاجس مئات العائلات الجزائرية التي يراودها القلق والتخوف من سقوط سكناتهم على رؤوسهم بعد تسجيل انهيار عدد من العمارات ببعض أحياء العاصمة وكذا مدن أخرى والتي خلفت في بعض الحالات وفيات، وقد احتدم النقاش حول السبل الواجب اتباعها للتكفل بهذا الملف الهام وتحديد مسؤولية تدهور هذه البناءات التي تعتبر جزءا من التراث التاريخي للجزائر، علما أن هذه البناءات القديمة حسب محدثنا تمثل نسبة 45 بالمائة من مجموع الحظيرة الوطنية السكنية المقدرة حاليا ب 6 ملايين و748 ألف مسكن حسب آخر إحصاء، مليونان منها يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة ما بين 1930 و 1962، وأن 90 بالمائة من السكنات هي ملك للخواص و10 بالمائة فقط تابعة للدولة، بما يقدر ب 800 ألف مسكن تتكفل بصيانتها وترميمها دواوين الترقية والتسيير العقاري.