انطلقت أمس بولاية وهران، أشغال ملتقى وطني يرصد أهم ملامح الرواية الجزائرية ومختلف الأعمال الأدبية التي كتبت منذ بداية التسعينات· ويتيح هذا اللقاء الذي يحتضنه قسم أنثربولوجيا المخيال والدلالة بمركز البحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران تحت عنوان ”الرواية الجزائرية من 1990 إلى اليوم·· وقائع وشهادات في الكتابات الخيالية”، الفرصة لتقييم الإنتاج الروائي بالجزائر الذي شهد، وفق المنظمين، غزارة في هذا المجال خلال العشريتين الأخيرتين· ويعد الجيل الحالي من الكتاب شاهدا على الأحداث والوقائع التي تشكل مخزونا حيكت حوله القصة· كما أن تفاقم ”العنف” في التسعينيات نتج عنه ظهور العديد من الكتابات شغلت الحقل الأدبي الجزائري· ووصفت هذه الكتابات في حينها ب”الاستعجالية”، وفق تعبير الروائي الراحل الطاهر وطار، لتترك مكانها لنصوص ”ما بعد الاستعجالية”· كما برزت في الساحة الأدبية الجزائرية ابتداء من سنة 2000 نصوص روائية تنشغل بالأحداث وبوقائع المرجعية التاريخية وتتكيف معها· وبرمجت ضمن هذا اللقاء سلسلة من المداخلات سيقدمها باحثون ومختصون من الجزائر وخارجها، حيث سيدرس هؤلاء العديد من المحاور من بينها ”الرواية الجزائرية المعاصرة·· من أجل تجديد تطوري وديناميكي”، و”الرواية الجزائرية المعاصرة وأشكال تجديدها”، بالإضافة إلى ”الأشكال الجديدة للرواية في الجزائر”، و”الرواية الجزائريةالجديدة·· بين ذاكرة الحدث وحكاية الرواية ميلاد رواية شعرية”· وفي السياق ذاته، يعتقد الكاتب عز الدين جلاوجي، أن تسمية ”الأدب الاستعجالي” التي يناقشها ملتقى وهران، أطلقت على الرواية التي كتبت في فترة التسعينيات، والتي رصدت ”العشرية السوداء” أو ”الحمراء” كما يحلو للبعض تسميتها، ومعنى ذلك حسب محدثنا إخراج الشعر من رحابها لأن الشعر ابن اللحظة والشاعر عادة يكتب وفورة المشاعر تتملكه، أما الرواية فتحتاج إلى فترة تأمل، وعلى الروائي أن يمنح لنفسه مساحة بينه وبين الحدث الذي يكتب عنه· ويقول جلاوجي الذي عالج هذا الأمر في روايته ”راس المحنة 1+1=0 ··”، إن معنى ذلك أن الاستعجال هو كتابة النص مراعاة للمرحلة والحدث أكثر من مراعاة الفن الروائي ذاته، موضحا ”فعلا·· ظهر مثل ذلك في الرواية الجزائرية وتجلى في ظهور روائيين لم يكونوا كذلك وإنما أفرزتهم الظروف لاغير، ومعظمهم من عالم الإعلام كتب روبورتاجا مثلا فحوله إلى رواية وهو لا يملك الأدوات الفنية لكتابة ذلك، أو روائيين لهم مكانتهم واستجابوا للحظة وكتبوا روايات ثم تعمقت الظاهرة وتسرعت انتصارا لفئة دون أخرى أو تطبيلا لشعارات رفعت في تلك الفترة انتصارا لهذا أو ذاك وهي تشبه بالضبط ما كتب زمن الاشتراكية”· ويرى محدثنا أن الحقيقة تتمثل في أن ظاهرة الإرهاب أعمق بكثير من ذلك ولا بد من النظر إليها بكل أبعادها التاريخية والاجتماعية والنفسية· من ناحية أخرى، يقول خالد ساحلي، وهو كاتب وقاص من جيل الشباب ”لا إيمان لي بمصطلح الاستعجال في الأدب، فالكاتب الجيد يكتب ويعيد قراءة ما كتب مرات ومرات لأنه يمارس نوعا من الرقابة الإيجابية الذاتية على نفسه كونه يضع نفسه قارئا قبل أن يصير نصه لغيره·· بمعنى يؤمن بنظرية بارت حول موت المؤلف، فالكاتب الحقيقي يعرف أن القارئ لن يعذره إن أبطأ فيما كتب أم استعجله”· ويرى محدثنا أن الكاتب يكتب بدافع ملح يضغط بقوة وبقسوة على نفسه مستعينا بالعقل لأجل ترجمة هاجسه كإنسان ينقل خوفه وتأمله وتنبؤه ومشاعره بأنواعها، حيث يترجمها للآخرين لأجل قراءتها وفهمها ومعايشتها وحسّها حتى ولو كانت متمثلة في خيال واسع· وأوضح قائلا ”تكتب يعني أن تبحث عن تبادل الأدوار بينك وبين القارئ، ككاتب يؤمن بالتصنيف والمستويات مثلما القارئ مصنف بمستويات، تتبادل الأدوار على مستوى الإبداع والحس والالتزام وحالة الشعور·· فكيف إذن لكاتب يحترم نفسه أن يستعجل ما كتب·· لماذا لا نسمي هذا الأدب الاستعجالي باسم محاولات أو رداءة ويقتنع أغلبنا بتمزيق ما كتب أو يعيد كتابتها لأن الحكم في الأخير للقارئ لأنه حكم لا يقبل النقاش”· ورغم هذا يعتقد ساحلي أن ”الكلمة مثل الرصاصة·· إن خرجت لن تستردها؛ فالمحارب لا يستعجل إخراج سيفه، وإن أخرجه من غمده قاتل به حتى يقتل أو يُقتل، فرجوع السيف إلى الغمد رجوعا لراحة محارب، والعمل الإبداعي ليس ترفيها ولا لعب أكروبات ولا حلقة لعب ترميها لتعود إليك·· لقد مارسوا هذا المصطلح لتغييب بعض الأقلام واستحداث نوع من الظلامية على ما كتب في التسعينيات”· واختتم محدثنا مداخلته بقوله ”سؤالي لهؤلاء·· ابحثوا عن روايات وقصص كتبت في عشرية الدم والخوف لا تزال حبيسة الرفوف والأدراج واحكموا عليها·· لقد طبع بعضها خارج الجزائر ونالت التعظيم والتشريف، ولم تلق من أحدكم حتى سطرا من نقد”، على حد تعبيره·